نائب رئيس مدينة براتو الإيطالية: روما بصدد الانسحاب من الصحة العالمية.. والإفراج عن أسامة المصري كان لأهداف دبلوماسية| حوار
![كلاوديو ستاناسيل](/UploadCache/libfiles/151/3/600x338o/299.png)
قضايا عديدة تناولتها وسائل الإعلام الغربية على مدار الأيام القليلة الماضية، فيما يخص الشأن الإيطالي كان على رأسها قرار حكومة ميلوني بالإفراج عن الجنرال الليبي أسامة نجيم المعروف بـ أسامه المصري، والصادر بحقه مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، وكذلك عزم روما الانسحاب من منظمة الصحة العالمية وغيرها من القضايا الشائكة.
وفي هذا الصدد، أجرى القاهرة 24 هذا الحوار مع كلاوديو ستاناسيل نائب رئيس مدينة براتو المعروفة بعاصمة الموضة في إيطاليا، وإلى نص الحوار:
ما رأيك في خطة ميلوني لنقل المهاجرين إلى ألبانيا؟
تهدف خطة الحكومة الإيطالية، بقيادة جورجيا ميلوني، إلى نقل المهاجرين إلى ألبانيا كجزء من استراتيجية لمعالجة تدفقات الهجرة، عبر تقليل الضغط على مراكز الاستقبال داخل إيطاليا، ويعكس هذا النهج رغبة الحكومة في تعزيز التعاون مع دول ثالثة، حيث تعد ألبانيا شريكًا استراتيجيًا في إدارة اللجوء ومعالجة طلبات المهاجرين خارج حدود الاتحاد الأوروبي.
وقد حظيت هذه الخطة بدعم رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، نظرًا لما تحمله من فوائد في تنظيم ملف الهجرة، وتقليل الأعباء على إيطاليا، ومن المتوقع أن تسهم هذه الاتفاقية في تحسين آليات إدارة المهاجرين، مع ضمان التوازن بين الالتزامات الإنسانية ومتطلبات الأمن القومي.
هل تخطط إيطاليا للانسحاب من منظمة الصحة العالمية على غرار الولايات المتحدة؟
هناك احتمال حقيقي بأن تغادر إيطاليا منظمة الصحة العالمية (WHO) إذا تمت الموافقة على مشروع القانون الذي اقترحه حزب الرابطة، حيث في 23 يناير 2025، قدم الحزب مقترحًا يدعو إلى خروج إيطاليا من المنظمة، بحجة أن الأخيرة تخضع لتأثير المصالح الخاصة، لا سيما شركات الأدوية الكبرى، وأنها لم تكن فعالة في عملياتها.
ووفقًا لماتيو سالفيني وبرلمانيّ حزب الرابطة، فإن إيطاليا يمكنها استغلال المبلغ الذي تساهم به سنويًا في منظمة الصحة العالمية، والذي يقدر بحوالي 100 مليون يورو، بشكل أفضل عبر إعادة تخصيصه لدعم وتعزيز نظام الرعاية الصحية الوطني.
وقد كشفت دول أخرى مؤخرًا نيتها الانسحاب من المنظمة، حيث أعلنت الأرجنتين، بقيادة الرئيس خافيير ميلي، في 5 فبراير 2025، انسحابها، مشيرة إلى خلافات حول تعامل منظمة الصحة العالمية مع جائحة كوفيد-19. هذا القرار يأتي استكمالًا لما بدأته الولايات المتحدة عندما انسحبت من المنظمة خلال فترة حكم الرئيس ترامب.
وأعتقد أنه خلال الأسابيع المقبلة، قد تعلن المزيد من الدول الأوروبية وغير الأوروبية نيتها مغادرة منظمة الصحة العالمية، على خطى الأرجنتين، في ظل النقاش العالمي حول تأثير المنظمة خلال الجائحة، والعديد من الدول باتت تشكك في فعالية المنظمة وقدرتها على التأثير على السياسات الوطنية، وإذا وافق البرلمان الإيطالي على الاقتراح، فقد تتبع إيطاليا هذا الاتجاه قريبًا، وفي هذه المرحلة، كل السيناريوهات تبدو ممكنة.
كيف تمكن الصينيون من السيطرة على براتو المدينة الشهيرة بصناعة الأزياء؟
تعد هيمنة الجالية الصينية، خاصة في براتو، ظاهرة اقتصادية واجتماعية استثنائية، فبراتو ليست مجرد مدينة صناعية، بل تمثل نموذجًا مميزًا في أوروبا، حيث نشأت تشاينا تاون بداخلها كنقطة ارتكاز اقتصادية صينية داخل إيطاليا، هذه الهيمنة لم تكن وليدة الصدفة، بل نتاج عقود من العمل، استنادًا إلى استثمارات ضخمة وهياكل اقتصادية معقدة تعتمد على تدفق الأموال وتحويلاتها إلى الصين عبر قنوات مالية غير مشروعة.
