في مواجهة الإسلام السياسي.. كتاب جديد للكاتب والباحث عمرو فاروق
أصدر الكاتب والباحث عمرو فاروق، كتابًا جديدًا بعنوان: «في مواجهة الإسلام السياسي.. رحلة في عقل الأصولية الإسلامية»، حيث يتناول الكتاب الأطر والمكونات الفكرية والحركية التي تعزز من تركة العنف المسلّح للجماعات الأصولية، وتسهم في إحكام قبضتها على جدران تنظيماتها من خلال بيعة الموت.
إصدار كتاب في مواجهة الإسلام السياسي
ويبرز الكتاب النشاط التوسعي للتيارات السلفية داخل المجتمع، وصراعها مع المدرسة السلفية العلمية، وأدوار حركات الإسلام السياسي من واقع الأجندة الأمريكية، ومستقبلها بين السّيولة الفكريّة والفوضى العبثيّة، ويرصد العلاقة المعقدة والغامضة بين تنظيم القاعدة وجماعة الإخوان المسلمين، ومشروع دولة الفقيه، وجهود الأجهزة الأمنية في تجفيف منابع الاستقطاب والتجنيد للجماعات التكفيرية، ووقف تمددها في البقاع المصرية.
ويركز المؤلف في كتابه على الغوص في عقلية الأطراف الفاعلة في مشروع الأصولية الإسلامية، والبواطن المحركة لهذه المجموعات، واستبيان دوافعها المعلنة والغير معلنة في ظل تمتعها بألوان خطابية متعددة على المستوى الفكري والتنظيمي والحركي، وخداع أتباعها وحواضنها المجتمعية التي دارت في فلك مراد مشروعها الفكري، وكشف اللثام عن تمويلاتها ومصادرها المالية التي تمنحها استمرارية البقاء، وتمثل صمام الأمان في معركتها مع الأنظمة السياسية العربية.
ويلقي المؤلف الضوء على خريطة الجماعات الأصولية من الإخوان المسلمين، وتنظيمي داعش والقاعدة، وهيئة تحرير الشام، وتشابهات بنائها الحركي والتنظيمي، وفق القواسم المشتركة إلى حدّ التطابق الواقعي والعملي، مثل فرضية البيعة سواءً الروحية أو التنظيمية، وضرورة تبنّي مفاهيم الولاء والبراء، والسمع والطاعة، والاعتماد على الطابع السرّي في التغلغل بين طبقات المجتمع، لا سيما الفئات المهمّشة، والتوسّع في تمدّد الهيكل التنظيمي، وتكريس فكرة المؤامرة على الإسلام، وتزكية الانتماء الديني، والتنصل من الارتباط القومي والوطني، فضلًا عن تلاعبها بالآيات القرآنية، ووضعها في سياقات انحرافيه للتأكيد على تغريب العقيدة، وتهميشها في الأزمنة الراهنة.
يرى المؤلف في كتابه أن وجدانية العقلية الأصولية مليئة بالانحرافات والمنعطفات الفكرية، لاسيما المعنية بأبجديات "الفقه السياسي"، التي تمثل الباب الأول في البناء الحركي للتنظيمات الأصولية وتأصيلاتها الشرعية، حول صياغة مفاهيم "الحاكمية" و"الجاهلية"، و"العزلة الشعورية"، و"العصبة المؤمنة"، و"دفع الصائل"، ومشروعية "العمل المسلح" و"الانتماء التنظيمي"، واستنطاق آيات القتال والجهاد، معتبرًا أن "الفقه السياسي" خضع في مجمله لإفرازات الواقع التاريخي والزمني الذي عاشته الأمة الإسلامية أكثر من خضوعه لقواعد الشريعة ذاتها ومقاصدها، ومن ثم وظفته الجماعات الأصولية في شرعنة الخروج على "النظم السياسية الحاكمة"، والانقلاب والتمرد عليها، تحت لافتة "الفئة الممتنعة" عن تطبيق الشريعة، وتمادت وأصرت على الحكم بغير ما أنزل الله.
ويوضح المؤلف في كتابه أن التعرض للعقلية الأصولية ومكوناتها لا تقل أهمية عن "المواجهة الأمنية" في تجفيف منابع الجماعات الأصولية المتطرفة، واقتلاع جذورها من العمق المجتمعي، من خلال إعادة تصحيح مفاهيم الدين والتدين، التي تم احتلالها من قبل أتباع هذه التيارات واختزالها واستبدالها بمفردات وأدبيات تتلاقى مع مشروعها الفكري والسياسي.
