عباس شومان: الفتوى صناعة صعبة وخطرة تجرأ الكثير عليها.. وليس كل من تخرج في الأزهر قادر عليها
نظمت دار الإفتاء المصرية في جناحها بمعرض الكتاب ندوة علمية بعنوان "الفتوى والإعلام"، بمشاركة نخبة من العلماء والمفكرين البارزين.
شارك في الندوة كل من: الدكتور عباس شومان، أمين عام هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، والدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الدينية، والدكتور رضا عبد الواحد أمين، عميد كلية الإعلام بجامعة الأزهر الشريف، وأدار النقاش مهند السادات، الإعلامي والباحث في شؤون الإعلام الديني.
عباس شومان: الفتوى صناعة صعبة وخطرة تجرأ الكثير عليها.. وليس كل من تخرج في الأزهر قادر على الفتوى
وفي مستهل الندوة قال الدكتور عباس شومان أمين هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف إن الفتوى مسألة وصناعة صعبة وخطرة، وقد تجرأ الكثير من الناس عليها وهم لا يدركون هذه الخطورة ويظنون أن مجال الإفتاء يمكن أن يقتحمه مجموعة من الناس.
وأضاف الدكتور عباس شومان: الأزهر الشريف وهو المؤسسة التي لا تحتاج إلى تعريف أو بيان لما له من مكانة وقدسية من العالم كله، به تقريبًا مائة كلية بالإضافة إلى كثير من المعاهد المتخصصة، ومع ذلك فليس كل من تخرج في الأزهر الشريف قادر على الفتوى على خلاف ما يعتقد كثير من الناس، متسائلًا: ما بالكم بمن لم يدرس في الأزهر ولم يتلق العلوم الدينية والعلوم المتعلقة بالإفتاء؟!
وأوضح شومان أنه لا يقصد بذلك أن أمر الفتوى مقصور على الأزهر الشريف وعلمائه، إلا أن علينا أن نتفق على أن الفتوى تخصص دقيق وصناعة صعبة لا يحسنها إلا العلماء الذين تبحروا في مجموعة من العلوم، مؤكدًا أن كثيرًا ممن يتصدون للإفتاء في الإعلام لا يعرفون ما يندرج تحت عنوان هذه العلوم، وكثير منهم لو سألته عن أصول الفقه والفرق بينه وبين قواعد الفقه ما استطاع الإجابة، ولكنه يستطيع ان يخطِئ حتى علماء السلف.
كما أوضح أن أئمة المذاهب ليسوا أنبياء ولا معصومين، ولكن قبل أن تتعرض لهم اثبت أن هذا العالم يخالف نصًّا قرآنيًّا أو حديثًا صحيحًا أو مصدرًا من المصادر المتفق على الأخذ منها، ومن ثم فالفتوى خطيرة ولها تأهيل خاص، والمؤهل الحقيقي في الفتوى يتمنى ألا يسأله أحد في مسألة من المسائل لخطورة الفتوى، ولذلك كان كبار رجال الصحابة يهربون من الإفتاء، والإمام "أبو حنيفة" يقول: لولا الفزع من الله أن يضيع العلم ما كنت أفتيت، وكل الأئمة كانوا يقولون: قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب.
وحول فوضى الفتاوى التي نتجت عن انتشار وسائل الإعلام الرقمي وضوابط العملية الإفتائية، أكد فضيلة الدكتور عباس شومان أن على من يتصدر لأمر الإفتاء الإحساس بخطورة الفتوى وسؤال النفس: هل أنا مؤهل للإفتاء أم لا؟ مشيرًا إلى قول الإمام مالك في هذا الشأن حينما قال: ينبغي على من يجيب في مسألة أن يعرض نفسه على الجنة والنار ثم كيف الخلاص ثم يجيب، والإمام مالك قد سئل في أربعين مسألة فأجاب عن أربع وقال في ست وثلاثين مسألة: لا أدري. كما أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سئل في مسائل فامتنع حتى نزل عليه الوحي.
وأكد عباس شومان أن غير المؤهل للإفتاء إن تصدر للإفتاء فهو يدفع بنفسه إلى جهنم وإن أصاب، مشيرًا إلى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "قاضٍ في الجنة وقاضيين في النار، أما الذي في الجنة فهو رجل عرف الحق وقضى به، وأما اللذان في النار فرجل عرف الحق فقضى بغيره، ورجل قضى بين الناس على جهل فهو في النار، ومن ثم فلا بد من إدراك الخطورة والتأهل والاطمئنان لما يفتى به وبذلك تكون الفتوى مقبولة.
وفي ختام حديثه أكد الدكتور عباس شومان على الأهمية الكبرى للإعلام في مجال الفتوى لأنه الأسرع وصولًا للناس، موصيًا بضرورة تنظيم العملية الإفتائية من خلال البرامج الدينية، واختيار المؤهل ومن درس العلوم الشرعية المؤهلة للإفتاء وذلك من خلال برامج مسجلة.
وفي الإطار ذاته تحدث فضيلة الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الدينية، عن أن الله سبحانه وتعالى علّم آدم الأسماء كلها لضبط المصطلحات وتحقيق الدقة في المعلومات، وهو أمر اعتمده الهدهد بفطرته النقية التي أودعها الله فيه.
وعند الحديث عن منهجية الفتوى وصناعتها، بيَّن أن هذه العملية تعتمد على اثني عشر علمًا تتفرع إلى أربعة علوم رئيسية، لذلك، يجب على المفتي أن يكون متخصصًا وواعيًا بالمذهبية.
وأشار إلى خطورة أن يتصدى غير المؤهلين للإفتاء، قائلًا إن من يفعل ذلك فهو على خطر عظيم، كأنه يغتصب منصب الألوهية؛ لأن المفتي هو الموقع عن الله، كما قال تعالى: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام.
وساق البيومي قصة عن أحد العلماء في العراق الذي كان يُحرَج من قول "لا أدري". فقال له الناس: "ألا تستحي من قول لا أدري؟" فرد قائلًا: إن الملائكة لم تستحِ أن تقول: لا علم لنا.
وأكد الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي ضرورة إدراك المفتي لأهمية المدخلات الذاتية التي تمكنه من نقل العلم والفتوى بمسؤولية.
وشدد البيومي على أن المستفتي أحيانًا يطلب الدليل رغم أنه قد لا يكون مؤهلًا لفهمه أو إسقاطه على الواقع.
وأشار البيومي إلى ثلاثية أساسية في صناعة الفتوى: الأول طلب الدليل، والثاني فهم الدليل، والثالث هو إسقاط الدليل على الواقع.
وأوضح البيومي أن هذه الخطوات تجعل من الفتوى صناعة محترمة تراعي عقل المفتي والمستفتي، مشيرًا إلى أن ليس كل ما يُعرف يقال، وليس كل ما يقال يصلح أن يُطرح على العامة، واستشهد بقول الله: فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين.
واختتم البيومي تصريحاته بالإشارة إلى مراعاة ابن عباس لحال المستفتي عندما سُئل عن القتل من رجل أراد أن يهلك الحرث والنسل، حيث قدم إجابة تتناسب مع واقع السائل وظروفه.