سحابة الستر
في أثناء وجودي في أمريكا سنة 2009 اتعرفت هناك في ندوة على باحثة مصرية اسمها شروق.. من مظهرها وطريقة الكلام، وإنى أساسًا مقابلها في أمريكا، كل ده خلّى عندي انطباع إنها من أسرة أرستقراطية نوعًا ما، بس اتفاجئت إنها من الصعيد، وتحديدًا من سوهاج!.. والدها شيخ أزهري وإمام مسجد، خلَّصِتْ اقتصاد وعلوم سياسية، وبعتت بالمراسلة تقديراتها الكبيرة لجامعة جورج واشنطن، وطلبت منهم إنها تلتحق بيهم، وتعمل الدراسات والدكتوراه.
بمنطق أهالينا في مصر؛ البنت ملهاش غير الجواز وبيتها وكفاية الشهادة والتقدير، بس هي خدت الخطوة وبعتت، الجامعة وافقت وردِّت، وقالوا إنهم هيتكفِّلوا بـ ¾ مصاريف دراستها عندهم، بس كانت هتدفع تذكرة الطيران + مصاريف مُخفضة (كتب، مراجع، سكن)، كان مطلوب توفر 7 آلاف دولار -يعني وقتها تقريبًا 40 ألف جنيه مصري-.. بتقول لي: "دَخَلتْ في حرب مع أبويا وأمي، وكانوا رافضين فكرة سفري كبنت لوحدي، ولما كنت بقولهم إن فيه بنات تانية هيكونوا هناك، والدنيا مش مفتوحة قوي، كانوا رافضين برضه، ولما الحوار اشتد بيني وبين أبويا، قال لي "مش هساهم معاكي بمليم، عايزة تسافري يبقى شوفي مين يديكي فلوس".. فقلت تمام هما بيراهنوا إني مش هقدر فبدأت حرب مع الـ40 ألف جنيه دول، يا أغلبهم وأجيبهم يا يغلبوني!
الفكرة إن كل اللي حواليا سواء أصدقاء أو أهل كانوا شايفين حلمي مستحيل وإني مأفورة في تصميمي عليه عشان كده كانت دعوتي الثابتة لربنا إنه يسترني قدامهم وما يطلعنيش خايبة أو مهزوزة أو ضعيفة!
سألتها: وإيه علاقة الضعف أو الخيابة بعدم تحقيقك لحلمك!، وإيه دخل الستر أصلًا في الموضوع!، هي كل أحلامنا يعني بنعرف نحققها؟!.. ردت عليا وقالت: لأ مش بنحقق كل أحلامنا بس أنا ماكنش حيلتي غير حلم واحد بحلم بيه من وأنا عيلة صغيرة لسه، يبقى ليه معافرش وأحارب عشان أحققه، وبعدين أنا بحس إن درجة استجابة ربنا لأي دعوة مرتبطة بـ الستر بتبقى أسرع!.. قاطعتها: "اشتغلتي عشان تجيبي الفلوس؟!، قالت: المهلة قدامي كانت حوالي 7 شهور، اديت دروس خصوصية لعيال في إعدادي وثانوي، وفصَّلت فساتين لجيرانَّا، وعن طريق أصحابي الصغيرين في الجامعة نظَّمت حفلات لمطربين وخدت نسبة، واشتغلت في مكتبة تصوير ورق، ما اتكسفتش، مكنتش بنام ولا بصرف والله.. سألتها: وبعدين؟!.. عملت بإيدها علامة النصر، وقالت: جمَّعت 28 ألف جنيه، واستلفت الـ 12 الباقيين، وآديني قدَّامك أهو تحت سماء واشنطن واتسترت قدام الكل الحمد لله وربنا استجاب لدعوتي.. سألتها: طب ووالدك؟!.. قالت: دايمًا يقول لي أنا بتشرف بيكي في حياتي، وهتشرف بيكي بعد ما أموت.
بسبب جزء من الموروث الغلط في حياة معظمنا ارتبطت فكرة الستر في أغلبها بالستات بس!.. يعني بمجرد ما ييجي في بالك كلمة الستر هتيجي كلمة هي الست فلانة عملت إيه!.. جزء مش قليل مننا وبسبب خلل عندهم بقوا مقتنعين بالمبدأ ده وكإن مفيش راجل يستحق الستر أو إن الرجالة كلها ملايكة.. اعتبروا إن مفيش ستر في الصحة، ولا ستر في الرزق، ولا ستر في وجود صحبة صالحة حواليك!.
