تحدى الإعاقة والتنمر وحصل على الماجستير.. مختار يكشف سر إصابته بشلل الأطفال (صور)
يجلس على كرسي متحرك رابط الجأش يجلس ملكًا، بشوش الوجه دائمًا، لا تفارقه الابتسامة أبدًا، وأهم ما يميزه ثقته بنفسه، والرضا بالمقسوم، تحدى العديد من صعوبات الحياة، وأبرزها التنمر وبُعد قريته النائية عن مقر عمله ودراسته، حتى أصبح أيقونة متحدي الإعاقة بجامعة الفيوم، وأمهر موظفي الجامعة، وصاحب رسالة ماجستير فريدة من نوعها.
مختار سالم العبيدي، 31 عامًا، من عزبة الشاعت التابعة لقرية فانوس بمركز طامية بالفيوم، موظف بإدارة العلاقات العامة بجامعة الفيوم.
وروى قصته مع حلمه، حلمه الذي لم ينته بعد، والإعاقة التي تُرى لديه منبع طاقات كامنة لا تُرى، قائلًا: 2013 كانت بداية عملي في جامعة الفيوم، وكان تعييني الأول في مركز ذوي الاحتياجات الخاصة بكلية الآداب، لمدة عامين، وكان عملي بالمركز من أهم الفترات العملية في حياتي، وكنت سعيد جدًا أثناء عملي هُناك، كنت أحاول أن أساعد طلاب ذوي الإحتياجات الخاصة كيف يتحدون الإعاقة ويتغلبون عليها، قدمت لهم الدعم النفسي، وكيف يستطيعون مواجهة الحياة بصدر رحب.
يتابع العبيدي، انتقلت بعد ذلك، إلى العمل بالمركز الإعلامي بالجامعة، وكان من أهم الفترات أيضًا لأني مُنذ الصِغر كانت هواياتي المفضلة، القراءة والكتابة والصحافة، فعندما بدأت العمل بالمركز، تحقق حلمي عمليًا، ومارست المجال، والتحقت بعدد من الدورات التدريبية، داخل جرائد كبرى، حتى أستطيع ترسيخ الموهبة التي أمتلكها بشكل علمي وعملي، وحققت نجاح كبير في هذا الجانب من خلال عملي بالمركزبمساعدة زملاء العمل، فضلًا عن مساعدة جميع رؤساء الجامعة الذين قدموا لي دعم ومساندة، في أن أكمل مساري العملي والعلمي.
حقنه ملوثة وراء إصابة مختار سالم بشلل الأطفال
ويأخذنا مختار بعيدًا جدًا، لـ30 عامًا قد مضى من عمره، ليحدثنا لأول مرة عن سر إصابته بشلل الأطفال، يروي برضا تام بما حدث له، ورغم أن شلل الأطفال أقعد طرفاه السفليين عن الحركة، لكنه لم يقعد قلبه وروحه الطيبة ولا عقله عن البحث عن التميز دائمًا.
يقول مختار، بدأت أكبر، وأبحث عن سبب إصابتي، يروي لي مختار نص الحوار الذي دار بينه وبين والدته، عن سر إصابته بشلل الأطفال.
حوار دار بين مختار ووالدته.
مختار: إيه اللي عمل كده فيا يا أمي، هل كانت حادثة؟
الأم: لا يا ولدي، اكتشفت إعاقتك بعد ولادتك بعام، فكنت قبل العام، لا يمسك أي ضرر، السبب يا ولدي فجأة درجة حرارتك ارتفعت جدًا، عندما لامست جبهتك، فصحبتك سريعًا إلى الطبيب، وأعطى لك بعض الحقن، وبعد أن حملتك ووضعتك في حضني، خوفًا عليك من السخونة، وعدنا إلى منزلنا، لاحظت أن حركة قدميك، قلت تدريجيًا، زادني القلق فصحبتك إلى طبيب آخر، قال لي، ابنك عنده شبه شلل أطفال، تعبت يا ولدي بعدما علمت بذلك، حاولت أنا ووالدك الله يرحمه، أن نلحقك ونعالجك، ولكن قضاء الله وقدره، لكن متزعلش أنت سليم ومتعلم ومثقف، وعمري ماشعرت إنك ناقصك شيء، بسبب نشاطك وتفكيرك وثقتك في نفسك.
