مسافة السكة من الطريق إلى إيلات لهشام عشماوي.. سر الطائرة 1289 في 50 عامًا | صور
“عضم اخواتنا نلمه نلمه.. نسنه نسنه.. ونعمل منه مدافع.. وندافع.. ونجيب النصر هدية لمصر”، بتلك الكلمات الصادقة تغنى الكابتن غزالي وفرقة “ولاد الأرض”، لتنسج نشيدًا وطنيًا ورصاصات بنادق لجنود القوات المسلحة، وعلى رأسهم الضفادع البشرية طوال حرب الاستنزاف، وتشاء الأقدار أن تبقى تلك الأغنية حاضرة، ويتكرر المشهد بأشخاص وأبعاد مختلفة بعد 50 عامًا، وإن كان العدو واحدًا، لكن الأوجه مختلفة من الاحتلال إلى الإرهاب.
الأقدار لعبت دورها في إبراز النقاط المشتركة بين مشهدي تفجير المدمرة إيلات وتفخيخ الناقلتين “بيت شيفع” و”بات يم”، ومشهد تسلم مصر لواحد من أخطر إرهابيي المنطقة، والمتهم في العديد من الجرائم وهو هشام عشماوي.
المخابرات المصرية، والطائرة 1289، والنجاح في عملية عسكرية خارج الحدود المصرية، وتكبيد العدو خسائر فادحة أجبرته على التراجع عشرات الخطوات للخلف، مشاهد مشتركة في نصف قرن ولى، تكررت بترتيبات قدرية، ربما لتكتب سطرًا جديدًا في تاريخ هذه البلاد، وهو ما نسرده في هذا التقرير.
تسليم عشماوي
الثلاثاء الموافق 28 مايو 2019 قرابة الثانية عشرة بعد منتصف الليل، هبطت الطائرة رقم 1289 على أرضية مطار القاهرة الدولي، وعلى متنها رجال العمليات الخاصة التابعون لجهاز المخابرات العامة المصرية، وفي أيديهم الإرهابي الخطير هشام عشماوي، وبهاء علي أحد قيادات داعش في ليبيا.
اللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة المصرية تسلم خلال زيارته إلى ليبيا ولقائه القائد العام للجيش الليبي، خليفة حفتر، قائد تنظيم المرابطين الإرهابي الموالي لتنظيم القاعدة، عقب إلقاء القبض عليه في درنة، شهر أكتوبر 2018.
الطائرة رقم 1289 اختلف نوعها وشكلها وقدراتها التقنية والحربية، ولكن ما زال الرقم يمثل الكثير من المعاني المترابطة، في مشاهد ظهر جليًا منها اثنان فقط، فالرقم 1289 حملته طائرة أبطال إيلات في مشهد سينمائي يوثق ملحمة بحرية، كما حملته طائرة تسليم عشماوي، في عملية أمنية نوعية.
هذا الرقم أيضًا كان بطلًا في واقعة إعلامية، إذ قالت قناة الجزيرة القطرية إن طائرة شحن عسكري مصرية طراز C130 رقمها 1289 رُصدت في أجواء ليبيا بعد هجوم حفتر على طرابلس بأيام، الأمر الذي سخر منه المصريون بعد ظهور رقم الطائرة خلال عملية إحضار الإرهابي هشام عشماوي ونظيره بهاء علي إلى أرض الوطن، وتبين كذب وزيف ادعاء القناة القطرية لبطولة وهمية، كما تبينت أغراضها المسيسة المغرضة تجاه مصر.
العديد من التساؤلات طُرحت حول سبب بث لحظة هبوط الطائرة وعلى متنها هشام عشماوي وبهاء علي، على الهواء مباشرة، ولكن قرار بث عملية التسليم والإفصاح عن رقم الطائرة، جاء ردًا على ادعاءات الجزيرة المستمرة طيلة الوقت وحالة التراشق التي حدثت بسبب زعمها معاونة طائرة شحن عسكري مصرية للمشير الخليفة حفتر في الهجوم على طرابلس.
