هوّن يا ليل غُربتنا.. كيف استعرضت السينما والدراما الاغتراب النفسي وآثاره؟| تقرير
هوّن يا ليل غربتنا.. وأبعد يا ليل فرقتنا، يُقلع المرء من موطنه في كثير من الأحيان، إما بإرادته أو رغم أنفه، وللعديد من الأسباب يضطر الشخوص أحيانا لما لا ترضاه الأنفس، ولكن يظل للاغتراب النفسي أضعاف آثار الجغرافي، فـ تذكرة عودة للموطن الأصلي من شأنها أن تحل أمر الجغرافي، وتنهي سلسلة المشاعر العكسية والمتداخلة.
أما عن المغترب نفسيا، فهو فعليا محاط بأعداد مهولة من الأنفس، ولا ينجح ضجيج هؤلاء البشر في السيطرة على أصوات أفكاره الداخلية، التي بلا شك ستنقلب عليه يوما ما، فيقف هذا العدد عاجزا أمام السيطرة على مخاوف الشاعر بهذا الاغتراب.
وللفن -كعادته- دوره المحوري في مناقشة رأس الموضوع هذا، واستعراض جوانب الاغتراب النفسي، في أعمال درامية وسينمائية، طالما التفت حولها الأُسر، مستمتعين ضاحكين، أو ربما باكين متأثرين، ليظل هناك متفرجا واحدا، يشاهد ويتفاعل بجميع حواسه، غير مدرك كيف تُرجمت مشاعره على شاشة تليفزيون تُشاهد أمام عينه.
ونستعرض في السطور التالية أبرز الأعمال الفنية التي ناقشت الاغتراب النفسي وآثاره على أصحابه.
رحلة سلمى من شبرا إلى المعادي
جسدت الفنانة حنان ترك معالم الوحدة والاغتراب النفسي على أكمل وجه، في فيلمها الشهير والمحبب للجميع، أحلي الأوقات، حيث عانت كثيرا بسبب انتقالها من شبرا إلى منطقة المعادي، مغادرةً جميع ذكرياتها وأصدقائها، مستقبلةً حياة الوحدة من أوسع أبوابها، ورغم أنها كانت محاطة بأصدقاء عملها وبوالدتها وزوجها الذي لم تستطع معاملته كـ أبيها، كانت تعاني الاغتراب النفسي بشدة، لم تكن تعلم كيف تتأقلم مع البشر من حولها، وكانت تستأنس بأبسط الأشياء، كأغاني محمد منير، التي أصبحت ونسها الأول والأخير بالحياة.
أنا اتعالجت يا ريس.. حسن متبلد المشاعر
عانينا جميعا مع حسن -أحمد حلمي- في رحلة مرضه النفسي وتأقلمه مع وفاة والده، بفيلمه آسف على الإزعاج، حيث ظل غير مدرك الفراغ الذي تركه به والده، والوحدة التي أصابته، فرغم كل محاولات والدته في ملء هذا الفراغ، إلا أنه كان دائما يشعر بالاغتراب عن موطنه الأصلي -والده-، وكان ساخطا على جميع المحاطين به، رغم كثرة عددهم، فكان له مشهد أيقوني أعرب به عما بداخله، في خطابه الذي وجهه للرئيس، وقال: أنا اتعالجت يا ريس، أنا كان بيتهيألي إن الناس بتعاملني وحش، كنت فاهم إني الوحيد اللي مبيضحكش.. ليه الناس بطلت تضحك يا ريس!.
أنا أجرح بس متجرحش.. غادة أبو حجر الناقمة على الجميع
ومن منا ينسى غادة أبو حجر بفيلم حب البنات، المتقوقعة على نفسها، خوفا من الوجع والجرح المصاحب لأي تعامل مع البشر -حسب اعتقاداتها-، فكانت لا تجيد التعامل مع أحد حتى شقيقاتها ووالدتها، وبرغم مكوثهن في بيت واحد، كانت دائما تشعر وكأن ينقصها شيء، ليس ماديا، ولكن معنويا، ربما كان الأمان تجاه الشخوص حولها، التي طالما افتقدته، وشعرت بالاغتراب وسط من يجمعها بهن دما واحدا.