عزيزي المرض.. شكرا
لحظات المرض بتبقى هي اللحظات الأصدق والأفضل لبيان حاجتين.. أولًا تطهير النفس من أى تصرفات غلط كانت بتحصل منك لغيرك فجت لحظة المرض عشان تفوقك وتعرفك قد إيه إنك ضعيف وبالتالي مفيش داعي لأى لحظات فتونة أو استعراض أو أذية لغيرك وفرد عضلاتك عليهم لمجرد إن عندك شوية قوة أو سلطة.. ثانيًا تشوف مين هيضايقه غيابك، ومين هيسعده غيابك، ومين هيسأل عليك، ومين هيفتقدك لما أجبرك مرضك إنك تختفي.
أنا عندي امتنان لا نهائي لكل لحظة مرض مرت عليا لنها بتكون فرصة مثالية لفلترة الناس من حواليك والإبقاء بس على اللي يستحقوا شرف القرب بعد ما وشوش المزيفين وقعت.. عشان كده مهما عشت عمري ما هنسى صديقي "عصام" اللي كان معايا في إسكندرية بيزورني من 10 سنين وبعد ما خلصت إجازته قرر يرجع تاني أسيوط فسافر بالقطر من إسكندرية لأسيوط واللي بياخد وقت حوالي 8 ساعات.
وصلته المحطة وكان بدأ يبان عليا شوية بوادر من دور برد رخم بدأ معايا بـ كحة متوسطة قلبت وبقت قوية.. "عصام" لاحظ.. قال لي: (طب يا ابني ما كنت ريحت وأنا كنت هاجي المحطة لوحدي).. فكان ردي السريع قبل ما يكمل كلامه: (يعني هو مشوار المحطة ده اللي هتعمله قصة ورواية!، وبعدين يا عم أنا كويس).. ركب "عصام" القطر وسافر وبعدها بـ 4 ساعات ونص تقريبًا اتصل بيا عشان يطمن عليا.
رد عليه أخويا عشان كان دور البرد قلب معايا بسخونية صعبة شويتين تلاتة وبلغه بالوضع بتاعي.. يعمي إيه "عصام"؟.. نزل في محطة بني سويف وراح راجع تاني بعربية مخصوص كل المسافة اللي قطعها وطز في الوقت اللي فات المهم أكون جنب صاحبي!.
رجع إسكندرية وماكنتش مصدق غير لما شوفته قدامي!.. حتى لما عاتبته إن إزاى تعمل كده وإحنا أصلًا لقينا تذكرتك دي بالعافية!.. رد إن مش مهم التذكرة المهم إنه يطمن!.. نموذج نادر مابقاش موجود زيه دلوقتي.. على النقيض تمامًا في الفعل لكن بالتساوي مع عدم نسياني لموقف "عصام" فأنا كمان عمري ما أقدر أنسى تصرف شخص تاني كنت بعتبره زى أخويا بالظبط ودخلته بيتي أكتر من مرة هو وأسرته وكنت بفضله على نفسي في تفاصيل كتير بغرض المحبة فقط لا غير وإزاى إنه باع كل ده بشكل رخيص أو على وجه الدقة باعه ببلاش.. عمري ما هنسى لما "فلان" اللي حتى لا يستحق ذكر اسمه عرف إني تعبت تعب شديد في مرة ودخلت المستشفى واستلزم الأمر إجراء عملية جراحية سريعة ورد فعل "فلان" كان أغرب من الغرابة!.
كان عنده رحلة مع أهل قريته لمدينة ملاهي وإزاى صمم يروح الرحلة ومكلفش خاطره يتطمن عليا خصوصًا إن المستشفى اللي أنا فيها كانت جنب الملاهي بالظبط!.. ولما عاتبته كان رده العيالي إني كنت بدعيلك من قلبي والله.. إنسان فالصو كانت معرفتي بيه فيها استنزاف لكل شيء حلو خرج مني تجاهه وطلع لا يستحقه.. في المقابل ولإن ربك عادل فهو أكرمني بصديق تاني يستحق وزنه دهب.. والشيء المشترك بين الإتنين أو على وجه الدقة اللي كشف الإتنين هي لحظة المرض.
