الجمعة 29 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

العمل أمانة وإتقان

القاهرة 24
الخميس 22/أغسطس/2019 - 11:51 ص

نقرأ هذه الحكمة في سفر الأمثال: “الإنسانُ من ثَمر فَمِه يَشبعُ خَيراً ومَكافأةُ أيدي البشر تُؤَدىَّ إليهم” (أم 14:12). عندما أنهىَ النَحات الصيني شينج من عمله في بناء إحدى القلاع الحصينة والتي لا مثيل لها، كان كل من يشاهدها يُذهل ويتعجّب منها، حتى أن الغالبية العظمى كانت تعتبرها عمل الأرواح. وعندما تقابل مع الأمير قال له: “كم أنت عبقري حتى تقوم بمثل هذا العمل المُبدع !” فأجابه شينج: “مولاي، أنا لستُ عبقرياً ولكنني عامل بسيط لا أكثر ولا أقل، ولكن هناك شيء هام جداً يجب إيضاحه لكم: عندما أريد بناء قلعة حصينة، أَمكثُ ثلاثة أيام في التأمل حتى أحصل على سلام العقل، وبعد هذه الفترة من التأمل لا أفكر بتاتاً في الربح أو المكافأة؛ ثم بعد خمسة أيام لا أضع في الاعتبار مدحاً أو ذماً، ولا النجاح أوالخفقان، ثم بعد مرور سبعة أيام في التأمل أنسى كل أعضاء جسدي وذاتي أيضاً ولا أفكر في النقد أو ما يحيط بي، إذاً سيبقى بعد ذلك فني فقط، وفي هذه اللحظة أتوغل في الغابة وأتفحص كل شجرة حتى أجد ما يناسب صناعة هذه القلعة على أكمل وجه، وهنا تبدأ يداي في العمل واضعاً شخصي على جانبٍ، حتى تتقابل الطبيعة مع الطبيعة ولهذا السبب نسمع الغالبية العظمى تقول إنها من عمل الأرواح وليست من صنع بشر”.

نستطيع أن نتعلم من هذه الواقعة ضرورة استعداد الإنسان ليقوم بعملٍ فائقٍ وعظيمٍ وكيف يصبح بطلاً في أي مجال، لأن الإنسان الملتزم بعمله المفروض عليه، يملك قدرات يستطيع بها الوفاء بمسؤولياته، لأنه يملك إرادة ويتحلى بالشجاعة ويعرف قدر ذاته وحدودها وإمكاناتها. كل واحدٍ منّا يرث مواد البناء وأدواته، وتمنحه بيئته الأرض بمواردها، ويبقى عليه تشكيل عمله وتجميله حسب إخلاصه وصموده أمام الصعوبات، ومادام تعهد أمام الجميع بأداء الواجب، إذاً يجب عليه ألا يخون ولا يخدع، كما أنه يبذل فيه نفسه وكيانه ليكون عند شرف الوعد والكلمة. عندما سألوا العبقري وصاحب الاختراعات العديدة إديسون عن سر النجاح قال: “صبر ومثابرة واحتمال”، وعن العبقرية أجاب: “2% وحي وإلهام و98%عرق وجهد”. إذاً يجب علينا ألا نجلس مكتوفي الأيدي، ولكن أن نشمّر عن سواعدنا ونعمل بهمةٍ ونشاط. لأن الواجب كان دائما ويجب أن يظل الهمّ الأول والوحيد لكل شخصٍ في هذه الحياة، وكما يقول الَمثَل: “البأس في النفوس الكريمة لا يُرتهن بعدد السنين”.

فالبطولة وعلو الهمّة والأخلاق النبيلة والإخلاص لله والصدق في معاملة الناس وغيرها من الفضائل الإنسانية لا تُرتهن بعُمر، أو مقصورة على فئة بعينها من الناس. لأن البطولة الحقيقية التي نستطيع تحقيقها لا تُقدّر بعمر الإنسان، ولكنها التطلع إلى الصعب لتحطيمه، وإلى السامي لبلوغه والجميل لنثره بين الآخرين، كما أن البطولة الحقيقية هي التعبّد لعقيدة والإخلاص لمبدأ حتى لو اقتضيا منّا الجود بالنفس والبذل بالحياة. ومَنْ أراد أن يحقق البطولة يجب عليه ألا يجلس ضارباً كفاً بكفٍ متحسراً على الماضي، ولا يقف مكتوف الأيدي أمام عراقيل تعترض طريقه وعمله معتذراً عن الاستمرار، ولا ييأس من مستقبل يبدو مظلماً.

وإذا تأملنا بعض النماذج المشرِّفة في فترة شبابها وما قامت به، ستدفعنا إلى الأمل والعمل، فنجد كلوفيس في سن 19 عاماً أرسى قواعد الملكية في فرنسا المنقسمة والمجزّأة، كما أنه فرض هيبته وسيطرته على الأمراء والزعماء، ونجد أيضاً البطلة جان دارك في ذات السن قد أعادت إلى فرنسا كرامتها وحررّتها من الإحتلال الإنجليزي، والشاعر والأديب الإيطالي ليوباردي كتب في هذه السن أروع القصائد الرومانسية في الأدب الإيطالي، ومن ينسى أو يجهل الموسيقار العبقري موتسارت في هذه السن أطرب العالم بمؤلفاته الموسيقية العبقرية، كما أن العَالِم أينشتاين وضع نظرية النسبية التي قلبت العلوم رأساً على عقبٍ، ودفعت العالم كله على التقدّم السريع والمُذهل في العلم والاختراع.

هؤلاء جميعاً استطاعوا في سنٍ مبكرة استغلال الوقت والاستفادة منه، وينكَبّون على الدرس باجتهادٍ وثبات وحزم. كما أن البطولة تتطلب منّا الانفتاح على الحياة والاستفادة من خبرة الغير بعقلٍ نيّر وإرادة واعية واستعداد للتغيير. ولا نخشى الفشل، فكل إخفاق هو الخطوة الأولى للنجاح. ونختم بالقول المأثور: “هناك نوع من الناس يتخذ من الألم حافزاً ليثير في نفسه الطاقات الإبداعية التي يختزنها في أعماقه”.

تابع مواقعنا