كما أن هذه المنظمات متورطة في أنشطة مثل الربا وإدارة أعمال غير قانونية مثل القمار السري، وفي جلسة استماع في البرلمان الإيطالي بتاريخ 27 نوفمبر 2019، أكد المدعي العام الوطني لمكافحة المافيا، فيديريكو كافيرو دي راهو، أن المافيا الصينية موجودة، تمامًا مثل المافيا النيجيرية، وتعمل هذه الجماعات الإجرامية الصينية بأسلوب خفي للغاية، ما يجعل من الصعب على أجهزة إنفاذ القانون اختراقها أو جمع المعلومات حولها.
وفي براتو، يراقب المدعي العام جوزيبي نيكارولي عن كثب الأنشطة التجارية، محاولًا التصدي لعمليات غسل الأموال وكشف الممارسات غير القانونية، ومن أبرز القضايا التي تم التحقيق فيها عملية الشاحنة الصينية عام 2018، والتي أدت إلى اعتقال العديد من أفراد شبكة المافيا الصينية، من بينهم زانغ نايزونغ، الذي وُصف بأنه زعيم الزعماء، ومع ذلك، تم الإفراج عن المتهمين لعدم كفاية الأدلة لإثبات صلتهم بالمافيا.
وتمثل المافيا الصينية تهديدًا خطيرًا للنسيج الاجتماعي والاقتصادي، إذ تساهم في تشويه السوق وتعزيز الفساد، ومن هنا تأتي أهمية دور المؤسسات في مواجهة هذا الشكل من الإجرام، من خلال توعية الرأي العام وتكثيف الجهود الأمنية، إن مكافحة المافيا الصينية يجب أن تكون مسؤولية جماعية، تتجاوز الانقسامات السياسية، لحماية القانون والعدالة وضمان رفاهية المواطنين، ولن يتحقق النصر على هذه الظاهرة إلا من خلال التزام مشترك بين المؤسسات والمجتمع المدني.
كيف تنظرون إلى قرار ميلوني بالإفراج عن أسامة نجيم متجاهلة قرار المحكمة الجنائية الدولية؟
جاء قرار الحكومة الإيطالية بإعادة أسامة نجيم إلى ليبيا مدفوعًا بمصالحها الدبلوماسية والأمنية، في الوضع المعقد الذي تشهده ليبيا، إذ تسعى إيطاليا للحفاظ على علاقات مستقرة مع الحكومة الليبية لضمان تدفق المهاجرين والحد من المخاطر الأمنية، وتصرفت رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني بمسؤولية، خاصة أن مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية لم تكن موجهة رسميًا إلى إيطاليا، ما جعل تنفيذها أمرًا معقدًا من الناحية القانونية.
تصرفت رئيسة الوزراء، جورجيا ميلوني، بمسؤولية، خاصة أن المحكمة الجنائية الدولية لم تتواصل رسميًا مع إيطاليا بشأن مذكرة التوقيف الصادرة بحق نجيم، ما جعل الامتثال لهذا الطلب أمرًا معقدًا من الناحية القضائية، وقد تصرفت إيطاليا وفقًا لقوانينها الوطنية والتزاماتها الدولية، لكنها أدركت في الوقت نفسه الأهمية الاستراتيجية للحفاظ على علاقات جيدة مع ليبيا، نظرًا لارتباطها الوثيق بالأمن القومي الإيطالي.
وأشارت رئيسة الوزراء إلى أن هذا القرار جاء بعد تقييم دقيق للأوضاع السياسية والأمنية الحساسة، ما يعكس نهجًا براجماتيًا في إدارة المصالح الوطنية لإيطاليا، ومن غير المنطقي التعامل مع القضايا الجنائية الدولية بمعزل عن الحسابات الجيوسياسية، خاصة في ظل تعقيدات الملف الليبي.
وعلاوة على ذلك، أظهر هذا القرار استقلالية السياسة الإيطالية، بعيدًا عن أي ضغوط خارجية، مع التزامها التام بحماية المصالح الوطنية. وقد أكد العديد من الخبراء السياسيين أن هذه القضية تعكس محاولات بعض الأطراف استخدام العدالة الجنائية الدولية كأداة سياسية ضد الحكومات المنتخبة ديمقراطيًا، بدلًا من تركيزها على تحقيق العدالة الحقيقية.
إن الوضع الحالي يذكرنا بالتجربة التي مر بها رئيس الوزراء الأسبق، سيلفيو برلسكوني، عندما واجه استهدافًا سياسيًا من قبل بعض الدوائر القضائية، ما يؤكد ضرورة ضمان استقلال القضاء وعدم استخدامه لتحقيق أهداف سياسية. وبالتالي، فإن الحكومة الإيطالية تعمل بمسؤولية، مع احترام القوانين والالتزامات الدولية، للحفاظ على أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية.
