الأحد 02 فبراير 2025
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

تحديات الإنسانية ضرورة لبقاء البشرية

الأحد 02/فبراير/2025 - 08:36 م

الإنسانية ليست مجرد كلمة تُقال أو شعار يُرفع، بل هي فعل يومي نمارسه في تعاملاتنا مع الآخرين ومع البيئة من حولنا، تلك هي القيم العظيمة التي تجسد جوهر وجودنا ومعنى حياتنا، والمبدأ الذي يجعل من المجتمع نسيجًا متماسكًا من التفاهم والتعاون.

أصبحت إنسانية الإنسان أمام تحديات كبيرة وسط عالم يشهد تطورات مذهلة، وتغيرات اقتصادية واجتماعية عميقة، كما أن الحروب والصراعات، والتغير المناخي، والفقر، والتمييز بمختلف أشكاله تهدد القيم الإنسانية وتجعلنا نتساءل: كيف يمكننا الحفاظ على إنسانيتنا في خضم هذه الأزمات؟

إن تحديات الإنسانية ليست أمرا جديدا ولكنها باتت أكثر تعقيدًا مع التغيرات العالمية السريعة، التي باتت في كثير من الأحيان ساحة تتنازع فيها الأطماع والمصالح الشخصية على حساب القيم الإنسانية، لتحقيق مآرب دنيوية ضيقة.

لذلك علينا العودة سريعا إلى جذورنا ككائنات اجتماعية تعتمد على التعاون والتكافل من خلال تعزيز قيم التعاطف والاحترام المتبادل، للتغلب على هذه التحديات وبناء عالم أفضل يسوده الخير والعدل، مصداقا لقول الحق: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".

الإنسانية ليست اختيارًا أو مجرد قيم نظرية، بل ضرورة لبقاء البشرية، عندما نمارس الإنسانية فإننا نخلق بيئة إيجابية تتيح للجميع الفرصة للنمو والازدهار سواء من خلال مساعدة محتاج، أو دعم قضية عادلة، أو حتى نشر الابتسامة، التي رتب عليها النبي صلى الله عليه وسلم أجرًا عظيمًا، فقال صلى الله عليه وسلم: "وتبسمك في وجه أخيك صدقة"، لذلك فإن كل فعل إنساني يُحدث فرقًا.

إن غياب الجانب الإنساني في حياة الأفراد والمجتمعات يُنتج عقولًا متحجرة تؤدي إلى انتشار مظاهر القسوة والجفاء، فعندما يُهمل الإنسان قيم الرحمة والتعاون، يصبح المجتمع مكانًا قاسيًا يفتقد إلى الروح والدفء الإنساني، وبيئة خصبة للأنانية والجشع، فتضعف الروابط الاجتماعية، وتزداد المشكلات النفسية. 

هيا نعمل لإنقاذ البقية الباقية من الإنسانية التي تواجه خطر التآكل وسط عالم يموج بالتحديات، ونرتقي بالعلاقات البشرية التي تعزز الصفات الأخلاقية المتجلية في الاحترام المتبادل، مثل الرحمة، والعدل، والتسامح، والقدرة على أن نشعر بآلام الآخرين ونشاركهم أفراحهم، ونضع أنفسنا مكانهم لنفهم معاناتهم وآمالهم، الإنسان الذي يعيش الإنسانية الحقيقة يترجمها إلى أفعال تعبر عن الحب والتعاطف يكون بذلك أوقد شعلة أمل في زمن يهدده الانطفاء.

دعونا نرتقي بأنفسنا ونتحرر من براثن الأحقاد والأطماع التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وأوقعتنا في هاوية الفقر وأوحال الجوع، ولنتذكر دائمًا قصص الأمم السابقة ونتعلم منها، كما حدث مع قوم سيدنا موسى عليه السلام، الذين حُرموا من نزول المطر طيلة أربعين عامًا بسبب كثرة معاصيهم، ما أدى إلى انتشار القحط والعطش بينهم، وفي مواجهة هذا البلاء، لجأ سيدنا موسى عليه السلام إلى مناجاة ربه، فجاءه الرد الإلهي: "بينكم عبد يعصاني منذ أربعين سنة، ولن يُنزل المطر بسبب مبارزته لي بالذنوب".


حينها دعا سيدنا موسى عليه السلام قومه ليقسم عليهم أن يُظهر هذا العاصي نفسه، إلا أن هذا الرجل أدرك خطيئته وقال في نفسه: "يا رب، إن خرجت افتُضحت، وإن بقيت لم ينزل المطر" فاختار التوبة الصادقة، ليتجلى عفو الله ورحمته، ويغفر له، وينزل المطر، “وإن كان هناك اختلاف في درجة صحة الأثر إلا أننا هنا نلتمس العبرة”، وكما جاء في قوله تعالى: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا".

وها نحن الآن نقترب من شهر الغفران والتوبة، فلنجعل منه فرصة حقيقية للتحلي بمبادئ ديننا الإسلامي وقيم الرسالات السماوية التي دعت دائمًا إلى ترسيخ إنسانية الإنسان وجعله مكوّنًا متزنًا قادرًا على التفاعل مع محيطه بروح من التسامح والتجرد، هذه القيم التي طالما كانت نبراسًا يهدي إلى الخير والعدل في مجتمعاتنا وعالمنا.

لا شك أن إنسانية الإنسان هي النور الذي يضيء دروب الحياة، وهي القوة التي تحافظ على تماسك المجتمعات رغم كل المصاعب، إذا أردنا أن نصنع تغييرًا حقيقيًا في العالم، فعلينا أن نبدأ بأنفسنا، ونسعى جاهدين لنكون تجسيدًا حيًا للإنسانية في كل ما نقوم به، فبالإنسانية، نعيد تعريف معنى الحياة ونصنع المستقبل الذي ننشده.

تابع مواقعنا