لا أمن لإسرائيل بالقوة
لعلنا نعلم جيدا أن فكرة أمن ذلك الكيان المحتل لفلسطين منذ الإعلان عنه كدولة باسم إسرائيل عام 1948 هي الأولوية الأولى لدى الولايات المتحدة الأمريكية ومعها أوروبا بالكامل، ودائما يفعلون كل ما يعتقدون أنه يلزم لضمان ذلك، عبر جعل دولة الاحتلال هي الأكثر تفوقا من حيث التسليح في منطقة الشرق الأوسط.
ذلك يتم منذ تأسيس ذلك الكيان وهنا لا بد من طرح سؤال مهم.. هل حقق كل ذلك لأمن لإسرائيل بالفعل؟
ولو أن حكامها فكروا في هذا السؤال جيدا بحس وطني حقيقي لراجعوا كل حساباتهم، ولكنهم بالفعل لا يسعون إلا لمصالحهم الشخصية، وهذا ما كشفته الأحداث الجارية في غزة، وكيف أن نتنياهو لا يتردد في فعل كل شيء يضمن عدم خروجه من السلطة حتى وإن كان دمار المنطقة بالكامل، وبالطبع في القلب منها إسرائيل، ولكنه لا يحصد شيئا سوى مزيد من الفشل كل يوم، وجميع القوى الفاعلة في المنطقة وعلى رأسها مصر تدرك ما يسعى إليه جيدًا وإلى الآن يتم تفويت هذا الفرصة عليه بضبط النفس والتحلي بالحكمة وكلما مر الوقت يضيق عليه الخناق.
وللإجابة عن السؤال يمكن القول بكل وضوح وثقة إنه لم يحدث يوما واحدا منذ إعلان تأسيس هذا الكيان المحتل على أرض فلسطين، بل الآن بات واضحًا بشد أنه رغم كل الإجرام الصهيوني والدعم الأمريكي اللامحدود والغطاء الدولي الكامل، والموقف العربي المتخاذل في أغلبه، إلا أن غزة تكتب فصلا جديدا في تاريخ هذا الصراع وربما تكون بداية نهاية هذا الكيان الغاصب.
وسيبدأ ذلك بالتفكك الداخلي، والتخبط بعد الفشل الذريع والهزيمة المذلة التي يواجهها هذا العدو كل يوم، ولا يجد أمامه إلا ارتكاب المزيد من المجازر بحق المدنيين العزل.
وكلما ظل نتنياهو في الحكم كانت خسائر الاحتلال أكثر، وهذا ما يدركه جيدا بعض الساسة هناك، وقلة من الشعب تتظاهر الآن بشكل شبه يومي مطالبة بإقالته وإبرام صفقة تنهي الحرب ليس حبا في السلام، ولكن لرؤيتهم مصيرهم المحتوم، والرغبة في التقاط الأنفاس وتنظيم المشهد، وذلك ما لا يراه نتنياهو لأنه يهدم حلمه الوهمي الذي صنعه في خياله كرجل إسرائيل القوي بل وملكها الأسطوري كما أطلق على نفسه قبل ذلك.
إنها حقائق جميعها تؤكد أن فكرة الاعتماد على القوة لتحقيق الأمن والاستقرار لدولة الاحتلال ما هي إلا محض وهم وغباء، وتلك قاعدة عامة ومبدأ عالمي لا أخلاقي تم إقراره بعد الحرب العالمية الثانية، وكان عنوانه العريض أن القوة تنشئ الحق وتحميه، وفي ظل ذلك يتم دهس الضعفاء حيث إنه لا حقوق لهم، وهذا يتعارض مع كل ما يدعيه العالم وبخاصة الدول العظمى من تحضر واحترام لحقوق الإنسان، ويجعل كل هذا مجرد شعارات جوفاء مخادعة، وقد شهدت على ذلك غزة التي تتعرض منذ قرابة العام لإبادة جماعية دون أن يحرك أحد ساكنا، ولولا مقاومتها الباسلة التي سعت للحصول على عدد كبير من الأسرى وإخفائهم وعدم تمكن قوات الاحتلال من الوصول إليهم، لكانت قد انتهت من الوجود بكل من فيها بسلاح تلك الدول التي ترفع شعارات الحرية والإنسانية، بينما تقر احتلال أرض وشعب وممارسة كافة الانتهاكات بحقه لمجر أنه يطالب بحريته.
إن أمن إسرائيل لا يمكن أن يتحقق بقوة السلاح مهما ارتكبت من مجازر بحق المدنيين العزل، وإنما السلام العادل والشامل وإنشاء دولة فلسطينية حرة مستقلة عاصمتها القدس الشريف هو السبيل الوحيد لذلك، وتلك حقيقة أكدتها الأحداث الجارية والتي أعادت القضية إلى الأذهان وكأنها حدثت اليوم، بعد أكثر من 70 عاما ظن خلالها الاحتلال وحلفائه أنها أصبحت في طي النسيان.
فالحقوق لا تنسى وإن طال الزمن، ولا يضيع حق وراءه مطالب، وذلك الجيل الذي رأينا أنه أشد بأسا من سابقه سوف يعقبه الأكثر شدة حتى يحصل شعب فلسطين على حقوقه المشروعة في العيش بحرية وكرامة على أرضه.