الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

كف خشن

الجمعة 30/أغسطس/2024 - 06:22 م

 في واحدة من أكثر القصص المؤثرة واللي تم نشرها في قسم القصص الإنسانية في جريدة "نيويورك تايمز" في سنة 2009 هي قصة السيدة الأمريكية "دايان ويلسون" اللي كان عندها وقت نشر القصة 59 سنة.

بس خلينا نرجع شوية لـ ورا وقت ما كانت "دايان" شابة عندها 24 سنة.. "دايان" زيها زى أي بنت قلبها اتعلق بزميل ليها في الكلية ومشاعرها اتحركت ناحيته بدون إرادتها والمفروض إن هو كمان كان بيبادلها نفس المشاعر.. ثم؟.. الطبيعي تنتهي القصة بالنهاية الطبيعية العادية بتاعت أى قصة حب خصوصًا مع اتفاق وتقارب الطرفين في كل التفاصيل تقريبًا بشهادة كل المحيطين بيهم.. بس لأ.. لما الأمور دخلت في الجد ابتدت "دايان" تلاحظ إن حبيبها بيزوغ من الإلتزام بأى وعود!.

بدأت تحس كمان إن شغفه من الاستمرار بيقل تدريجيًا.. مع الوقت أكتر ظهرت حقيقة شخصية الحبيب وإنه كان بيتسلى مش أكتر وآه في أمريكا موجود النموذج ده زى ما هو عندنا في مصر بالظبط في بعض الحالات.. المشكلة مش في كده.

المشكلة كانت في إن درجة تعلق "دايان" بالحبيب ده كانت كبيرة لدرجة إنها حست بغيابه النهائي إنها خسرت كل حاجة!.. البنت اتحولت من شخصية كلها طاقة وحيوية وضحك وهزار وتفوق دراسي لشخص إنطوائي مكتئب شايف الدنيا سودا ومش بتخرج من أوضتها.. "دايان" كانت بتختصر الدنيا وبهجتها في قُرب حبيبها ولما مشي ماقدرتش تشوفه وحش لكنها شافت نفسها خسرت كل النِعم اللي في حياتها!.

مر على الموقف الصعب ده شهر وإتنين وسنة وإتنين والبنت على نفس الحالة لحد ما بقت شبه عود الكبريت ولونها أصفر من الليمون.. زيارات لدكاترة، وكلام من الأهل، ومقابلات مع الصديقات برضه مفيش فايدة.

 فضل الوضع على ما هو عليه.. الغريب إن على الناحية التانية من بيتهم كان ساكن الشاب "آلان" واللي كان زميل "دايان" وزميل حبيبها السابق في نفس الجامعة.. "آلان" ماكنش في وسامة الحبيب السابق، ولا أسرته في نفس الوضع الاجتماعي الممتاز بتاعه برضه.

زود على كده إن "آلان" كان بيحب جدًا شغل النجارة من وهو في الجامعة وكانت الشهادة مش فارقة معاه أوي إنه كده كده ناوي بعد الجامعة يشتغل نجار!.. بس اللي قبل كل الكلام اللي فات ده عن "آلان" فيه تفصيلة مهمة جدًا.. وهي إنه كان بيحب "دايان".. بيحبها من بعيد لبعيد وكان بيحاول يستجمع شجاعته عشان يعترف لها لكن الحبيب السابق سبقه وبالتالي قلب "آلان" اتعصر من الألم لمدة 3 سنين متواصلة هي مدة قصة حب "دايان" مع الأفندي الأولاني اللي قلبها اختاره.

لما الموضوع اتفركش "آلان" فرح بس لما عرف إن من نتايج الفركشة التعب الصحي اللي حصل لـ "دايان" حس إنه مخنوق وضاعت طعم فرحته.. كان متعود يسأل عليها كل يوم خلال السنتين بتوع التعب.

سؤال يومي بدون لا ملل ولا إحساس بالخجل إن أبوها وأمها يقولوا وده ماله ده!.. حتى بعد ما بيسأل عنها وبيسمع الرد المعتاد إن مفيش جديد كان يقف في بلكونة أوضته اللي بتطل على شباك "دايان" لحد ما النور ينطفي عندها فيفهم إنها نامت.. بعد ما فاتوا السنتين، ولما شافت والدة "آلان" مدى حب إبنها لبنت الجيران قررت تروح تطلب إيدها من أهلها.. بس أسرة "دايان"، و"دايان" نفسها رفضوا بذوق.. من زاوية كانت "دايان" مش عايزة تكرر التجربة تاني ولا قادرة تشوف في نفسها القوة على تخطي القصة القديمة اللي كانت بالنسبالها عبارة عن أهم نعمة، ومن زاوية تانية المستوى الاجتماعي بتاع "آلان" ماكنش هينفع يكون الخيار بتاع المرحلة الجديدة بأى شكل من الأشكال.