هل يمكن أن تتخذ النيابة العامة الإيطالية قرارًا ضد ميلوني فيما يتعلق بقضية نجيم؟
أعتقد جازمًا أن النيابة العامة الإيطالية لن تتخذ أي إجراء ضد رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني بخصوص قضية أسامة نجيم، نظرًا لعدم وجود أي أدلة قانونية تستدعي ذلك، فقد حرصت حكومة ميلوني دائمًا على الالتزام الكامل بالقوانين الإيطالية، وضمان الامتثال للقواعد القانونية التي تحكم التعامل مع القضايا المتعلقة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان.
إن التزام الحكومة بمحاربة الجرائم ومحاسبة مرتكبيها هو جزء أساسي من سياستها، ويعكس التزامها بمبادئ العدالة والأمن، سواء على المستوى الوطني أو الدولي. وفي ظل عدم وجود أدلة قانونية واضحة يمكن أن تشكل أساسًا للمساءلة القضائية، فإن هذه القضية لا تبدو ذات تداعيات مباشرة على رئيسة الوزراء.
كما أن العديد من الشخصيات السياسية والحقوقية في إيطاليا أشاروا إلى أن التحقيقات قد تكون متأثرة بعوامل خارجية، تهدف إلى استهداف الحكومة الحالية بدلًا من إجراء تقييم موضوعي للوقائع. وحتى الآن، لا توجد أي معطيات قانونية من شأنها أن تؤدي إلى توجيه اتهامات ضد ميلوني، ولذلك فمن غير المرجح أن تتأثر الحكومة بهذا الملف.
وبناءً عليه، من المتوقع أن تستمر التحقيقات دون أن تؤثر على النهج الذي تتبعه الحكومة في تعزيز الأمن القومي والاستقرار، مع التزامها بمبادئ العدالة وحكم القانون.
ما رأيك في الأزمة المتعلقة بإلغاء الانتخابات الرئاسية في رومانيا؟
يعد إلغاء الانتخابات الرئاسية في رومانيا من قبل المحكمة الدستورية في 6 ديسمبر 2024 خيانة صارخة لإرادة الشعب. فقد ذهب الملايين من المواطنين الرومانيين إلى صناديق الاقتراع وهم يؤمنون بحقهم الديمقراطي في اختيار رئيسهم، ليتم بعد ذلك إلغاء أصواتهم دون أي دليل ملموس على حدوث مخالفات.
جاء قرار المحكمة بينما كانت الجولة الثانية من التصويت جارية بالفعل للمغتربين الرومانيين، ما خلق وضعًا غير منطقيًا حيث كان الآلاف لا يزالون يدلون بأصواتهم في الوقت الذي تم فيه إلغاء حقهم في الانتخاب. لاحقًا، أعلنت الحكومة عن تحديد موعد جديد للانتخابات في 4 مايو 2025، وهو تأجيل غير مقبول تمامًا يبدو كأنه مناورة للحفاظ على السيطرة السياسية، ما أغرق البلاد في أزمة مؤسسية غير مسبوقة.
حاليًا، لا تزال رومانيا تحت قيادة الرئيس كلاوس يوهانيس، الذي انتهت ولايته رسميًا في 21 ديسمبر 2024. يعد هذا الأمر فضيحة وطنية، بل يشكل سابقة خطيرة على مستوى أوروبا بأكملها، حيث إنه إذا أمكن إلغاء انتخابات ديمقراطية دون مبرر قانوني، فلن يكون هناك ضمان لنزاهة أي انتخابات مستقبلية داخل الاتحاد الأوروبي.
وفي أعقاب هذه الفضيحة، كان أول من تصدوا للدفاع عن الديمقراطية والشعب الروماني هما عضو البرلمان الأوروبي الجنرال روبرتو فاناتشي ونائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني، حيث نددا علنًا بهذا الظلم، مؤكدين على أهمية حماية السيادة الشعبية واحترام القواعد الديمقراطية.
وكدولة عضو في الاتحاد الأوروبي، يجب على رومانيا ضمان انتخابات حرة ونزيهة، وعلى المجتمع الدولي واجب ضمان ذلك، وفي الوقت ذاته، اندلعت موجة من الغضب الشعبي في الشوارع، حيث خرج عشرات الآلاف من المواطنين إلى الساحات للاحتجاج على قرار المحكمة والنظام السياسي الذي يبدو مصممًا على قمع الديمقراطية.
لقد أثبت الرومانيون في الماضي أنهم لا يقبلون الظلم، سواء في عام 1989 عندما أسقطوا النظام الشيوعي، أو في عام 2017 عندما واجهوا الفساد. واليوم، نجد أنفسنا مرة أخرى في معركة للدفاع عن حقنا الأساسي في اختيار من يحكمنا.