الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

نزلاء الخانكة.. شعراء وفنانون

الثلاثاء 10/سبتمبر/2024 - 12:24 م

بعض الفنون جنون، وبعضها الآخر خلود، والتاريخ شاهد على مبدعين، أثروا الإنسانية بأعمال فنية استثنائية، ولدت أفكارها ونضجت داخل مستشفيات الصحة النفسية، ولاتزال باقية حتى يومنا هذا، وبعضها يدرس في معاهد دولية مرموقة.

فان جوخ الرسام الهولندي الأشهر، خط أهم  لوحاته داخل مصحة سانت ريمي دو بروفانس النفسية، التي كان يعالج فيها من مرض اضطراب ثنائي القطب.

ويايوى كوسام الرسامة اليابانية، تفتقت قريحتها داخل احدى المصحات النفسية عن أهم لوحاتها، وزار معرضها أكثر من 2 مليون شخص، وهو الرقم الأعلى في العالم.

المبدع غالبا ينفصل عن الواقع ويحلق في عالمه الخاص، وفي فضائه الرحب يصنع أعماله، التي  تكون أحيانا خارقة، تحمل بصمته في حياته وبعد مماته ثم يعود ثانية الى الواقع، مثل موتسارت، وبيتهوفن، وغيرهما، هو يصنع عالمه على يديه بتفاصيله كما يريدها، الأمر أشبه بحالة مخاض يصارع خلالها حتى تخرج أعماله إلى النور.

البعض الآخر لا يعود كأنه مسته مسحة من السحر أو الجنون، يتقوقع حول ذاته، ومبدعون كثيرون مشهورون أمضوا حياتهم داخل مصحات نفسية، وبعضهم حاول الانتحار وهو في قمة تألقه.

الشاعر الكبير نجيب سرور، نموذج مصري لهذه الحالة، أودع مستشفى الأمراض العقلية بعد اتهامه بالجنون، وأعماله لاتزال موجودة حتى الآن.

في مستشفى الخانكة للأمراض النفسية، كنت شاهدا على واحدة من التجارب التي تقيس هذه العلاقة، وتابعت داخلها أعمالا فنية وأدبية متنوعة لعدد من النزلاء.. موسيقى، شعر، رسم، وغيرها، كلها نتاج حالات نفسية تعبر عن مكنون أصحابها.

وضمن دعوة لمؤسسة كاريتاس للصحة النفسية، التقيت بصفتي الصحفية بعدد منهم وتحدثت معهم، في حفل أقامته في إطار برامجها العلاجية.

أحد النزلاء كان يرقص بحماس خلال الحفل، على أنغام موسيقى صاخبة، يقفز في الهواء كأنه ينفض المرض عن جسده، كتب ديوانا شعريا، هكذا يعتقد، عبر فيه عن معاناته، بسبب خيانة زوجته، حسبما  شرح لي طبيبه المعالج، أهداني النسخة الوحيدة لديه، وهي عبارة عن عدة ورقات تحتوي على أبيات شعرية متواضعة لكنها تعبر عن ما يجيش بصدره، قصائده تتحدث عن مشكلته بألفاظ جنسية صريحة، ويعبر فيها عن كراهيته الشديدة للنساء.

داخل غرفة ضيقة بأحد عنابر النزلاء، يعلق أحدهم على أحد جدرانه صورا أشبه بالفن التشكيلي، عبارة عن طلاسم لأشخاص مجهولة، يستقر على جدار آخر جيتار خشبي، قفز على سرير أسفله، انتزعه وأخذ يعزف ألحانا، تنم عن قلة خبرة وعدم إلمام بقواعد الموسيقى، لكنه سعيد بها.

تجارب فنية جديرة بالدراسة حقا شاهدتها بالمستشفى، فلماذا لا يتم تقييمها من خلال الأجهزة المعنية بالدولة، أو مجموعة متطوعة من الأدباء والفنانين؟

حقا بعض الفنون جنون وبعضها الآخر خلود.

تابع مواقعنا