محمد الغريب يكتب: عذرًا سيِّدي الخشت.. القرآن ليس كتابًا فلسفيًّا
"قرآن وسنة صحيحة، وخطاب ديني جديد" هاشتاجان ذيّل بهما رئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد عثمان الخشت مقالته "ضد التصور الأسطوري للمرأة"، وهو بيان من أستاذ فلسفة الدين -كما يحبذ أن يعرف نفسه، هدف من خلاله إلى أن يفند ما وصفه بخطأ منهجي يتمثل في استناد التفسير إلى مرويات غير ثابتة ولا ترجع إلى أصلي الدين: القرآن والسنة الثابتة بيقين -بحسب تعبيره".
محاولة منه للإجابة على تساؤله: هل المعيار هو الذكورة والأنوثة أم الكفاءة وإتقان العمل (العمل الصالح)؟، حوت سرداً لنصوص قرآنية تبين ما أغفله هؤلاء المفسرون - أصحاب النظرة الذكورية العنصرية- من تساوي الجنسين ومنها آيات سورة آل عمران من "33 وحتى 37"، وقوله تعالى: "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ".
وما بين تأكيد على أن القرآن لا يفسر إلا بضابط واحد ألا وهو تفسير القرآن بالقرآن، عرج "الخشت" إلى هدفه في فضح ما أسماه ذكورية المفسرين الأوائل الذين لم يفهموا مراد القرآن في المساواة المطلقة بين الذكور والإناث والتي يراها واضحة جلية في قول الحق تبارك وتعالى "ذرية بعضها من بعض"، ومن خلال ما ورد في آيات الاصطفاء للرسل والنبيين والصالحين كـ"آل إبراهيم وآل عمران"، وما كان لمريم عليها السلام من نذر أمها حين وضعتها، إلى جانب آيات المساواة في الجزاء الأخروي الذي يتضمن جنة أو ناراً.
ولعل قراءتي لمقالة أستاذ فلسفة الدين والتي تضمنت بعض الأمور التي تحتاج مقالات عدة للرد على ما بها من مغالطات أبرزها الضابط الأوحد في تفسير القرآن من خلال القرآن، وأحيله إلى علم التفسير وأسسه وضوابطه في هذا وكيف أن القرآن فُسر بالسنة النبوية وبلغة العرب إلى غير ذلك من الضوابط والأسس وكيف أن "الصبح إذا تنفس" لا بيان في القرآن لمفهومها، وأن الصلاة بحسبه دعاء فقط أو ركعات تقديرية للعباد فليس هنالك نص قرآني يجعل من الفجر ركعتين والظهر أربع إلخ، وقفت أمام ادعاء المساواة التي تأبى ذكورية المفسرين الالتفات إليها في نصوص واضحة ووفق منهجية تفسير القرآن بالقرآن التي عرج من خلالها على أن لفظة "آل" والتي تعني الأهل دليل مساواة بين ذكور وإناث الذرية الواحدة، وهو زعم أراه باطلاً جملة وتفصيلاً ومن خلال ضابطه الذي يركن إليه بأن القرآن لا يفسر إلا بالقرآن، فنحن أمام ذكر للفظة -آل- في عدة مواضع منها ما ورد في سياق أنبياء وصالحين ومنها ما رافق غير الصالحين من الفسدة وفي مقدمتهم فرعون "فَٱلْتَقَطَهُۥٓ ءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا".
وإني لأعجب أن تحمل اللغة ما ليس فيها من معانٍ توقيفية للفظة ومفردات لا مجال لتأويلها بعيداً عن ذلك فـ"آل"، وفق البيان القرآني لم تكن في حقيقتها مساواة للذكور والإناث بل إنها تعني عودة الشيء لأصله والفرع لجذره وأنها كل من آل إلى الشخص في دين أو مذهب أو نسب، وهم المؤمنون بالنبي كما في حال إبراهيم عليه السلام الذي يقول جل وعلا إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه، بل إن مؤدى الإصطفاء عقلاً ونقلاً بحسب رؤية الخشت إلى تمييز ذكور تلك العائلة فهل تذكر من إناث عائلة إبراهيم شيئاً سوى "سارة وهاجر" ومن عائلة عمران سوى "مريم وأمها" في حين أن ذكور عائلة إبراهيم سلسال كامل يبدأ به مروراً بإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وصولاً إلى النبي الهاشمي محمد، كما أن إمرأة فرعون ستبقى مثالاً للمرأة الصالحة في حين أن زوجها وجنوده من أهل الجحيم، ولعل فيما قاله قتاده فيما ذكره القرآن: "إنّ الله اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآلَ عمران على العالمين"، هما رجلان نبيَّان اصطفاهما الله على العالمين.
