افتحوا الأبواب
مصر أرض الحضارة والتاريخ، أجدادنا علموا الدنيا كلها الطب والفلك والهندسة والزراعة وعلوم أخرى لم يعرفها غيرهم، سكنوا القصور وبنوا المعابد لتكون شاهدة على براعتهم، وتركوا لنا إرثًا حضاريًا وتاريخيًا ما زال العالم حائرًا كيف بنيت الأهرامات، وما زلت الأرض الطيبة تبوح بأسرار لا تنتهى، وأصبحنا علمًا يدرس في جامعات العالم الكبرى يسمى علم المصريات.
لكننا نقف الآن على حافة الطريق، نعيش على الأطلال، نخشى أن نمضى قدمًا، ونسير على خطى الأجداد لنقدم للعالم صفحة جديدة من صفحات المجد.
أصبحنا نهرب من عيوبنا، لسنا قادرين على مواجهة مشاكلنا وسيئاتنا، ندور في فلكها، نتكلم كثير ونجتمع لنتكلم مرة أخرى ومرات في نفس السياق ونفس المشكلة، حتى الحلول جعلناها مشكلة، وعندما صرخنا وجدنا الحل، تم تقطيعه إربا على كثير من الإدارات والهيئات ليأخذ كلا منهم نصيبه فيه، فتقاعسوا والتفوا حول أنفسهم ليتشابكوا في عقده تمنع الحل.
نحن نحتاج ثورة على البيروقراطية والروتين، نحتاج عقولا متحررة من القيود والانتهازية، نحتاج من يقنعنا أننا حقا نستطيع.
أبناء مصر في الخارج صاروا نجومًا لامعة في مجالات عديدة، عندما وجدوا من أمن بقدرتهم وعلمهم، والأمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى، فاجعلوا منهم قدوة لأجيال جديدة، ابنوا جسورًا ليمروا عليها إلى المستقبل من أجل أبنائنا، تخلوا عن المحسوبية وآمنوا بالكفاءة، اقيموا العدل وانشروا المساوة بين الجميع، أعطوا لأولادنا الثقة والفرصة.
بالأمس القريب عادت البعثة المصرية من باريس، بعد أن ملئنا الدنيا ضجيجًا على أننا نمتلك أكبر بعثة مصرية في تاريخ الأولمبياد، لكننا عدنا بإخفاق كبير، لغياب التخطيط والروح والثقة، واتهامات متبادلة بين اللاعبين واتحاداتهم الرياضية، وفساد ينخر في جسد الرياضة كما في باقي الجسد المصري، وستر عورتنا ثلاثة أبطال أعطونا الأمل أننا حقًا نستطيع بالجد والاجتهاد والعلم والمعرفة ووضع الخطط واتباع منهج النجاح.
فكفانا تجميل للصورة القاتمة، فلتضعوا مشاكلنا على الطاولة، دعونا نواجهها بحكمة، فنحن لا نحل ألغاز، فهناك دول جاءت من المجهول وفرضت نفسها، علينا أن نعرف قدرتنا وإمكانياتنا، وأن نتحرك بعد أن نتنازل عن غرورنا، وأن نستمع لصوت العقلاء أصحاب الدراية بكل الأبعاد ليقدموا مقترحاتهم السريعة لبدء الإنجاز.
نريد دولة مؤسسات لا دولة أفراد، لا نريد ثانوية عامة جعلنا منها حقل تجارب لكل وزير يأتي وفي جعبته حلول فردية يفرضها علينا وعندما يرحل يأتي بعده آخر يسير عكس سابقة، ويقدم لنا رؤية جديدة وبداية تجربة جديدة، لقد قصدت الثانوية العامة تحديدًا لأنها تمثل واقعنا في كل شيء.
سيقول أحدهم إن الدولة وضعت رؤيتها للتنمية المستدامة 2030، نعم نعلم ذلك ولكن هل سارت الحكومة على تلك الرؤية ؟ هل وضعت الخطط لتحقيقها وتنفيذها؟ فليرد السيد رئيس الحكومة منذ وضعت تلك الرؤية وحتى تاريخه ما هي نسبة تنفيذها؟ وما عدد السنوات التي نحتاجها لنصل إلى تحقيق مستهدفها؟
هناك أسئلة كثيرة في التعليم والصناعة والصحة وأزمة نقص الدواء والزراعة والاستثمار والسياحة والرياضة وحقوق الإنسان والبيئة وسد النهضة والمستقبل وبناء الإنسان، والمجتمع المدني، والسياسة والاجتماع والاقتصاد، وفي كل نواحي حياتنا أسئلة تحتاج إلى أجوبة ومع أن لكل سؤال إجابة متاحة وفي متناول أيدينا لكننا نراوغ لنبتعد عن الإجابة النموذجية.
وإن كان المواطن هو ركيزة التنمية وصانع النهضة فبناء الإنسان والاهتمام به أولوية أولى، ولكنه ترك فريسة لغلاء الأسعار فأرهق المواطن، وإصلاح اقتصادي تحمل فاتورته كاملة، وفاتورة باهظة من الدين الخارجي والداخلي التهمت كل عرقه، وأولويات جادة ومهمة غابت عن الحكومة لتقوم بتنفيذها ليدرك المواطن أنه في القلب منها.
يجب أن نعلم جميعا أننا نمتلك كنز من موقع ومناخ وإرث حضاري وتاريخي وثروة طبيعية وبشرية قادرة أن تستغل كل تلك المنح والهبات الإلهية لنكون في المقدمة فافتحوا الأبواب لندخل ركب التاريخ لأننا نستحق.