ما زال يبحث مختار العبيدي، عن سر إصابته بشلل الأطفال حتى يجد طريقًا لعلاجه، وإن لم يجد، فهو راضٍ تمامًا، يقول، بحسب تقدير أحد الأطباء، قال لي إن فيروس شلل الأطفال كان منتشرًا وقتها بشكل كثيف، فكانت الحقن التي أعطاها لي الطبيب مُنذ سنوات، تقريبا كانت محملة بالفيروس، وأصِبْتُ على إثرها.
تحديات
ما زال يحدثني مختار: تحديت العديد من الصِعاب، مُنذ الصِغر، ولدت في عزبة نائية عن المدرسة، كان يمثل ذلك عبءً عليّ، خاصة وقتها لم يتوفر الكرسي المتحرك، كنت بركب مواصلتين من العزبة للمدرسة، لأن المدرسة كانت في مركزطامية وهكذا في من العزبة للدراسة بالجامعة قبل التعيين، فسماتي الشخصية مُنذ الطفولة الثقة بالنفس ، فكنت من المتفوقين دراسيًا في المراحل الإيتدائية والإعدادية حتى الإلتحاق بالجامعة.
خريطة معاناة الدراسة بالجامعة ماقبل التعيين
كانت أمنية حياة مختار أن يدرس في مجال الإعلام، لكن لم تتيح له الفرصة بسبب ظروفه، فكان من الصعب أن يدرس خارج الفيوم، فاتجه بالدراسة الأقرب للإعلام ولتفكيره أيضًا، فالتحق بكلية الآداب قسم الفلسفة بجامعة الفيوم.
يقول ابن قرية فانوس، من الصِعاب التي كنت أواجهها أيضًا، أثناء الدراسة بالجامعة، إنني أسكن بعزبة الشاعت التابعة لقرية فانوس بمركز طامية بالفيوم، التي تبعد عن مدينة الفيوم قرابة 45كيلو، وحتى أتنقل من العزبة للجامعة، كنت أركب 5مواصلات، الأول توك توك، يخرجني من العزبة إلى الشارع الرئيسي، ثم مواصلة للقرية، وأخرى من القرية للمركز، ومن المركز للمدينة ثم تاكسي للجامعة، كنت استغرق من ساعة إلى ساعتين، في المواصلات، هذا غير التنمر الذي واجتهه، ومعاناتي داخل الميكروباص، أثناء الطلوع والنزول.
مختار: كنت أنافس على تعييني مُعيدًا ولكن لم أحظَ بذلك، فقررت أكمل دراسات عليا، ونلت حظ التعيين بجامعة الفيوم، وحصلت على درجة الماجستير بتقدير ممتاز في تخصص علم البيولوجي، واستغرقت مدة الرسالة 4سنوات، حيث اخترت موضوع جديد وتخصص صعب، فأنا أبحث وراء التميز دائمًا.
وكانت الرسالة عند الفيلسوف الألماني إرنيست ماير، الذي حاول بقتال مُستميت يثبت أن البيولوجي علم مستقل بذاته، وهو تخصص جديد في الفلسفة، حيث بدأت الفلسفة مؤخرًا تقتحم مجالات نادرة جدًا.
وبعد تعييني في جامعة الفيوم، الجامعة وفرت لي إقامة كاملة داخل الجامعة، حتى أستطيع أتابع عملي في مجال الميديا بشكل كبيرالذي يتطلب معظم الوقت قضاء وقت طويل في الجامعة، خاصة أوقات المؤتمرات والندوات والاحتفالات الكبرى، ومن ضمن إيجايبات السكن استكمال دراستي داخل الجامعة.
هذا السكن الجامعي، وفر عليّ مجهود كبير من العزبة إلى الجامعة يوميًا، وحاليًا أسافر لمنزلي مرة واحدة فقط في الأسبوع لقضاء أيام العطلة.
