الأربعاء 27 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

قداسة أماكن العبادة في الرسالات السماوية.. آيا صوفيا الحائرة

القاهرة 24
ثقافة
الإثنين 20/يوليو/2020 - 10:56 ص

نواجه على المستوى العالمي في عصرنا الحاضر إشكالية كبرى.. تلك الاشكالية المرتبطة بتنامى ظاهرة إختلاط الدين بالسياسة، الأمر الذي يفرض علينا إعمال الفكر.. واستخدام المنطق في قراءة وفهم والحكم على الامور بحكمة وعقلانية وتروي.

فلقد أثار قرار الرئيس التركي تحويل متحف آيا صوفيا في أستانبول إلى مسجد، ردود فعل متباينة على المستويين الدولي والعربي. كما فتح مصير هذا المعلم التاريخي أبواباً من الجدل تجاوزت الشارع التركي لتشغل الشارعين العربي والغربي على حد سواء.

لقد تخطى الأمر نطاق النقاش والجدل ليتحول إلى مبارزة سياسية مجتمعية دينية حول دور العبادة في الأديان بشكل عام في مشهد أعاد للأذهان أجواء الخطاب البغيض الذي كان سائداً في القرون الوسطى، والذي كان يعبر عن حالة الخوف والشك والتوجس في الآخر بشكل عام وبلا تفكير، الأمرالذي يتعارض بشكل فج مع مبادرة حوار الحضارات وقبول الأخر.

وقبل الحديث عن تداعيات قرار تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد دعونا نلقي نظرة موجزة على تاريخ هذا المبنى.. في عام 532م. أمر الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول ببناء الكنيسة في القسطنطينية ” إستانبول حالياً ” واستغرق بناءها خمس سنوات.

تعني كلمة آيا صوفيا “الحكمة الإلهية” باللغة اليونانية، وقد أراد الأمبراطور جستنيان الأول عبر تشييدها إظهار وإستعراض تفوقه على أسلافه الرومان بتشييد صرح معماري غير مسبوق، وبعد اكتمال البناء، ذكر المؤرخون أنه من شدة إعجاب الأمبراطور جستنيان به قال لحظة دخوله “يا سليمان لقد تفوقت عليك”، في إشارة إلى النبي سليمان الذي كان يسخر الجن لإقامة الأبنية العظيمة. وعندما تم فتح القسطنطينية، تحولت الكنيسة الى مسجد وظلت كذلك حتى تأسيس الجمهورية التركية على يد كمال اتاتورك والذى بدوره حول كنيسة آيا صوفيا الى متحف لتظل على ذلك الحال حتى أوائل شهر يوليو من العام الجاري حين أمر الرئيس التركي بتحويلها الى مسجد.

وقد أثار قرار الرئيس أردوغان تحويل متحف أيا صوفيا إلى مسجد غضب الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، التي اعتبرت القرار قرارا سياسيًا واضحًا، ورأت أنه انتهاك غير مقبول لحرية الدين، على حد تعبير ” الأسقف ميتروبوليت إلاريون”، رئيس إدارة العلاقات الخارجية في بطريركية موسكو. كما ندد رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بالقرار بأشد العبارات.

المنطقة العربية من جهتها رأت من خلال بعض الصحف والمواقع الإخبارية العربية أن قرار تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد صدر بدوافع سياسية وليست دينية.

وأبرزت صحف مصرية ردود الأفعال التركية المعارضة، ونشرت تقريرا بعنوان ” زعيم المعارضة التركية: انقلاب مدني في تركيا”. وكتب رجل أعمال مصري شهير تغريدة قال فيها ” نبارك لك عداوة مسيحيي العالم كله”، رداً على تغريدة للرئيس التركي التي قال فيها “نبارك لكم جامع آيا صوفيا”.

ورفض الرئيس التركي معارضة قراره قائلاً “توجيه اتهامات إلى بلدنا في مسألة آيا صوفيا هو بمثابة هجوم مباشر على حقنا في السيادة”.

أما المعسكر الداعم لقرار أردوغان في المنطقة العربية فقد اعتمد على حالات مماثلة تعرض فيها العديد من المساجد في أوربا للتحويل الى كنائس، قائلين إن جيوش إسبانيا قامت بتحويل معظم المساجد فيها إلى كنائس بعد انتهاء حكم العرب للأندلس.

بينما يرى فريق آخر من المحللين العرب ” أنه كان أولى بالرأي العام العربي الاهتمام بالقضايا ذات الصلة بحياة الناس، كالمشكلات الاقتصادية والمعيشية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة. وما تواجهه المجتمعات هذة الأيام من مخاطر وتداعيات جائحة فيروس كورونا وما تسببه من دمار للبشرية.

