السبت 23 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

هل تكون أوكرانيا مصيدة بوتين العنيد؟

الثلاثاء 01/مارس/2022 - 12:01 ص

أوكرانيا تائهة في فلك بوتين، وأمريكا تتراقص مبتهجة بجر موسكو إلى الحرب الأوكرانية لتكبيل اقتصادها، وشل حركتها بما لا يضر مع المصالح الأوروبية والأمريكية، إلا أن قيصر روسيا أثبت لنظيره عجوز البيت الأبيض بأنه ليس بالشخص السهل ليستمع إلى مطالب الغرب التي تملى إليه بأصوات مرتفعة من مناطق مختلفة في أوروبا الغربية أو من الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الأول للقارة العجوز، فرجل الـKGB المخضرم يرفض العودة لثكنته العسكرية، دون الحصول على مطامعه من أوروبا بشكل عام، وأوكرانيا خاصة.

عشرات الآلاف من جنود بوتين ينتشرون مُدججين بأسلحتهم في شوارع أوكرانيا - وسط محاولات على استحياء لدخول العاصمة كييف - فجميعنا يعلم أن بوتين إذا أراد دخول كييف سيدخل في غضون ساعات مدعومًا بترسانته العسكرية الثانية عالميًا؛ ولكن بوتين يريد من تلك المحاولات مراوغة أوروبا بجعلها في حالة تأهب عسكري دائم حتى الحصول على مطالبه من أوكرانيا، فمنذ دخول الجيش الروسي الذي كان يطلق عليه قديمًا الجيش الأحمر تحت راية الاتحاد السوفيتي، تقف أوروبا مجتمعة على قدم واحدة، واضعةً يدها العسكرية - المتمثلة في حلف الناتو - على الزناد بشكل دائم، في حين يرقد سيد الكرملين لا يبالي ويعلم ما يفعله.

روسيا بوتين تسير بخطى ثابتة في لعبة الشطرنج على الأراضي الأوروبية بإعلانها بدء الهجوم على أوكرانيا، وليس تأمين إقليم دونباس - كما قيل - فما هي إلا مسألة وقت لتصبح أوكرانيا بكامل أراضيها بيد قيصر الكرملين، الذي يتبين من حديثه أن هدفه بعد إسقاط كييف يتمثل في إقامة حكم جديد موالٍ لموسكو في أوكرانيا، وولادة قسرية لدولة جديدة تضاف لخارطة العالم تتكون من اتحاد جمهوريتي دونتيسك ولوغانسك - المعترف بهما من قبل بوتين - وهو ما يؤكد ضمانًا للأبد بعدم اقتراب الناتو من حدود موسكو.
كما يستخدم بوتين في حربه ورقة التهديد لأوروبا بأكملها باستخدام القوة التي يتمرس في لغتها ضابط الـKGB، ويبث تهديدًا آخر لدول أخرى يصفها الدب الروسي بأنها ترتمي في أحضان الغرب، قائلًا: «نحن ورثة الاتحاد السوفيتي وما زلنا أحد أقطاب العالم عسكريًا، ولنا مثل ما لكم من قوة لفرض مصالحنا».. فكما نرى السياسة والاقتصاد هما آخر هَمِّه، واسألوا العقوبات الغربية، إنْ كانت قد ردعت بوتين عن حربه.

أما أوروبا الغربية  - من خلفها الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة بايدن - تواصل مُجتمعةً فرض العقوبات الاقتصادية واحدةً تلو الأخرى؛ بهدف تكبيل الاقتصاد الروسي وشلِّ حركة موسكو بشكل كبير، مُعلنةً أن دول الناتو ليست أوكرانيا، وأن دول الحلف عصيةٌ على روسيا، وقد يُكلف جنون بوتين بدخول إحداها - دول حلف الناتو- حربًا عالمية ثالثة، وهو خيار مطروح على الطاولة، حال وسعت موسكو قائمة أهدافها.
في شرق المعمورة نجد حلفاء روسيا فَرحينَ بخطوات بوتين العسكرية في أوكرانيا، فالصين تظهر عقلانية لأول مرة وتدعم حليفتها روسيا دون استفزاز الغرب، وطهران تتشفى بالغرب الذي يعذبها منذ سنين، وكوريا الشمالية تتمنى الانضمام للحرب لتجربة أسلحتها الفتاكة، وعلى الجانب الآخر نجد تركيا تنحاز لأوكرانيا من باب الانتقام لانحياز روسيا لأرمينيا في حربها مع أذربيجان.
يبدو أن أوكرانيا مستمرة في ممارسة لعبة الصمود، وروسيا ماضية في تحقيق أهدافها، وفي الكواليس نجد فرحة أوروبية، فأوكرانيا ليست عضوًا في الناتو، وليست دولة قديمة في معسكرهم، فلا تعدو كونها شماعةً لفرض عقوبات قاسيةٍ على روسيا لتعطيل مشروع نهضة روسيا، وجعل موسكو مشغولة في حدودها الغربية عن باقي ساحات الصراع مع أوروبا وأمريكا، وفرصة أخرى لأمريكا جاءت بدخول روسيا إلى أوكرانيا، لإعادة فرض تصدير الغاز من حلفاء الناتو إلى الأوروبيين، وفي مقدمتهم - أي حلفاء الناتو- إسرائيل وغازها الطبيعي من شرق المتوسط.

بناءً على ما تقدم؛ تصبح أوكرانيا هي الضحية التي تم التضحية بها من قبل الجميع، وباتت كبش فداء لطموحات بوتين وذريعة الغرب لضرب اقتصاد الروس، وأصبح الأوكرانيون هم مَن يدفعون ثمن صراعات العالم كله بتهجيرهم وقتلهم، فموسكو ستبقى لفترة طويلة مشغولة في ترتيب الداخل الأوكراني، وتنسيق حدودها الغربية، في مواجهة انتشار الناتو المكثف في شرق أوروبا لأول مرة منذ سنوات كثيرة. 

غير أن واشنطن ستتمكن من التفرغ لصراعِها المتجدد مع الصين اقتصاديًا تارةً وعسكريًا في تايوان تارةً أخرى، تاركةً  بوتين مُنهمكًا في أراضي أوكرانيا؛ باحثًا عن مطالبِه الأمنية التي يسعى للحصول عليها، بينما تواصل أوكرانيا هي الأخرى المسير في فلك روسيا، لا تعلم مصيرها الذي لا تمتلكه قيادتها السياسية أو العسكرية.

تابع مواقعنا