حجازي الشاعر الإشكالي
منذ عشرين عامًا تقريبًا التقيته للمرة الأولى بنقابة الصحفيين في حفل كبير لمناصرة الثائر الفلسطينى مروان البرغوثي، وكان يجلس بجوارنا الراحلان محمود أمين العالم وعبدالوهاب المسيري، ويومها تحدثنا عن الدلالة اللفظية للصورة الشعرية على ضوء نص أسمعته إياه على عجل، فاعترض على أحد أبياته، معتبرًا أن الصورة الشعرية به تقدم مجازًا فاسدًا، وهنا تعلمت درسًا مهمًا في صناعة المجاز بنيت عليه بعد ذلك في معرفتي بالشعر. ومنذ عشر سنوات تقريبا كتبت مقالًا تحت عنوان (شيخوخة لجنة الشعر أجلست أربعة أجيال على دكة الاحتياطي) وحدث والتقيت بعدها بوقت قليل حجازي والناقد الكبير محمد عبدالمطلب، الذي قدمني لحجازي قائلا: “سامح كاتب مقال ضدك يا أستاذ حجازي” ففحصني الرجل بنظرته الحادة مبتسمًا وقال: “انتقدني كما تشاء بشرط ألا تتعرض لشخصي” هذا هو الأستاذ حجازي الليبرالي الحقيقي موقفا إنسانيا وجماليًا، الذي لم يتعرض شاعر في الوطن العربي لما تعرض له هذا الرجل وهذه آية نجاح وعظمة تجعل صاحبها في مرمى النيران، حتى وهو غير صانع للأحداث أو موجود بها، حجازي الرائد المهم لشعر التفعيلة حتى وإن سبقه آخرون لم يقدموا لهذا الشكل الشعري أكثر من كسرهم لنمط الشكل القديم بلا عمق وتأصيل لجماليات جديدة على مستوى اللغة والأسلوب والتخييل والإيقاع، الأمور التي رسّخ لها حجازي بفهم حقيقي لآليات التجديد،وهذا ما آثار حنق أشياع أدونيس من المصريين والعرب على حجازي الذي لم يسلم حتى اللحظة من كتاباتهم التي خلقت من الرجل شبحًا عملاقًا يهيمن على الزمان والمكان حتى وهو لم يغادر بيتها إلا نادرا، حجازي ليس أستاذي ولا صديقي ولم يحدث أن سعيت لمعرفته رغم المرات العديدة التي جمعنا فيها مكان واحد وأمسية واحدة ، قرأت له كأي شاعر من جيله بلا تحيز لشكل كتابي أو منطق جمالي فوجدت شاعرًا مؤسسًا ومهمًا يعرف متى يغني ومتى يسرد ومتى يجعل من اللغة خطابا ومن الإيقاع نصًا موازيًا ، وجدت شاعرًا ضخمًا يخشى الجميع أن يقول عنه ذلك، بل يقولون أنه توقف عن الكتابة منذ ثلاثين عامًا، وهي التهمة التي تنصفه كشاعر كبير لم يتورط في أن يعيش عالةً على اسمه بتواجد مجاني كغيره من الكبار سنًا لا شعرًا ، ميلادًا سعيدًا يا أستاذ حجازي.