• المواطن الأمريكي "ريكي تومسون" سنة 2010 كان عنده 44 سنة.. كان جسمه رياضي ومتقسم.. أصيب بالغدة الدرقية فاستخدموا معاه الكورتيزون لعلاجه.. بس هو وبسبب وصف خاطيء وعدم تركيز منه استخدمه بكثافة.. النتيجة؟.. وزنه زاد بشكل مبالغ فيه.. طلع له كرش غبي ومناطق مختلفة في جسمه اتضخمت.. مبقاش يقدر يمارس رياضة السلة اللي بيحبها ولا يقوم بمهام وظيفته كعامل ديلفري في ماركت في "منهاتن".. طردوه من الشغل.. اتمنع عن رياضته المفضلة + مشي من شغله + فقد جسمه المثالي اللي كان بيتعايق بيه.
بس الفكرة إن ده كله مش بإيده.. كان عشمان في إن أصدقاءه اللي معظم فلوسه رايحة عليهم سواء في عزومات أو خروجات يقفوا جنبه ويدعموه نفسيًا خصوصًا إنه عمره ما قصر مع حد فيهم في أى حاجة.. بخ.. يعني إيه بخ؟.. يعني ولا واحد من الـ 4 اللي مسميهم عِشرة العمر سأل عنه لما اختفى بسبب حالته النفسية!.
والحجة اللي كانوا بيقولوها بينهم وبين بعض إننا واثقين في قوة "ريكي" على تجاوز الموقف ده في أسرع وقت.. تمام وأنتم؟.. هتكتفوا ساكتين بالوقوف في منصة المشاهد!.. رغم إنه لأول مرة يحس إنه وحيد بالشكل ده لكنه ما يأسش واستعوض ربنا في الأصحاب اللي كان فاكرهم أصحابه وخد الموضوع ببساطة وراح اشتغل موظف خدمة عملاء في شركة شحن بـ مرتب يقل ب40 % من مرتبه القديم!.
كان راجع لـ بيته في يوم وطلع عليه حرامية مخمورين راكبين عربية رياضية مكشوفة.. حاولوا يسرقوه.. قاوم.. مقدرش عليهم.. عافر أكتر.. مقدروش يأخدوا معاه حق ولا باطل.. لما صوتهم بقى عالي وحسوا إن الموضوع بقى مُلفت سابوه وجريوا بس من غيظهم منه وعشان يعلموا عليه ضربوه طلقتين رصاص في بطنه.. اتنقل للمستشفى بين الحياة والموت.. أنقذوه بأعجوبة والدكتور اللي عمل له العملية قال إنه كان محظوظ لإن كمية الشحوم اللي حوالين البطن والخصر خلّت الرصاص مايخترقش بطنه لـ جوه أكتر، وإنه هيطلب من أصدقاءه لما ييجوا يزوروه إنهم يحاولوا يضغطوا عليه شوية في موضوع الأكل ده.
هنا انفجر "ريكي" من الضحك فالدكتور استغرب وسأله عن سبب الضحك فقال له: (إن من أطلقت عليهم أصدقائي هم أقل وفاءًا من بطني تلك التي أنقذتني).. الجملة كانت قاسية وطلعت من "ريكي" بمرارة بس ترجمت نفس المعنى.. لحظات المرض والتعب والإرهاق هي هدايا ربانية بتكشف الوشوش والقلوب.
• على قد زعلك وضيقك من أي موقف فيه لحظات تعب أو مرض إلا إنها تعتبر فرصة مثالية بتوضح لك أنت غالي عند مين، ومين ماتفرقش معاه.. مين لاحظ غيابك فأهتم، ومين اللي لقى في غيابك راحته فغاب.. مين كان مهتم فيستحق تقربه منك أكتر، ومين ندل وجبان تبقى عايز ترميه بأقصى درجة يقدر دراعك يوصل لها.. لحظات المرض هي اللحظات الأصدق والأفضل لاختبار صحة اختياراتك في الناس.
أنا عندي امتنان لا نهائي لكل لحظة مرض مرت عليا لأنها بتكون فرصة مثالية لفلترة الغير والإبقاء بس على اللي يستحقوا شرف القرب بعد ما وشوش المزيفين وقعت.. لحظات المرض مؤقتة، لكن اللي بتكشفه بيبقى دائم.