مريدات الشيخ.. أسرار الفتيات تحت عمائم شيوخ الصوفية
“تعاهديني إنك تبقي من تلاميذي ومعايا في طريق الله طول عمرك؟.. أعاهدك يا مولانا.. طيب هاتي إيدك وقولي ورايا هذا العهد”، من هنا تبدأ مريدات الشيخ في سلك طريقها إلى لله على يده بعد أن تقرأ العهد كما يمليه على مسامعها شيخها واضعة يدها في يده، ولكن بعد قراءة ذلك العهد تحل الطامة الكبرى، إذ تقع التلميذة أو المريدة في فخ الاعتراف بأسرارها الشخصية لشيخها.
“عهد الطريق”، أو العهد كما يطلق عليه الصوفية، يُعد من أهم شروط التحاق المريد أو التلميذ بالطريقة الصوفية التي يرغب أن يكون أحد أفرادها، ويعتبر هذا الطقس متوارثًا عند العديد من الطرق الصوفية المنتشرة في أرجاء المحروسة ومحافظاتها وقراها أيضًا، وقد يكون الغرض منه بقاء المريد تحت إمرة شيخه منصاعًا لأوامره ونواهيه طيلة حياته، وقد يتمثل العهد كما يفهمه البعض في الامتثال لأوامر ونواهي الشيخ، والحكي والاعتراف كما يطلق عليه البعض، فقد يرى بعض التلاميذ أن العهد الذي بينه وبين شيخه يلزمه أن يعترف له بكل شيء يخصه في حياته، وبهذا يكون التلميذ كتابًا مفتوحًا أمام شيخه، حتى أصبح الاعتراف قضية شائكة يلام عليها الشيوخ في وقتنا الحالي.
قضية مريدات الشيخ، أثارت الجدل في العديد من الأوساط المختلفة، وخاصة أن هناك العديد من مشايخ الطرق الصوفية، يقومون بتحديد أيام في الأسبوع أو في الشهر، للقاء تلميذاته ومريداته بعيدًا عن الرجال حتى يتحدثن إليه بأريحية ويحكين له ويسألنه عن أمور يردن فهمها، وذلك بعد أن تصدرت المشهد الصوفي، وسابقت للوصول إليه الرجال، الذين هم معروفون بأنهم الأكثر على الساحة الصوفية منذ قديم الأزل، حتى أصبح مريدات الشيخ ينافسن الرجال في حلقات الذِكر ومجالس المديح، ويجتهدن أيضا مثل الرجال للتقرب من شيوخهن حتى ينلن رضاه وبركته وأن يكون لهم نصيب من صلاحه في الدنيا قبل الآخرة.
هل يحق للفتاة أن تشكف أسرارها الشخصية لشيخها من باب الولاء؟
وهنا السؤال يطرح نفسه، هل يحق للمريدة أو التلميذة أن تشكف أسرارها لهذا الشخص الذي تربطها به علاقة روحية فقط، على إثرها تقص قصصها وتستشيره في أمور حياتها الشخصية؟ أم تكتفي بالولاء له فقط والتقرب إليه بطريقة ووسائل أخرى؟
معايشة خاضتها “القاهرة 24″، للبحث عن الحقيقة ولكشف الجانب الخفي عن بعض من مشايخ الطرق الصوفية، أو ممن يدّعون أنهم على حال من الصلاح والفلاح، بما يسمح لهم بالتدخل في حياة الفتيات اللائي قررن أن يكنَّ تابعات لهم، فالبعض يستخدم هذا الاعتراف سلاحًا ضد مريداته كنوع من أنواع الضغط، أو كما يطلق عليه بعضهم “انضباط نفسي وروحي”.
“البوح بأسراري الشخصية لشيخي يجعلني أشعر بالسلام النفسي”
قالت “أ. ع” منتسبة لإحدى الطرق الصوفية، لـ”القاهرة 24″ إن اعترافها لشيخها عن كل ما يدور في حياتها، يعتبر وازعًا دينيًّا وأمرًا حتميًّا لا بد من قيام المريدة به، وأمر طبيعي من التلميذة تجاه شيخها، موضحة أن الاعتراف بكل ما يُحاك في صدرها يفرغ على قلبها السكينة والهدوء والسلام النفسي، وأنها تشعر بعد البوح بأسرارها أنها قد طهّرت روحها من كل ما يشغلها، وأفرغت لنفسها مساحة كبيرة للعبادة والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
وعند سؤالها عن شرعية اعتراف التلميذة أو المريدة لشيخها بخصوصياتها، أكدت أنه من الطبيعي أن الشيخ يعلم ويعرف كل شيء يجول في خواطرنا دون الحكي معه، وأحيانا يجيبنا بما يجول في عقولنا، وتارة أخرى يُلمِّح لنا خلال حديثه العام بيننا، مشيرة إلى أنها لم ترَ في الاعتراف مشكلة حتى لو كانت تلك الاعترافات تمس حياتها الشخصية الخاصة، فهي ترى أن الشيخ دائما عنده الحل لكل مشكلة تمر بها في حياتها.