والحق أننا أمام نموذج يحترف صنعة الفلسفة لكنه ربما جانبه المراد الصحيح من ألفاظ القرآن فاتهم حقبا وذرية بعضها من بعض بأنها دلست على مراد الله خدمة لأهواء ذكورية وهو زعم باطل لا محالة، فالقرآن وسائر كتب السماء نزلت على ذكور دون إناث وهذا أمر ليست فيه نقيصة من المرأة كعنصر رئيس في مسألة الدعم والمؤازرة ولنا في السيدة خديجة بنت خويلد نموذجاً في الرسالة الخاتمة أو في السيدة مريم إبان بعثة المسيح، وإن دهشتي الكبرى في الإصرار على بيان درجة المساواة بين جنسين قد خُلقا مكملين لا متنازعين فحواء زوجة آدم كانت من ضلع داخله وليست مستقلة كخلقة آدم وهنا تجلت سمو العلاقة بينهما، وحينما وصف القرآن الزوجية جعلها سكن والمرأة بيت يحتضن صاحبه ويجد فيه من السكينة فعاش إلى وقت قريب في مودة قبل أن تهل علينا ملفات في ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب تدعى حقوق المرأة، فما أفادت النساء من نزولهن العمل وهل المساواة في جزاء العمل دليل على المساواة الكاملة فما بين توحيد جائزة التكليف وأداء المكلفين فرق شاسع وإلا كانت رحمة الله بالنساء في حالة الطمث تفضيل لها وتمييز على الرجل دون أن تكون مراعاة لطبيعتها الجسمانية.
أما عن قولتك بشأن مريم وأمها والوفاء بالنذر فهو محاولة تفسير "فيمنستي" بامتياز يخالف مدلول الآيات فما عهدته الأمم من تفضيل الذكور على الإناث لم يتوقف وهنالك مشاهد عديدة منها ما ذكر في عهد النبي ومنها ما تراه في صعيد مصر وقرى الشمال فالولد عندهم هو الذكر بما يحمله من قوة وسند، ولهذا كانت الجمل الاعتراضية "إني وضعتها أنثى"، "والله أعلم بما وضعت"، "وليس الذكر كالأنثى"، قبل أن تقول بمسمى الصغيرة المنذورة مريم، فما جاء من كتاب الله تأكيد على أن المرأة نذرت ما في بطنها وكانت تأمله ذكراً لكي يقوى على خدمة بيت المقدس، كما أنها لما تيقنت بالوضع أنها أنثى دعت المولى عز وجل بأن يحفظها وذريتها من الشيطان الرجيم وهو أمر يبرز قلق الأم على مولودتها. فبحسب الرواية الواردة في الكتب الأبوكريفية وتم اعتمادها في المسيحية الرسمية أيضاً فإن والدي العذراء كانا عجوزين لا أولاد لهما وأن أمها كانت عاقراً لا تنجب، الأمر الذي كان يعتبر عاراً في المجتمع اليهودي القديم ويجلب تعييرات المجتمع، إلى أن حدثت معجزة وجاءت مريم، فقدمتها للخدمة في هيكل سليمان ولها من العمر ثلاث سنوات، وأنه وفق شريعة اليهود ليس مسموحاً للنساء أن يخدمن في الهيكل حال تجاوز سن البلوغ 12 عاماً، ما جعل منها مكفولة لدى زكريا ومن بعده يوسف.
وختاماً ربما لم تكن موفقاً في تناولك واستشهادك بالنسبة لي فتجاوزت في شأن مفسري القرآن وادعيت أن تراثهم ذكوري طغى على بيان مراد القرآن وهو دعوة في باطنها امتداد لما يعرف بأزمة التراث العفن، لكني أدعوك للتروي والتدبر والبحث عن آيات ساوت بين النوعين فلن تضل في رحلة الوصول إلى مرادك فيمكنك أن تجد من بين آيات القوامة ما يسرك:" الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم"، "وللرجال عليهن درجة"، فحديث القرآن عن مسألة الذكر والأنثى ليست أهواءً تقال بقدر ما هي حكمة وطبيعة خِلقة قال في شأنها سبحانه: "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"، فلا ينبغي أن نقحم القرآن في تراهات ومحض أكاذيب لدغدغة مشاعر النساء بزعم حقوقهن فالمرأة التي لا ترى في الإسلام تكريماً وتشريفاً لم تبلغ في قراءتها بعد حدود طفلة الروضة، فالمسألة ليست مساواة وتفضيل مطلق فالله اختص الرجل بأمور واختص المرأة بأمور وساوى بينهما في أمور، كما أنني أحسن الظن بك فأقول ناصحاً لا تتعامل مع القرآن كتاب يقع في دائرة الكتب الفلسفية فالوحي منزه عن إدراكه بحواس البشر الناقصة.