الجمعة 29 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

الكتاب خير جليس

القاهرة 24
الأربعاء 30/أكتوبر/2019 - 04:38 م

يوصي بولس الرسول قائلاً: “إن كان أحدٌ يظنُ أنه حكيم بينكم في هذا الدهر، فَلْيَصر جاهلاً لكي يصير حكيماً” (1كورنثوس 18:3). هل التعليم والثقافة مع الإيمان والأخلاق يستطيعون تغيير العالم إلى الأفضل؟ إذا أردنا جيلاً واعياً مُحبّاً لعائلته ووطنه، يجب أن نزرع في الأبناء منذ الصغر حُبّ القراءة والثقافة كل حين. يُحكى أن شاباً التحق بالجامعة ليكمل تعليمه، فسأله والده بعدما أنهى العام الأول: “ما الذي تعرفه؟، هل تعلّمت أكثر من ذي قبل؟” أجاب الابن: “بالطبع أعرف الكثير”. ثم سأله بعد الانتهاء من العام الثاني: “هل تعرف الآن أكثر مما عرفت في الماضي؟”، فأجاب الشاب: “مما لا شك فيه لا، الآن أعرف أقل بكثير”.

فقال أبوه: “حسناً، أنت أفضل من العام الماضي”؛ ثم سأله بعدما أنهى العام الثالث: “ما الذي تعرفه الآن؟” فأجاب: “أظن أنني لا أعرف شيئاً، فقال والده: “لقد أصبت، لأنك الآن بدأت تستفيد ما دمت تقول أنك لا تعرف شيئاً”. لأن المثقف الحقيقي هو الذي يشعر بالجهل كلما تعلّم وقرأ أكثر، لأن هذا هو باب المعرفة والحكمة. طوبى لأولئك الأشخاص الذين يستغلون وقتهم ليس في الدراسة فحسب؛ بل في تثقيف ذاتهم، لأن الكتاب الجيد يسمو بالروح ويرهف الشعور ويبعث الإعجاب، ويجلد الهمة. ما أسعد هؤلاء الذين يُغْرَمون بالدرس والقراءة البنّاءة، لأن معاشرة الكتب ينبوع يفيض عليهم بكل ما لذ وطاب للعقل والقلب والنفس. كما أن الكتاب ملجأ أمين إن بحثنا عنه، وسينقذنا من معاشرات سيئة، وهو أداة للعلم والتثقيف والحكمة، ونستطيع أن نلجأ إليه في كل حين، ففي ساعة المرض سنجده خير مُلّطف لآلامنا وأوجاعنا، وفي شيخوختنا أجمل رفيق وسند، لأن المطالعة بعد العبادة لها أهمية خاصة وأعظم نعمة أنعم بها الله علينا، وتجعل حياة الإنسان رحلة ممتعة في أرض الشقاء التي يعيش فيها، إذاً لا يجعل أي فرد منّا هذه الشعلة تنطفئ في داخله، وكما يقول الفيلسوف والناقد Taine: “عندما أملأ رأسي بالمطالعة، فما تبقّى، ليس له أدنى أهمية في اعتباري. بهذا، أنا على يقين بأن الملل لن يصيبني أبداً في حياتي”.

ومما لا شك فيه أن الدول المتقدّمة والمتحضّرة، تهتم أولاً بمكتبات الأطفال، حتى تضع بين أيديهم قصصاً وحكايات شيّقة لتزرع فيهم الانتماء للوطن وحُب البطولة وكرم الأخلاق والكدّ والسعي إلى ما هو سامٍ، ونتيجة ذلك نجد الأطفال يحلمون ليل نهار بما يقرؤنه، ويبتكرون في كل شيء حتى في ألعابهم ويصنعون جواً حافلاً بالبطولة والنبوغ، وعندما يصلوا إلى سن البلوغ، يسعون لتحقيق كل ماكانوا يحلمون به، إذاً فمطالعة الكتب تمنحنا متعةً لا مثيل لها، كما أنها وسيلة هامة لاكتشاف المواهب المدفونة في كل شخص، فضلاً عن أنها تضع بين أيدينا، خبرة من سبقونا في مختلف الميادين، وتمنحنا صُحبة ممتعة. فالكتاب الجيد خير دليل وصديق إن عرفنا كيف نختاره ونهضم ما بداخله، ونتعلّم أسمى ما تمخّضت عنه عقول الفلاسفة، وأفضل ما أتاه عظماء الرجال، وكما يقول Blanchaud: “الكتاب الصالح هو ناصح صادق، يثقفك دون أن يضجرك، وينبّهك إلى عيوبك دون أن يهينك، ويقوّمك دون أن يسيء إليك”.

إذاً فالثقافة هي النور الذي يبدد ظلمات الجهل عن العقول لنرى الحق والخير والجمال، والثقافة الحقة هي التي تنير العقول وتشدد الإرادة، كما أنها تساعد الإنسان على التحلّي بالإرادة للسيطرة على أمياله وأهوائه، وتُعَوّدنا على المثابرة للتحصيل والنجاح، وتساعدنا على الإصغاء وإعْمَال الفكر، علاوة على ذلك تعلّمنا التسامي بأفكارنا وعواطفنا ولا نتبع السطحية والتفاهة، كما تساعدنا على تقييم الآراء والأفكار حتى لا نصبح ذَنَباً للغير ولا ضحية لترويج الشائعات. فالثقافة تمنح الإنسان اعتناق الحق والسعي إلى الخير وتحقيق الجمال في الروح قبل الجسد، وفي الأخلاق قبل المظاهر. وكما يقول السيد المسيح: ” أنتم نور العالم” (متى 14:5)، هذا معناه أن كل واحدٍ منّا يجب عليه أن يشعّ بأفكاره وأقواله وتصرفاته، وعندما يفعل ذلك سيصبح مثالاً صالحاً يقتدي به الآخرون. إذاً فالكتاب هو قوّة جبارة، كالقنبلة الموقوته، يجب أن تنفجر، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، كما أن الكتاب حسبما يكون صالحاً أو فاسداً، يُنير أو يعمي، يسمو بالإنسان أو ينزل به إلى الحضيض، يشوّش أفكاره أو يمنحه الهدوء والسكينة. ونختم بكلمات سنيكا: “من يعيش بدون عون المطالعات الصالحة، هو ميت؛ هو مدفون حيّاً”.

تابع مواقعنا