بعد فترة بسيطة تانية اتوفى أبو "دايان".. بعدها بشوية أمها تعبت تعب صعب شوية فبدأت تحاول تقنع بنتها بالجواز من "آلان" لإنها شافت مدى محبته لبنتها عاملة إزاى.. تحت إلحاح وضغط الأم وافقت "دايان"، واتجوزت "آلان".. تقدر تقول بالفُم المليان إن الجوازة دي كانت بس لإسكات أم "دايان" عن الزن ومحاولة لإرضائها بسبب تعبها.

 مفيش أى مشاعر من "دايان" تجاه "آلان".. على النقيض تمامًا كان "آلان" أسعد إنسان في الدنيا لإنه اتجوز الإنسانة الوحيدة اللي حبها.. خلفوا وجابو 4 أولاد، ومر على جوازهم 35 سنة كاملين!.. بتقول "دايان" في قصتها المنشورة إن جزء كبير من مشكلتها مع جوزها "آلان" هو شكل كف إيده كان الوحش!.

كف ضخم جدًا مش متناسق مع باقي جسمه وإيدين متشققة بسبب طبيعة شغله كنجار وأظافر متسخة بشكل مُلفت!.. بتقول: (أخاف من ملامسته لـ بشرة أبنائنا الرقيقة بيده الغليظة، وكنت أحرج أن أمسك يده أمام الناس ونحن نتسوق أو أثناء وجودنا في أى مكان عام أو حفلة، الحقيقة هو زوج رائع بإستثناء يديه).. الفكرة بقى إن "آلان" كان بيحس بالنفور ده منها بس ماكنش في إيده إنه يعمل حاجة.

مع الوقت ولادهم اتجوزوا وكل واحد فيهم وبسبب طبيعة المجتمع الأمريكي الجافة راح شاف مصلحته ونفصل في بيت مستقل.. فضل "آلان"، و"دايان" في وش بعض.. فجأة أصيبت "دايان" بسرطان الثدي اللي انتقل بعد كده للعمود الفقري!.. بتقول في باقي كلامها إنها وإبتدءًا من وقت مرضها بدأت تبص لإيد جوزها بشكل مختلف.

اكتشفت إن الإيد دي هي اللي مسكت الأشعة اللي فيها تشخيص مرضها بالسرطان.. وهي الإيد اللي طبطبت على كتفها عشان تخفف وقع الصدمة عليها.. ونفس الإيد هي اللي كانت بتحميها وتجفف ضهرها بمنتهى الرقة لإنها ماكانتش تقدر تستحمى لوحدها بعد المرض.. نفس الإيد دي برضه هي اللي كانت بتزق الكرسي المتحرك بتاعها بالراحة وبهدوء.

وهي الإيد نفسها اللي كانت بتمسح دموع جوزها وهو حزين عليها لما شافته بيعيط زى العيال الصغيرة وهو مستخبي في أوضة جنبها بدون ما ياخد باله من وجودها.. قالت "دايان" إنها عارفة إن أيامها في الحياة بقت معدودة بحسب كلام الدكاترة فقررت إنها تفاجيء "آلان" بطلب غريب.

قالت له: (عليك أن تصطحبني غدًا لزيارة طبيب العيون).. قال لها باستغراب: (لكنك لم تشتكي يومًا من نظرك!).. ابتسمت وردت: (بلى، كنت أراك دومًا من الخارج ولم أستطع رؤية قلبك من الداخل ألا يكفي هذا لإثبات أن نظري ضعيف، وأنك كل النِعم التي في حياتي؟).. بدون ما يتكلم باس كف إيدها، وراسها وبكى.. مرت أيام واتوفت "دايان" بعد ما كتبت رسالتها للجريدة وتم نشرها عشان تدي من خلال قصتها جرس إنذار بضرورة إدراك قيمة النعم قبل زوالها.


"النِعم التي أنت غارق بها، يحتاجها غيرك للبقاء على قيد الحياة".. كلمة النهاية لحياة أي حد فينا بتكون وقت وفاته مش قبل كده.. كل خسارة ينفع تتعوض.. كل باب اتقفل فيه غيره ألف باب منتظرين اللي يدور عليهم ويفتحهم.. كل سعى له نتيجة حتى لو جت متأخرة.. ملايين النِعم محاوطة حياتنا، ومش بيداريها عن العيون بس غير غمامة الجرى ورا سراب الفرص والناس اللي كنا فاكرينهم نِعم.. الشاعر "نزار قباني" قال: (من النادر أن نقدّر ما نملك، ودائمًا نركض وراء ما ينقصنا فنخسر مرتين).

تابع مواقعنا