أنت عند الله غالٍ.. نص خطبة الجمعة اليوم
حددت وزارة الأوقاف، موضوع خطبة الجمعة اليوم 22 نوفمبر 2024م بعنوان: "أنت عند الله غالٍ"، في جميع مساجد الجمهورية التابعة للأوقاف.
وقالت وزارة الأوقاف إن الهدف المراد توصيله إلى جمهور المسجد من خلال هذه الخطبة هو توجيه جمهور المسجد إلى احترام قدسية الإنسان - بنيان الله وصنعته، والتحذير من الانتقاص منه بأي لفظ أو إشارة.
نص خطبة الجمعة اليوم
الحمد لله رب العالمين، بديع السماوات والأرض، ونور السماوات والأرض، وهادي السماوات والأرض، أقام الكون بعظمة تجليه، وأنزل الهدى على أنبيائه ومرسليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلها أحدا فردا صمدا، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، وختاما للأنبياء والمرسلين، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فهذه أنفاس شريفة وكلمات منيفة خرجت من الفم النبوي الشريف لصحابي جليل -لم يكن جميل الوجه- وهو سيدنا زاهر بن حرام (رضي الله عنه) في موطن التقدير والإجلال والتكريم للإنسان «ولكنك عند الله غال»، فما أعظمه من شعار يعرف للإنسان قيمته، ويقدره قدره، ويجبر خاطره، ويسفر له عن قيمته وقدسيته! أيها الإنسان أنت عند الله غالٍ.
أنت الذي خلقك الله الكريم في أحسن تقويم، وأسجد لك ملائكته، وزكى نفسك بمعرفته، وأنار عقلك بهدايته، وأحاطك بعنايته، وكرمك وشرفك، وحملك في البر والبحر، وفضلك على كثير من خلقه، وأسبغ عليك من وافر رزقه وعظيم عطائه. أيها الإنسان «أنت عند الله غال»؛ خلقك الله تعالى وشرفك بعبادته وذكره وشكره، وأمرك بالسعي إليه، والتقرب لحضرته، وأخرجك من الظلمات إلى النور، وسخر لك الأسباب والثروات والكنوز، وفتح لك آفاق العلم والمعرفة، وعلمك مناهج الفكر والتدبر والتأمل؛ حتى تعمر الأرض، وتصنع الحضارة، وتبني الدنيا، وربك -سبحانه- رحيم بك، مقبل عليك، يلحظك بعين عنايته، فأنت عبد لرب حكيم، يرعاك، ويتولاك، ويتولى هداك، فمهما ضاقت فربك هو الواسع، ومهما استحكمت فربك هو الفتاح، ومهما أظلمت فربك هو النور!
وهنا يظهر معنى جليل، وأمر جلل عظيم، إن هذا الإنسان المكرم المبجل لا يجوز الانتقاص منه بأي قول أو فعل أو إشارة، والمتأمل في سورة الحجرات يجد نواهي أكيدة وزواجر شديدة لكل من تسول له نفسه الانتقاص من الإنسان، قال سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون * يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم}.
هذا هو الإنسان في ميزان الله تعالى، هو بنيان الله تعالى وصنعته، جعل الله تعالى حرمته أعظم المقدسات، والانتقاص منه من أشد المحرمات، فكيف يجسر إنسان على أن ينتقص من عظمة ما عظمه الله؟! إن كل صور الإساءة للإنسان محرمة، وإن كل أشكال النيل من كرامة الإنسان مجرمة، إنها اعتداء وظلم وتجاوز عظيم، وإذا أردت أن تعرف قدر الإنسان عند الله عز وجل فانظر هذا الرد الإلهي الذي جبر خاطر سيدنا بلال بن رباح رضي الله عنه، فحينما خرجت كلمة نابية جارحة يوم فتح مكة من الحارث بن هشام في حق سيدنا بلال رضي الله عنه: (أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا؟)، فكانت ازدراء وتنقيصا لعظيم من عظماء البشر رضي الله عنه، هنا جاءت الرسالة الإلهية للدنيا بأسرها: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}.
إن هذا الموقف المشهود رسالة طمأنة، وإعادة ثقة للإنسان، نداء لمن ابتلي بمن ينتقص من قدره أو يسخر أو يتنمر بشكله أو هيئته أو طريقته: ارفع رأسك، فإن الله -جل جلاله- يدافع عنك كما دافع عن سيدنا بلال رضي الله عنه، إن الله سبحانه هو الذي يحميك من كل تمييز عنصري، فأنت عند الله غال، قال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «لما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، قال: مرحبا بك من بيت، ما أعظمك، وأعظم حرمتك! وللمؤمن أعظم عند الله حرمة منك».
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيا أيها الإنسان، احذر أن تتعدى على أخيك الإنسان بأي صورة، وتأمل هذه الزواجر النبوية والروادع المصطفوية، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم»، أرأيت أخي الكريم عظم ذنب من احتقر إنسانا أو انتقص منه! إن ذلك المتعدي على الإنسان قد وقع في الشر كله! ويقول صلى الله عليه وسلم: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون صاحبهما، فإن ذلك يحزنه»، أرأيت النهي المؤكد عن إحزان الإنسان وإلحاق الضرر النفسي به!
أنت عند الله غال، إذا كنت من أصحاب الهمم فارفع رأسك؛ فإن ديننا الحنيف لم يكتف بتكريمك وإجلالك، بل جعل حالك ترياقا مجربا، ودواء شافيا، وسببا كافيا في نصرة الأمة وسعة رزقها، وإليك هذا البيان النبوي العجيب الذي يتقطر جمالا ويفيض نبلا حينما يتكلم عن الإنسان، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟»، واعلم أن التاريخ حافل بمن حول الضعف إلى قوة ونجاح وإنجاز وتفوق، وتراثنا حافل بالعلماء والمفكرين والمخترعين من أصحاب الهمم، أيها الإنسان «أنت عند الله غالٍ».