“س. م” اختلفت كل الاختلاف مع رأي “أ. ع”، بشأن الاعتراف، إذ قالت لـ”القاهرة 24″، إن علاقة المريدة بشيخها علاقة لله فقط، وقد تتمثل تلك العلاقة في معرفة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتناول العديد من جوانب حياته حتى نتشبه به وبآله الكرام، وأيضا معرفة كيفية الصلاة وترقية الروح من خلال الحديث عن آل البيت، مضيفة أنه ليس من حق شيخي أن يعرف عن حياتي كل شيء، فهناك أشياء في حياة كل منا لا يمكن البوح بها لشدة خصوصيتها، فعلى سبيل المثال، لا يصح أن أحكي لأحد عن أزمة بيني وبين زوجي أو أكشف سره أو أبوح بأسرارنا على أحد، فالأحق بمعرفة تلك الأسرار هو الله سبحانه وتعالى، فعلاقتي بشيخي علاقة مرشد روحي فقط، أحضر مجالس الذكر وأنصت لما يقول وأستفيد منه علميًّا وروحيًّا، وأجلس حضرات المديح وأزور آل البيت، ولكن لا أبوح حتى لو سألني بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
“المكاشفة تهذيب للنفس وترقية للروح“
هذا رأي فتاة ثلاثينية تقف في باحة الإمام الحسين بالقاهرة، تزين نحرها بـ”سبحة” من الكوك، تقف هائمة في حب سبط رسول الله، وعند سؤالها: هل كنتِ منتسبة لطريقة صوفية أو لك مرشد روحي؟.. قالت إنها تفضل أن يكون لها شيخ يرشدها إلى الطريق الصحيح ويعلمها آداب الزيارة ويسلك بها في معارج الحب.
وعند الاستفسار منها عن الاعتراف وهل هو فرض من الشيخ على مريداته أو هو شيء مكتسب، قالت: “المكاشفة تهذيب للنفس وترقية للروح”، موضحة أن هذا أمر مشروع يجب أن تقوم به كل فتاة تحب شيخها، مشيرة إلى أن البوح والحكي يمنح التلميذة درجة من درجات التقرب للشيخ ويجعلها مميزة عن باقي أخواتها في الطريق.
هل يستغل الشيخ أسرار مريداته ضدهن؟
“لا.. مظنش إن الشيخ يعمل كده مع بناته خصوصا إننا بنبقى واثقين فيه أكتر من أصحابنا وأهلنا وفي مننا بتقول له على كل حاجة حتى لو أي واحدة حبت متتكلمش معاه مش بتبقى خايفة إنه يعرف عنها كل شيء.. آه فيه بنات بتخاف فبتبقى مجبرة إنها تكمل على غير إرادتها بس دي حالات قليلة خالص”.. بهذه الكلمات ردت “م. ن”، على سؤال هل يستغل الشيخ أسرار مريداته وتلميذاته ضدهن كسلاح يهددهن به إذا خالفن تعليماته وعصينه؟، موضحة أنه في بعض الأحيان يكون الشيخ قاسيًا علينا ويوبخنا كثيرا، وقد يصل التوبيخ إلى درجة النهر والتقليل والتسفيه، ولكنه أوضح لنا في جلسة من الجسات الخاصة التي نجلسها معه، أنه يفعل ذلك من أجل علاجنا روحيا وتقويمنا نفسيا حتى نكون كما هو يرى برؤية المستقبلية لحياتنا، مشيرة إلى أن هناك الكثير من التلميذات يَحْذَرْنَ الحكْي مع الشيخ، ويقتصرن على زيارته فقط دون الدخول معه في تفاصيل شخصية.
“مش من حقه يلمسني لو في جسمي أذى أو مس إلا في وجود محرم”
سؤال مباشر تم توجيهه إلى إحدى المريدات، وهو هل يجوز لشيخك مس جسدك إن لحق بكِ ضر أو مس شيطاني؟ أجابت عنه سيدة أربعينية، قائلة، إنه مهما بلغ حب شيخي من قلبي، لا أدع له نفسي أو أجلعه يمسني إذا حلّ بي عارض، إلا في وجود مُحرم ويكون رجلًا من الدرجة الأولى، لأن هناك درجة في التعامل لا يمكن للشيخ أن يتخطاها مع تلميذه مهما بلغت من محبته، وأشارت إلى أنها كانت قد سمعت عن شيخ ما “رفضت ذكر اسمه”، أن إحدى مريداته كان بها عارض واشتكت إليه، وعندما ذهبت إليه مس أجزاء من جسدها بحجة أنه يرقيها من مس الشيطان والجن، فما إن لبثت معه وقتًا قصيرًا حتى قررت الابتعاد عنه، ورأت أن مشايخ التصوف ما هم إلا وهم ويستغلون الفتيات استغلالًا سيئًا لمجرد أنهن وثقن فيهم وحكين عن بعض أسرارهن الشخصية.