يا هنا مصر يوم أتى الحسين.. كيف أتى الرأس الشريف إلى المحروسة؟
يعد مسجد سيدنا الحسين من الأماكن الروحانية المهمة لدى المصريين، فهو سبط رسول الله الذي قُتل في كربلاء، وحُملت رأسه الشريفة إلى مصر، إذ دُفنت وبقيت قِبلة لمحبي آل البيت، يتبركون بالزيارة، ويرسلون السلام لابن فاطمة الزهراء.
إلى الحسين، بقلب القاهرة التاريخية، يُجسّد المسجد، صورة مكررة بشكل يومي لأعداد غفيرة من محبي آل البيت، يزورون المقام وينذرون النذور، ويطلبون من الله حاجاتهم، بعد الصلاة في المسجد وزيارة قبر الحسين، الذي باتت رأسه ودفنه موضع نقاشٍ استمر قرونًا، لكن الروحانيات لا تزال معلقة بأستار المقام، تبرُّكًا وتشفّعًا، وتزمنًا مع ذكرى وصول الرأس الشريف إلى مصر، كيف وصلت رأس سبط رسول الله إلى المحروسة؟
يقول الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية الأسبق، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن المؤرخون، وكُتَّاب السيرة، أجمعوا على أنَّ جسد الحسين رضى الله عنه دفن مكان مقتله في كربلاء، أمَّا الرأس الشريف فقد طافوا به حتَّى استقر بـ عسقلان الميناء الفلسطيني، على البحر الأبيض، قريبًا من موانئ مصر وبيت المقدس.
ويوضح مفتي الديار المصرية الأسبق في منشور سابق، عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: وقد أيَّد وجود الرأس الشريف بـ عسقلان، ونقله منها إلى مصر جمهور كبير من المؤرخين والرواد، منهم: ابن مُيَسَّرٍ، والْقَلْقَشَنْدِي، وعليّ ابن أبي بكر الشهير بالسايح الهروي، وابن إياس، وسبط ابن الجوزي، وممن ذهب إلى دفن الرأس الشريف بمشهد القاهرة المؤرِّخ العظيم عثمان مدوخ؛ إذ قال: إن الرأس الشريف له ثلاثة مشاهد تزار: مشهد بدمشق دفن به الرأس أولًا، ثمَّ مشهد بعسقلان بلد على البحر الأبيض، نقل إليه الرأس من دمشق، ثمَّ نقل إلى المشهد القاهري لمصر بين خان الخليلي والجامع الأزهر، ويقول المَقْرِيزِيُّ: إنَّ رأس الحسين رضى الله عنه نقلت من عسقلان إلى القاهرة في 8 جمادى الآخرة عام 548هـ، وبقيت عامًا مدفونة في قصر الزمرد حتى أنشئت له خصيصًا قبة هي المشهد الحالي، وكان ذلك عام 549هـ.
كيف أتى الرأس الشريف إلى المحروسة؟
ويكمل علي جمعة: وأَكَّدَ استقرار الرأس بمصر أكبر عدد من المؤرخين، منهم: ابن إياس في كتابه، والْقَلْقَشَنْدِي في صبح الأعشى، والمقريزي الذي عقد فصلًا في خططه المسمى المواعظ والاعتبار ص427، وص428، وص430 يؤكد رواية ابن مُيَسَّرٍ، أن الأفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالي، هو الذي حمل الرأس الشريف على صدره من عسقلان، وسعى به ماشيًا، إذ وصل مصر يوم الأحد 8 جمادى الآخرة سنة 548 هجرية، وحلت الرأس في مثواها الحالي من القصر يوم الثلاثاء 10 من جمادى الآخرة سنة 548 هجرية عند قُبَّةِ باب الديلم، حيث الضريح المعروف الآن بمسجده المبارك، وكذا السَّخَاوِي أثبت رواية نقل رأس الحسين إلى مصر.
وينوه علي جمعة، إلى أن وثائق هيئة الآثار تؤكد أنَّ رأس الحسين رضى الله عنه نُقِلَ من عسقلان إلى القاهرة، كما يقول المقريزي، في يوم الأحد 8 جمادى الآخرة سنة 548 هجريًا، الموافق 31 أغسطس سنة 1153 ميلاديًا، وكان الذي وصل بالرأس من عسقلان الأمير سيف المملكة تميم واليها، وحضر في القصر يوم الثلاثاء الـ10 من جمادى الآخرة المذكور الموافق 2 سبتمبر 1153، فقدم به، وأنزل إلى الكافوري أي الحديقة، ثم حمل في السرداب إلى قصر الزمرد، ثم دفن في قبة الديلم بباب دهليز الخدمة.
ويضيف: وفي العصر الأيوبي أنشأ أبو القاسم بن يحيى بن ناصر السكري المعروف بالزرزور، منارة على باب المشهد سنة 634هـ الموافق 1236، وهي منارة مليئة بالزخارف الجصية والنقوش البديعة، وهي تعلو الباب الأخضر، وقد تَهَدَّمَ معظمها، ولم يبقَ منها إلا القاعدة المربعة، وعليها لوحتان تأسيسيتان، وجددت وهي موجودة الآن.
ويذكر الدكتور علي جمعة: احترق هذا المشهد في عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب سنة 640هـ، ورمماه بعد هذا الحريق القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني، ووسَّعَهُ وألحق به ساقية وميضأة، ووقف عليه أراضي خارج الحسينية قرب الخندق، ويقول بعض بَحَّاثَة المؤرخين: إن الذي أحرق المشهد هم اليهود بمصر، واستمرت عمليات التوسع والإضافة حتَّى جاء الأمير كَتْخُدَا، فقام بإصلاحات كثيرة؛ ففي سنة 1175هـ أعاد بناء المسجد، وعمل به صهريجًا وحنفية بفسحة، وأضاف إليه إيوانين، كما رتَّب للقائمين عليه مرتبات كثيرة ظلَّ معمولًا بها حتى سنة 1206هـ، ولمَّا قدم إلى مصر السلطان عبد العزيز سنة 1279هـ، وزار المقام الحسيني الشريف، أمر الخديوي إسماعيلَ بعمارته وتشييده على أَتَمِّ شكل وأحسن نظام، وقد استغرقت هذه العملية عشر سنوات؛ إذ تمت سنة 1290هـ، أمَّا المنارة التي في جنوب غربيِّ المسجد فقد تمت سنة 1295هـ، وهي غير المنارة الأيوبية الموجودة في جنوب شرق المسجد.