في محبة الأستاذ
الأستاذ الكبير، أو الجورنالجي كما كان يحب أن يلقب، الرجل الذي عاش التاريخ وكتبه، قابل الرؤساء والملوك والوزراء والساسة، واقترب من كل مراكز صنع القرار، كان الملك في بلاط صاحبة الجلالة.
ظن البعض أن ينطفئ بريقه بعد موت ناصر، ولكنه حلق بعيدا وظل حديث العالم لسنوات طويلة حتى رحيله.
يعد من أشهر صحفيي العالم، والمتربع على عرش الصحافة في مصر والوطن العربي، مقالاته وكتبه تترجم إلى كل اللغات، كانت تنتظر تصريحاته كل وكالات الأنباء العالمية، وفي الجامعات المصرية والعربية، ظل محور رسائل الماجستير والدكتوراه لمحاولة اكتشافه.
فى البحث عن الذات للسادات هاجمه السادات، وهو من ساعده لينفرد بحكم مصر، فأطاح به من الأهرام، وتقول عليه الأقاويل، وكأنه يغير منه، لم تدم لحظات الوئام بينهما واختلفا سريعا بعد الحرب، وسعى السادات للسلام منفردا، وكان مقال كيسنجر وأنا بداية الشقاق، فالأستاذ يرفض سياسة فك الارتباط التى قبلها السادات مع كيسنجر، فطارده السادات وأصدر قرارا بتعينه مستشارا لرئيس الجمهورية، وعدم دخوله الأهرام ولكنه رفض تنفيذ القرار وقال: إن الرئيس يملك أن يقرر إخراجي من الأهرام، وأما أين أذهب فقراري وحدي، وقراري أن أتفرغ لكتابة كتبي..
وصل الأمر إلى أن أدخله السجن، ليكسر كبريائه ويقصف قلمه الذى أبى أن ينكسر، ورحل السادات وظل هو شامخا جسورا يصول ويجول فى عالم السياسة والكتابة.
لم تكن علاقته بمبارك لطيفة، رغم اللقاءات والاتصالات التي كانت موجودة، فقالوا إن مبارك همّشه وأفل زمانه، ولكنه كالطاووس يتباهى بإرثه وعلاقاته، ودائما آراؤه محل اهتمام، قال: إن النظام شاخ ويجب أن يحدث التغيير، فمنذ حادث أديس أبابا، وهو يقول عليه أن يستريح، فهاجمه النظام بكل أسلحته من أقلام مسمومة مصنوعة مشتراه، لم يبال واستمر وصدق حدس الكاهن السياسي، إن الخروج الآمن لم يعد ممكنا فقد استنفزت كل الفرص لمبارك.
لن تستطيع أن تحصر من قابلهم في حياته، من بداية الإجيبشيان جازيت إلى نهاية الرحلة من شخصيات وقامات فكرية وأدبية وسياسية من ملوك وأمراء وسلاطين كان دائما حاضرا فمن الذي يضاهيه.
كان لا يبالي بخصومه فهو يعرف متى يرد ومتى يتكلم قلمه ليدحض كل الادعاءات؟ فمفكرته لا تترك جيب بدلته الأنيقة، والتواريخ حاضرة وهو من عاش التاريخ ليكتبه.
لقد أحببته وتمنيت لو ألتقيه لحظة واحدة، أضع يدي في يديه، والتقط صورة تذكارية بصحبته، أظل أحكى عنها حكايات لا تنتهي، كنت أنظر إليه بإعجاب وشموخ، جمعت كتبه وقرأت كل ما وقع تحت يدي يحكي عنه، كنت أنظر إليه كسياسي كبير وليس صحفيا على قمة الهرم، وصانع سياسات، ومحور كل الأحداث الذى يجب أن يترك فيها بصمته ليدب فيها الحياة.
رحل الأستاذ وسيرته باقية وإرثه مستديم ومعجبيه كثر، وتلاميذ وأساتذة ما زالت تتعلم فن الصنعة، وكيف يكون الجورنالجي؟
رحم الله الأستاذ الكبير.