الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

السادات الذي عرفته

الأربعاء 16/أكتوبر/2024 - 09:52 ص

السلطة الحاكمة في كل زمان ومكان لها منطقها الخاص في التفكير والحكم وتحديد معايير اختيار وتقييم الرجال الذين يعملون في خدمة مشروعها وأهدافها التكتيكية والاستراتيجية، ويتوافقون في ذات الوقت مع شخصية ورؤى الحاكم.  

هذا هو الدرس الأول الذي يتعلمه الإنسان من قراءة كتاب السادات الذي عرفته للكاتب الصحفي الراحل الأستاذ عبد الستار الطويلة، وهو كتاب مهم جدير بالقراءة لأنه يفتح لقرائه آفاقا ونوافذ متعددة لفهم شخصية وفكر وأسلوب الرئيس السادات، وفهم منطق السلطة الحاكمة في التفكير والعمل وتحديد معايير تقييم الرجال والأفكار.

بدأت علاقة الأستاذ عبد الستار الطويلة بالرئيس الراحل أنور السادات بعد أن ألَّف كتابه الشهير حرب الساعات الست عن نصر أكتوبر المجيد، وبعد أن استدعاه الرئيس السادات لمناقشته في بعض تفاصيل الكتاب، لتنشأ بينهما علاقة وثيقة استمرت لعدة سنوات، قبل أن يغضب الرئيس السادات على عبد الستار الطويلة ويسحب تصريحه الصحفي لدخول رئاسة الجمهورية، ويبعده عنه تمامًا بعد أحداث يناير 1977، الذي اتهم الرئيس السادات اليسار المصري بالتحريض عليها. 

ولكونه صحفيًا يتميز بتكوين معرفي عميق وحس صحفي مميز، فقد استغل الأستاذ عبد الستار الطويلة فرصة قربه من الرئيس السادات لمعرفة أسلوب الرئيس السادات في الحكم، وفهم طباعه الشخصية، وتحديد أثرها على قراراته المصيرية وعلى بعض مواقفه وخياراته الحاسمة في حكم مصر.

كما جعل الأستاذ عبد الستار الطويلة من صلته بدوائر الحكم العليا في تلك الفترة التاريخية فرصة عظيمة لدراسة فكر ومنطق السلطة الحاكمة في مصر، ومعرفة كيف تأخذ قراراتها، وسبل وآليات ممارسة حكمها، متخذًا من ذلك كله موقف المتأمل الدارس والمقارن بين ما رآه ولمسه عن قرب في أعلى مستويات السلطة في مصر وبين ما قرأه عن الدولة ووظيفتها ورجالها في تاريخ المجتمعات الإنسانية.

نقاط إنسانية وسياسية عديدة تحدث عنها الأستاذ عبد الستار الطويلة في كتابه، تخص الرئيس السادات وأسلوب ورجال حكمه، لكنني سوف أقف في هذا المقال على نقطتين فقط منهما.

النقطة الأولى، التي لفتت انتباه الأستاذ عبد الستار الطويلة تتعلق بشخصية الرئيس السادات، وكيف كان إنسانًا متواضعًا وشخصية بسيطة تجيد التواصل مع الناس، وفهم احتياجاتهم ودوافعهم، والتعامل مع كل الفئات بما يتناسب معهم، وكان يجمع في هذا بين دهاء ابن البلد وحكمة وخبرة السياسي المحنك، وأنه لم يكن يحلم بمنصب رئاسة الجمهورية وحكم مصر، كما صرح له أكثر من مرة، وأن هذا الأمر جاءه هبةً من الله.

أما النقطة الثانية الأكثر أهمية فتتعلق بموقف الرئيس السادات السلبي من المثقفين أو الأفندية، ونقده الشديد لهم لبعدهم في كتاباتهم وكلامهم وشعاراتهم وخياراتهم عن الواقع، وهو الموقف الذي يتضح لنا من الحوار التالي الذي دار بين الرئيس السادات والأستاذ عبد الستار الطويلة: 

- الرئيس السادات: الحكم له فن وضرورات لا يعرفها مَن هو في خارج الحكم والأفندية اللي زيك.

- عبد الستار الطويلة: لماذا تسمي المثقفين بالأفندية؟

- الرئيس السادات: لأنهم منعزلون عن الواقع، المثقف مش حاجة عيب بالعكس، يمكن أن يفيد بلده بثقافته، ولا يمكن للحاكم أن ينجح إلا إذا كان مثقفًا، ما أنا قرأت في السجن قد شعر رأسي كتب، لكن الواحد لا ينسى الطين الذي تربى فيه، ولهذا لازم تعرفوا الحقيقة، مش الشعارات والكلام الكبير بتاعكم ده، ما أنا أقدر أقول كل يوم وكل ساعة الاستعمار والإمبريالية، والتناقض في صفوف الشعب، والهلمة دي كلها ثم ماذا؟!

وأظن أن موقف الرئيس السادات من المثقفين أو الأفندية كما كان يُحب أن يطلق عليهم، ونقده انفصالهم في رؤاهم وأقوالهم وشعاراتهم عن الواقع، هو ذاته موقف الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقد لخصه الراحل الأستاذ يحيى حقي، على سبيل الاستنتاج، في روايته صح النوم، عندما جعل الأستاذ حاكم القرية الجديد الذي يرمز في الرواية للزعيم الراحل جمال عبدالناصر، يتحدث عن مثقف القرية متسائلًا: من هو.. آه.. هذا الصامت السارح؟ ليس لي وقت أضيعه معه ومع أمثاله، إنني أريد رجل عمل لا بُطانة سمار.  

وهذا الموقف السلبي المُتوارث لدى السلطة الحاكمة في مصر من المثقفين، والذي عرض له الرئيس السادات بصراحة في حواره مع الأستاذ عبد الستار الطويلة، يطرح علينا عددًا من الأسئلة التي تحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة، منها: ما هو مدى مصداقية هذا الرأي؟ وهل يُمكن تغيير الصورة الذهنية السلبية للمثقفين التي ترسخت في ذهن سلطات الحكم المتعاقبة في مصر؟ وما هو السبيل لتجسير الهُوَّة العميقة بين رجل الفكر ورجل العمل في بلادنا، بين المثقف والسياسي، بين هاملت المتردد سجين قراءاته وأزماته وتصوراته الشخصية وبين الشاب المحارب فورتينبراس أمير النرويج ورجل الواقع والعمل؟

تابع مواقعنا