كرسي السنوار
أعلن الجيش الإسرائيلي منذ أيام خبر استشهاد يحيى السنوار، قائد حركة حماس في غزة، ورئيس مكتبها السياسي، ولم يكن ذلك عن طريق عملية اغتيال تم التخطيط لها، كما يظن البعض أو يكتب خطأ، وإنما حدث بمحض الصدفة أثناء اشتباك السنوار مع قوات إسرائيلية في رفح.
وبعد ساعات خرج دانيال هاغاري المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، وأعلن خبر مقتل السنوار بشكل رسمي، في أثناء مؤتمر صحفي، من أجل تشويه صورته وفي محاولة لتدارك الخطأ الأول، عرض فيديو تم تصويره عبر طائرة مسيرة دون طيار داخل منزل محطم تماما.
ورصدت الطائرة الشهيد يحيى السنوار وهو يجلس على كرسي، ويبدو عليه الإنهاك الشديد من كثرة النزيف جراء الإصابات في جسده، وعندما اقتربت منه أكثر، ألقى عصا كانت بيده يتوكأ عليها بعد إصابته أثناء الاشتباك مع جنود الاحتلال، والغريب أن الطائرة انصرفت من المكان، وكأن الرعب وصل للطيار الأرضي الذي يتحكم بها عن بعد، وهو في مكانه ولا يرى هذا المقاتل الشجاع بعينه.
وظن هاغاري وقادته في إسرائيل، أنهم هكذا يوجهون إساءة للسنوار، ولكنهم استشعروا بعد ذلك الخطأ الفادح للمرة الثانية خاصة بعد انتشار هذه الصور بشكل كبير، والتي أكدت أن السنوار كان رجلا من طراز فريد لا تلين عزيمته مادام يتنفس، ولم يحاول الاختباء في مكان ما داخل المنزل حتى لا تتمكن الطائرة من تصويره، ولم يتحاشى الوقوع في أيدي الجنود الإسرائيليين إذا تجرأ بعضهم على دخول المكان، بل تأكدت الطائرة من وجود مقاتل ينزف ومنهك، وما كان منهم إلا قصف المنزل مرة أخرى للتأكد من مقتله عن بعد، وذلك يظهر جبنا كبيرا، أوضح أن هذه القوات المعتدية تعيش حالة رعب حقيقية داخل قطاع غزة رغم كل ممارسات الإجرام والوحشية غير المسبوقة في التاريخ الإنساني.
وبعد انتشار الصور تعرف أصحاب المنزل الذي وقع فيه يحيى السنوار، وقاموا ببث فيديو قديم له يبدو أنهم صوروه قبل النزوح القصري منه، لعلمهم أن همجية جيش الاحتلال لن تتركه على حاله كما فعلوا في كل القطاع، وهو ما حدث بالفعل، حيث تحول البيت الجميل إلى خرابة حقيقية، ولكن ذلك لم يشغل بال أصحابه الذين تحدثوا بكل فخر عن فرحتهم أن آخر لحظات في حياة هذا البطل الحقيقي كانت على كرسي داخل منزلهم، وأعلنوا عن نيتهم الاحتفاظ بهذا الكرسي حتى تتوارثه الأجيال باعتباره رمزا للصمود والبطولة والفداء.
وبالطبع لم يعجب ذلك دولة الاحتلال، وزاد من غيظهم وإحساسهم بالهزيمة النفسية أمام شخص السنوار حتى وهو جثة هامدة بين أيديهم.
جيش تدعمه كل قوى العالم العظمى بلا حدود، مقابل مئات المقاتلين الذين لا يملكون إلا بعض الأسلحة المتواضعة للغاية، وإيمانهم بعدالة قضيتهم وأهمية السعي لتحرير وطنهم المحتل، وسط حصار تام من سنوات طوال، يخشى من مجرد كرسي ويقرر نسف المنزل بالكامل بحسب وسائل إعلام إسرائيلية حتى يمحو أثره.
إن هذا العدو رغم كل إجرامه، أوهن من بيت العنكبوت لأن هزيمته بداخله، إذ يعلم يقينا عدم أحقيته في أرض ليست له، ولولا عدم وحدة العرب الحقيقية، ما كان له وجود بيننا، وعلى أرضنا بهذا الشكل الهمجي الغاشم.