وزراء التعليم والثقافة وأبلة كريمة
أبلة كريمة هي أمينة المكتبة والسيدة الجميلة التي تركت منذ زمن بعيد أثرًا إيجابيًا غير قابل للمحو في تكويني، والتي شاركت على نحو غير مباشر في تشكيل وجداني وعقلي وخياراتي وتفضيلاتي في الحياة عندما فتحت لي وأنا طفل صغير أبواب مكتبة مدرسة عمر بن الخطاب الابتدائية في مدينة أسيوط مع غيري من التلاميذ، وشجعتنا من خلال حصة المكتبة - في هذه المرحلة المهمة من حياتنا - على القراءة ومحبة الكتاب والحكايات، وجعلتنا "نرى المكتبة قطعة من الجنة" كما قال الأديب الأرجنتيني الشهير بورخيس، وأن نرى في القراءة أفقًا مفتوحًا للمعرفة والأحلام والحياة.
وبعد مرور كل تلك السنوات منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، ما زلت أتذكر جيدًا جمال ونظام ونظافة مكتبة مدرستي الابتدائية، وأتذكر ملامح أبلة كريمة وأدعو الله أن يرحمها ويرفع درجاتها في الجنة؛ لأنها كانت تحب عملها وتؤدية بتفانٍ عجيب، وتحبنا جميعًا وتحنو علينا أثناء حصة المكتبة وكأننا أبناؤها. كما كانت تهتم بشكل شخصي بكل تلميذ تجد فيها محبة وشغفًا بالقراءة، وتتابعه باستمرار على مدار العام، وتمنحه مكافآت خاصة.
كما أتذكر أيضًا أنها كانت سيدة خمسينية بوجه مستدير مبتسم دائمًا، وصوت منخفض، وأنها كانت ترتدي ملابس سوداء دائمًا، وتضع على رأسها بونيه. باختصار كانت أبلة كريمة "هانم" بكل معنى الكلمة، وتعبر في شخصيتها وتكوينها وسلوكها عن رقي اجتماعي وثقافي، وعن نموذج ذهب مع الريح من المهنيين والتربويين المصريين المخلصين.
وفي ظل الحديث المتداول هذه الأيام عن المبادرة الرئاسية "بداية جديدة لبناء الإنسان المصري" صحيًا وعلميًا وثقافيًا، من أجل العمل على ترسيخ الهوية المصرية والاستثمار في رأس البشري المصري، والتي تتضافر وتتكامل جهود عدة وزارات في أقاليم الجمهورية المختلفة لتحقيق أهدافها، مثل التربية والتعليم، والتعليم العالي، والثقافة، والشباب والرياضة، والأوقاف، والتضامن الاجتماعي، أتمنى على هذه الوزارات إعادة إحياء الدور التكويني والتنويري في حياة المصريين لمكتبة المدرسة والكلية والمكتبات العامة ومكتبات مراكز الشباب، وإعادة الاعتبار لدور حصة المكتبة في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية، لزيادة شغف التلاميذ والطلاب بالقراءة بوصفها حجر الأساس الأول والأكثر تأثيرًا في بناء الإنسان وتشكيل معارفه وهويته.
كما أتمنى عليهم توحيد جهودهم لإعادة إنتاج وتأهيل وإعداد هذا النموذج المخلص الراقي إنسانيًا ومهنيًا من أمناء وأخصائي المكتبات الذي تجسّد في أبلة كريمة رحمة الله عليها، وجعلها لليوم عظيمة التأثير في حياتنا، ووزيرة تربية وتعليم وثقافة طفولتنا.