عمر عبد العليم يكتب: نحنُ هُنا والعالم هناك
المدرسة الدبلوماسية المصرية من أعرقِ المدارس الدبلوماسية فى العصر الحديث، ولها سمتٌ وملامح مميزة دائمًا، وكثيرًا ما ساندت الدولة فى أزمات كثيرة بل كانت سيف الدولة فى أحيان عدة، إلا أننى أرى من وجهة نظرى المحدودة أنها قد تحتاج إلى انتعاشة، وبعض التنقيح؛ لكى تستطيع مواجهة التحديات الراهنة ومجابهة المدارس الدبلوماسية الأخرى التى توحشت فى الشرق الأوسط وأفريقيا وسط آسيا ودول أوروبا الشرقية.
وكما أن الدولة قد تبنت مفهوم التجديد الشامل وأن الرئاسة توعدت بتغيير صورة الدولة، وأننا سنرى مصرًا جديدة، فيجب أن يطال هذا التجديد دبلوماسيتنا وسياستنا الخارجية أيضًا، لكى تصبح قادرة على تناول الملفات الحساسة التى تشترك فيها مصرنا الغالية من قريب أو بعيد، ليس هذا فحسب بل تكون مستعدة لرعاية تلك الملفات بمفردها أو مشتركة مع الوزارات والأجهزة المعنية الأخرى، وألا تكون فى معظم الأحيان على صفوف الاحتياط، فمثلًا لا يصح أن تكون معظم دول العالم منشغلة بما يحدث فى القوقاز من نزاع وتقسيم نفوذ، وتكون فقط مشاركة وزارة الخارجية الخاصة بأكبر دول أفريقيا، والدولة الأهم بالشرق الأوسط والوطن العربى بترحيب لوقف إطلاق نار استمر لسويعات، فى الوقت التى تتسابق فيه الدول لإعادة هيكلة علاقاتها الخارجية وفقًا لمجريات الأمور هناك، ولا أبرر هذا بأنه نوع من التوازن السياسى أو الصمت الدبلوماسى، بل هو فى الغالب ووفقًا لما رأيته وعاصرته بنفسى، نتيجة فقر المعلومات وأن وزارة الخارجية المصرية ما زالت تعمل وفقًا للمدرسة الكلاسيكية الخاصة “بدوائر السياسة الخارجية المصرية”، وكأن ما يحدث فى القوقاز لا يهمنا من قريب أو بعيد، حتى وإن طالبتنا إحدى الدول هناك بالتدخل.
فكان لزامًا على دبلوماسيتنا تطوير أدواتها لكى تساهم فى توسيع دائرة الاستماع لمتخذى القرار، فعلى سبيل المثال معظم المعلومات الواردة من بعثاتنا بمنطقة القوقاز ودول الاتحاد السوفييتى السابق هى عبارة عن تغطيات لبعض المواقع الإلكترونية التى يمكن للدبلوماسى متابعتها من ديوان وزارة الخارجية أو من منزله بالزمالك، أو مجموعة أخرى من المعلومات التى تأتى عن طريق تسريبات موجهة من العاملين المحليين لدى بعثاتنا، والذين يشكلون ما يزيد على تسعين بالمائة من قوام بعثتنا الدبلوماسية بالخارج. الأمر الذى أرسى داخل وجدان ديوان وزارة الخارجية أن هذه المنطقة قد يسعى إليها بعض السفراء لإنهاء خدمتهم الدبلوماسية هناك فى جو من الاستجمام أو يتم انتدابهم كنوع من التهميش لحين الانتهاء من خدمتهم الدبلوماسية أيضًا.
نداء إلى وزارة الخارجية المصرية، جميع دول العالم الآن هى دول هامة، فمن لا تجلب منه المال والاقتصاد، فقد تجلب منه المعلومات والنفوذ، وإن كان لا هذا ولا ذاك، فغلق سفاراتنا هناك وتقليل النفقات هو الأفضل لنا، درءُ المفسدة مقدمٌ على جلب المنفعة.
منطقة القوقاز ودول الاتحاد السوفييتى السابق، هى وسط العالم الجديد، ومنطقة تفريخ قادة الإسلام الجهادى المؤسسين لطالبان وداعش الموجودين حاليا فى ليبيا وسوريا، هى منطقة بها أعرق المدارس الاستخباراتية التى تتعلم فى الأزهر وتستقى التكنولوجيا من تل أبيب، هى منطقة غاز وبترول وبها تمر أهم خطوت الغاز المغزية لأوروبا، الأمر الذى دعا وزيرة خارجية إسبانيا لزيارة مصر فى الوقت الراهن وليس العكس، لإدراكها التام أن لمصر دورًا مطلوبًا فى هذه اللحظة.