وفي الحقيقة يجب أن لا نتجاهل التداخل الشديد بين حسابات أردوغان السياسية و قضية صراع الأديان والحضارات، فالقرار يحمل في طياته كثيرا من التداخل بين العوامل السياسية والعوامل الدينية. ولا يخرج هذا القرار عن أوهام أردوغان فى الخلافة والعثمنة والسلطنة واستعراض القوة واستجلاب المليشيات ومخاطبة الوجدان المتطرف.

إن الأديان لها من القيم والمبادئ المشتركة ما يشكل أساسا صلبًا للتكامل والتحالف بين الحضارات وأهلِها، كما أن الديانات المنزلة هي حلقات في سلسلة واحدة مترابطة يكمل كل منها الآخر، وتحث وتؤكد على إتباع قيم الرحمة والتسامح والإخاء والتعاون وعمارة الأرض، وليس الكراهية والتصارع والتقاتل والمحاربة واستخدام القوة والتعالى على الاخر. وتؤكد على تلك القيم الأخلاقية الرسالات السماوية الثلاث جميعها. إن تخصيص كل ديانة أماكن للعبادة هو مشترك ديني وإنساني رسخته الديانات على مر العصور، وتحظى هذه الأماكن بقدسيتها داخل كل ديانة.

ففي اليهودية جاء في التوسفتا الملحق بالمشناة “إن للكنس ” أى المعابد اليهودية” حرمة كبيرة لا يجوز الاستهتار بها، فهي مكان خاص للعبادة والقراءة والدراسة. ولا يجوز دخولها أيام الصيف هرباً من الحرّ وتفيؤا بظلّها، ولا يجوز دخولها أيام الشتاء هرباً من البرد أو الأمطار، كما لا يجوز الأكل والشرب والنوم والتنزّه فيها، لأنها أماكن مقدّسة مخصصة للعبادة.”

أما في الديانة المسيحية فلقد كانت بداية العبادة في الهيكل، ثم اتخذت الكنائس على طول التاريخ نظاما وتراتبية وطقوسا روحية دينية جعلت لها مكانة خاصة عند كل مسيحي يقصدها في كل أحواله.. للصلاة والزواج والتعميد، وعند وفاته تؤدى الصلاة عليه في الكنيسة.

وتتمتع دور العبادة في الإسلام بمكانتها العظيمة حيث قال تعالى ” وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ” ( الأعراف 29) وقال سبحانه ” إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ”، وبلغت قداسة المساجد في الإسلام أن سماها رسول الله صلى الـله عليه وسلم بيوت الله، وربطها بالذات العلية.

وهكذا ارتبط وجدان كل متدين بدور العبادة والمقدسات الدينية والروحية التي وفرها له دينه. لكن في ظل معاناة الإنسانية عبر التاريخ من الحروب والنزاعات تعرض عدد كبير من دور العبادة إلى التحويل إلى أديان أخرى، وصفحات التاريخ ملأى بهذه الأحداث، ومن يقلب صفحاته يجد في الأندلس جامع إشبيلية ومسجد قصر الحمراء ” الذي استغرق بناؤه مائة وخمسين عاما” وغيرهما من المساجد التي تحولت إلى كنائس.

كما نجد أيضا كنائس مسيحية تحولت إلى معابد يهودية..ومنها ” معبد بن عزرا ” في مصر، وهناك كنائس تحولت إلى مساجد، ثم إلى كنائس..ومنها ” جامع قرطبة الذي بناه المسلمون تحفة معمارية ومنارة للعلم في أوربا تقدم العلوم الدينية، والفلك والرياضيات والفيزياء والكيمياء والجغرافيا والمنطق والأدب، وبلغ عدد المدارس به 27 مدرسة، ووصل عدد طلاب العلم فيه إلى 4آلاف طالب، ثم تحول قسراً هذا المسجد إلى كنيسة بعد نهاية الحكم الإسلامي للأندلس.

ونجد أيضا “مسجد كتشاوة” بالجزائر الذي حوله الفرنسيون إلى إسطبل للخيول.. ثم إلى كنيسة.. ثم أعاده المسلمون مسجدا عام 1962م بعد مرور مائة وثلاثين عاما.

هكذا سارت الأمور عبر التاريخ حتى أصبحت قضية دور العبادة المتعرضة لهذه التحويلات واحدة من أهم المعضلات والمآزق التي تعترض التسامح الديني..وكذلك ما أكدت عليه الأديان من احترام مقدسات الآخر،  وعدم التعرض لعقائده وثوابته ومقدساته، فاحترام تلك المقدسات والرموز الدينية هى واحدة من أهم مبادئ الأديان.

تابع مواقعنا