تنمر
“أوقات كتيربشوف التنمر في عيون الناس، التنمر مش لازم يكون لفظي فقط، بل آراه في عيون الناس دون أن يتحدثون، من أكثر المواقف التي تتكررمعي في المواصلات، سيدات تقولي ليه ياعيني عليك يابني أنت صغير على الكرسي، وعلى اللي أنت فيه ده طيب محاولتش تتعالج؟، بسكت ومش برد أو أحياناً، وأحيانصا أخرى أقول لهم أنا راضي جدًا بقدر ربنا، تحديت التنمر عن رضا لإني بالفعل راضي بالمقسوم”.هكذا يروي لي مختار قصته مع التنمر وكيف تغلب عليه.
ماذا بعد، أسأله، فيجيب، ويحكي لي، قصة تحدياته، التي لم تنتهي بعد، يقول: استحملت كل شئ برضا وقناعة كنت متأكد إن ربنا سيعوضني بكل خير، والتحدى الأكبر الذي مازال أواجهه حتى الأن وسأسعى لتحقيقه، هو تغيير نظرات الناس لذوي الإحتياجات الخاصة، نستطيع نتغلب على كل شئ.
توعية
مختار، ما زال يحدثني عن قصته وتحدياته، وكيف واجه المجتمع، يقول، لا أتأثر من نظرات وكلام الناس على إني مُعاق ومن الدرجة الثانية، وكيف موظف بالجامعة ويحضر ماجستير ودكتوراه، كل هذا خلف ظهري، ولكن أشوفه في عيون الناس، لكن في ناس بتضايق غيري، فأتمنى عمل توعية وندوات في المدارس، بأن ذوي الإحتياجات الخاصة، قادرون على مواجهة الحياة وتحدياتها بشكل مختلف، ولدينا مقدرة وإرادة، نتمنى نغير هذا الفكر لأنه يتعبنا نفسيا، أنا بشفق على الناس اللي بيبصولي نظرة سيئة وسخرية لإن ده قضاء ربنا وبكده هما مش بيسخروا مني.
أمنيات وأحلام مؤجلة بسبب كورونا ورسالة للشباب
كان متوفر لدى مختار، فرصة عظيمة للسفر إلى خارج مصر، وكان ينوي التقديم إلى إحدى المؤسسات للعمل في مجال الإعلام، رتب أولويات السفر، وحصل على العديد من التدريبات التي تؤهله للسفر، لكن بسبب جائحة فيروس كورونا، تعطل كل شئ، ولكن لم ييأس اتجه لتجهيز رسالة الدكتوراه في فلسفة الإعلام”أخلاقيات الإعلام”، التي توقف عنها بسبب أيضًا كورونا، ولكن قريبًا سيتم الإنتهاء من تسجيل رسالته.
لم يكن التعيين والماجستير والدكتوراه الأمنيات الوحيدة لمختار سالم، بل لديه منبع من الأحلام، فأمنيته الأخرى أن يقدم برامج تلفزيونية لمناقشة بعض القضايا التي يتمنى أن يوصلها للجميع، أو يقدم نشرات أخبار، وحاليًا يسعى لذلك لأنه يرى هذه الموهبة في نفسه.
متزعلوش من التنمر.
ويختم حديثه برسالة للشباب، قائلًا: اسعوا وكل إنسان يستطيع أن ينجح في الحته بتاعته متخليش حاجة توقفك، لا إعاقة ولا غيره، خلي عندك طموح في كل شئ، والتفوق دائمًا يأتي بعد التعب والسعي، حاول واشتغل على نفسك، متزعلوش من التنمر ومتشغلوش بالكم وركزوا في النجاح فقط، اهتموا بالقراءة والكتابة، فالقراءة والإطلاع، شكلوا شخصيتي، وفرقوا معي، من الناحية النفسية والتفوق، والتحدي ومواجهة الصعوبات والقدرة على التأقلم مع المجتمع ومواجهة النظرات غير المقبولة”.