واعتبر المؤلف في كتابه أن الدولة المصرية في حاجة عاجلة لتجديد ماهية خطاب ديني متماسك، يعلي "العقلية النقدية" على "العقلية النقلية" في تحرير النص الديني، ويضع في أولوياته تفكيك الأيديولوجيا الفكرية للجماعات الأصولية، والقضاء على كلِّ أشكال التعصب الديني وكراهية الآخر المختلف دينيًا ومذهبيًا وعرقيًا، على نحو ينسجم مع المفاهيم والأوضاع الجديدة التي أوجدتها العولمة. خطاب ديني لا يضع المدنية في إطار الإلحاد، ولا يضع التفكير في مساحة التكفير، ولا يضع التطور الفكري في نطاق الردة والخروج من الملة، خطاب يعتمد على المنطق في استنباط الأدلة الشرعية ومقاصدها، وليس الانحصار في دائرة الإتباع والجمود على موروث الماضي، ومنحه سلطان القوة والقداسة على الحاضر المتغير.
وأكد الكتاب أنه لا يمكن التغاضي عن حقيقة متعلقة بالجماعات الأصولية وتيارات الإسلام السياسي، تتمثل في دورهم المحوري والمركزي الوظيفي في تمرير مشاريع التقسيم والتفكيك الجغرافي والسياسي للمنطقة العربية والشرق الأوسط، في ظل مناهضتهم لمفاهيم "الدولة الوطنية" وقومية مؤسساتها، واستبدالها بمنطلقات "الأممية الأصولية" ومفردات "دولة الخلافة"، التي جردوا في إطارها الأمة العربية من إسلامها، وخلعوا عنها إيمانها، وأوقفوا عليها شعائرها الإسلامية.
وأكد الكتاب في أحد فصوله أن محاولات تتدجين الجماعات الأصولية، وتيارات "الإسلام السياسي"، ضمن مشروع الدولة الوطنية، القائمة حاليًا برعاية الأطراف الإقليمية والدولية، يمثل ضربًا من الخيال، لاسيما أن الأيديولوجية المهيمنة على هذه الجماعات تحول دون إيمانها بـ"قومية الدولة"، في ظل تبنيها الدائم لاستراتيجية "الانقلابات المسلحة"، فضلًا عن أن غالبية تجاربهم فشلت في الانتقال من "فقه التنظيم" إلى "فقه الدولة"، نظرًا إلى عدم تمتعهم برؤية سياسية حقيقية عن مفهوم "إدارة الدولة"، واختزال القضية في مضامين وشعارات "أسلمة" المجتمعات، دون النظر إلى الواقع المحيط بها لمحاولة فهم الطبيعة البشرية ومتطلباتها الحياتية، والدور المنوط بالسلطة دون النظر إلى انتمائها الديني.
ويرى المؤلف في كتابه أن زمن "الإسلام السياسي"، لم ينته بعد في ظل استمرار الأزمات الجيوسياسية الجارية في منطقة الشرق الأوسط، والتي من شأنها المساهمة في صناعة تحولات جذرية، تعمل على إعادة تشكيل التاريخ السياسي والاجتماعي والديني للمنطقة العربية، ما يعني أن فرضيات عودة الجماعات الأصولية إلى مسرح الأحداث مازالت قائمة، في ظل تمددها الواسع على منصات التواصل الاجتماعي، وقدرتها على خلق ظهير وجدار فكري داعم لمنطلقاتها خلال المرحلة الأخيرة.
ويشير الكاتب إلى أن المحور الأمريكي البريطاني اعتبر الجماعات الأصولية، الوكيل المناسب في تمرير مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، أو "خرائط الدم"، تحت غطاء استراتيجية "المليشيات الحاكمة"، التي تعمل على إعادة تموضع هذه الجماعات ومنحها "الشرعية السياسية"، في ظلّ عدم ممانعتها من الجلوس على مائدة التفاوض للوصول إلى اتفاق سياسي يضمن لها التربّع على قمّة المشهد الرئاسي، وفقًا لنظرية المفكر الأمريكي "زيجينو بريجنسكي"، المعروف بـ"مهندس الجهاد الأفغاني"، الذي دعا إلى تفكيك النظام الإقليمي العربي، من خلال توظيف الأصولية الإسلامية في تحقيق دائرة المصالح الأمريكية، مع استمرار استراتيجية مكافحة الإرهاب وإثارة الفوضى والحرب في المنطقة.
ويوضح الكتاب أن المرحلة المقبلة- في الغالب الأعم- ستشهد التخلي المطلق عن المشاريع التنظيمية مقابل تعزيز التيارات والمجموعات الفكرية المعتمدة على "الفوضى العبثية" (irregular irregularity )، والتي تدعم بناء المرتكزات الطائفية والمذهبية والحروب الأهلية، بعيدًا عن "الفوضى المنظمة" أو "الخلاقة"، (regular irregularity)، التي تم تدشينها منذ عام 2005، وذلك وفق مسارات جديدة يتم من خلالها توظيف تيارات "الإسلام السياسي" والجماعات الأصولية، في بناء خطوط فكرية افتراضية تعمل على التأثير في هوية دول المنطقة العربية عن طريق مجموعات عنقودية يتم تحريكها وإدارتها بطريقة غير مركزية، دون التركيز على بناء الكيانات التنظيمية الهيكلية.