صديقتي نيفين موظفة علاقات عامة في واحدة من شركات الاتصالات ومن أجدع البنات اللي تفاصيل حياتهم واجتهادهم سواء في دراستهم أو حياتهم العملية تستحق تتعرف.. نيفين كانت مخطوبة لواحد جارها عن حب لمدة سنتين.. بطريقة ما وبالصدفة البحتة ومن خلال ولاد الحرام اللي ماخلوش لولاد الحلال حاجة شافت خطيبها وهو بيخونها!.. خيانة واضحة صريحة مافيهاش أي مواربة من أي نوع.. شافته بس هو ما شافهاش.. واجهته واتكلمت معاه.. ماقدرش ينكر وكان قدامها زي الكتكوت المبلول وماعرفش ينطق بحرف.. بص لها بنظرة استجداء وكأنه بيقول: هتعملي فيا إيه وإيه قرارك؟…بدون ما ترد عليه وبدون ما تجيب سيرة عن اللي شافته لأى حد تاني بقت تفتعل مشاكل تافهة بينها وبينه قدام أهلها وأهله عشان يتفشكل الموضوع!
تلاكيك تلاكيك تلاكيك ريحة البرفان بتاعته بتخنقني، لبسه بقى مش شيك، بياكل كتير، مواعيده مش مظبوطة.. حتى لما أهلها بقوا يقولوها: يعني إنتى جاية بعد سنتين تقولي الهبل ده؟.. كان ردها: أه أنا مجنونة ومش هقدر أكمل.. فركشوا الخطوبة.. قِبلت إنها تطلع في نظر أهلها وأهله تافهة ومش بتاعة مسئولية وسطحية عكس شخصيتها بنسبة 100% مقابل بس إنها ماتقولش السبب الحقيقي!
بعدها بسنة لما جمعتنا أنا وهي ظروف الشغل وبعدها الصداقة؛ حكتلي.. هي ماكنتش عايزة تأخد رأيي في حاجة حصلت وانتهت أكتر من إنها كانت عايزة حد يأكد لها ويشجعها في القرار اللي هي أخدته.. بطبعي مش بحب ومش بعرف أزوق الكلام فقلتلها وأنا مفروس منها: طب على الأقل كنتي فضحتيه قدام أهلك وأهله.. قالتلي: هروح أقولهم إيه؟.. قلت: ابنكم خاين وكذا كذا؛ إنتي مش هتتبلي عليه!.. قالت: لأ؛ بابا وماما كانوا شايفينه محترم وماحبتش أشوفهم بياخدوا فيه مقلب عمرهم.. قلت: طب يا بنتي ما هم هيقولوا على بنتهم مجنونة!.. ردت: يقولوا؛ أنا بنتهم وكبيرهم هيتقمصوا مني شهر ولا اتنين وبعد كدة خلاص، ومع الأيام هو ده فعلًا اللي حصل.. سألتها: إنتي مصدقة نفسك؟.. ردت: جدًا، اللي بيخون ده جعان وأنا مش عايزة أرتبط بجعان.. أنا قررت أستره وسترته.. سكتت شوية وحاولت تبتسم وقالت: وعلى فكرة الستات كمان بتعرف تستر.
* كل واحد فينا ومع اختلاف شخصياتنا وتفاصيل حياتنا بينه وبين نفسه، بيعمل اللي هو عارف إن لو غيره عرفه هتبقى كارثة وهيتكسف يبص في وشوشهم بعدها.. الستر سحابة ربانية محاوطة خطاوينا فين ما نروح ومهما نعمل وبتديلك مليون إشارة إن باب ربك مفتوح لك عشان ترجع له.. للأسف فيه ناس كتير بتاخدها العنجهية والمكابرة وبتتعامل مع الستر إنه نعمة دايمة ومش بيفكروا فيه من زاوية إن مدة صلاحية سترك هتنتهي فجأة بدون سابق إنذار!.. مكسب شخصي عظيم، ونضج أعظم إنك ومهما كنت ناجح أو مميز أو مبهر إنك تكون مدرك إنك مستور.. فيه مقولة عربية بتقول: كلنا حاملون للعيب ولولا رداء من الله اسمه "الستر" لانحنت أعناقنا من شدة الخجل؛ فلا تعيب والعيب فيك يسري.