رصيف إيلات وبيت شيفع وبات يم
قبل 50 عامًا من تلك اللحظة، وبالتحديد في نهاية ستينيات القرن الماضي، شكلت القوات المسلحة المصرية، 3 مجموعات من الضفادع البشرية، كل واحدة منها تضم فردين، خرجت من ميناء العقبة الأردني القريب من إيلات، وشكلت مجموعتين أخريين خرجتا من الغردقة.
منذ 16 نوفمبر 1969، وحتى 15 مايو 1970، تمكنت الضفادع البشرية المصرية من تدمير سفينتين إسرائيليتين هما “هيدروما” و”دهاليا”، وتدمير الناقلتين “بيت شيفع” و”بات يم”، وتدمير الرصيف الحربي لميناء إيلات.
تلك العملية النوعية التي نفّذتها البحرية المصرية ممثلة في الضفادع البشرية، أحدثت خسائر فادحة في صفوف سلاح البحرية الإسرائيلي، ودمرت أهم ناقلتين ورصيف بحري لديه.
حديث الصحف عن هجوم إيلات
تلك العملية الكبيرة كانت على أعتاب الفشل، وهؤلاء الأبطال كانوا على وشك السقوط في أيدي الإسرائيليين، لولا تدخل المخابرات العامة المصرية.
عناصر الضفادع البشرية سقطوا في أيدي المخابرات الأردنية التي لم تتعامل معهم كما كانوا يتوقعون، حتى تدخل لواء المخابرات المصري إبراهيم الدخاخني، والذي خاطب المخابرات الأردنية للإفراج عن الضفادع البشرية المصرية، إلا أن المخابرات الأردنية أنكرت وجودهم.
المخابرات العامة المصرية كثّفت جهودها كي لا يتم تسليم الضفادع البشرية المصرية إلى إسرائيل لإزالة أي شكوك حول مشاركة الأردن في ضرب إيلات، حتى تمكنت من حل الأزمة.
في ذات اليوم كان يُعقد مؤتمر الملوك والرؤساء في القاهرة، فتواصلت المخابرات العامة مع الرئيس جمال عبد الناصر بعد إبلاغ الفريق أول محمد فوزي، القائد العام للقوات المسلحة ووزير الحربية، فأوقف عبد الناصر المؤتمر نصف ساعة وطلب الجلوس مع العاهل الأردني، الملك حسين، في اجتماع مغلق.
في هذا الاجتماع المغلق، أخبر عبد الناصر، نظيره الأردني أن هناك عناصر من الضفادع البشرية المصرية محتجزين لدى المخابرات الأردنية، وقال له إنه سيظل موجودا في مصر حتى يتم الإفراج عن الضفادع البشرية المصرية، وعلى الفور أصدر الملك حسين أوامره بالإفراج عنهم.
المخابرات العامة المصرية، اصطحبت الضفادع البشرية إلى القاهرة، بعد تحقيق كل الأهداف المرجوة بنجاح، على متن طائرة تابعة للجهاز لتأمين خروج الفريق سالمًا.
الطائرة 1289 على ما يبدو حاضرة دائمًا في المشاهد التوثيقية التليفزيونية التي يخلدها الزمن، فوثقت موقعة قبل 50 عامًا حيث تم تدمير إيلات، من خلال فيلم سينمائي، يوثق البطولة البحرية للقوات المسلحة، وكواليس الدفع بالطائرة 1289 التابعة للمخابرات العامة لتوثيق جزء من دورها في تلك الملحمة، وموقعة منذ أيام حيث تم تسليم مصر إرهابيًا خطرًا يتبع القاعدة، وآخر يتبع داعش، بعد سلسلة من العمليات الإرهابية التي استهدفت المصريين.
ظهور تلك الطائرة في ذلك التوقيت يحمل العديد من الدلالات والإشارات، التي جعلت جهاز المخابرات العامة يطرحها على الجميع في بث تليفزيوني مباشر، وربما يحمل ذلك الرقم “1289” عشرات الرسائل السرية التي لا نعلم عنها شيئًا.