مُحددات الحوار الوطني في مصر
إن الوحدة بلا تعدد خواء وموت، والتعدد بلا وحدة تناقض وتنافر، وإدراك ذلك يُحتم علينا أن نسمح بحرية الفكر وتعدد الآراء ووجهات النظر في حياتنا العامة، وفي ذات الوقت، نحافظ على اتفاقنا ووحدتنا حول أهداف وثوابت وطنية، لا خلاف حولها.
وبناء عليه، فإن دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي في حفل إفطار الأسرة المصرية، إلى إطلاق حوار سياسي مع كل القوى دون استثناء ولا تمييز ورفع مخرجاته إليه شخصيًا، هي دعوة عظيمة جديرة بالتقدير، لأنها تفتح الباب لتنوع وتعدد الأفكار والآراء بيننا، بما يُثري حياتنا الفكرية والسياسية، ويوحد ويقوي جبهتنا الداخلية.
كما أن دعوة الرئيس السيسي تفتح الباب لحوار وطني حول الماضي وأخطائه وتهديداته ومخاطره التي لا نُريد إعادة إنتاجها، وحول مكتسبات ومشكلات وتحديات الحاضر، وحول ملامح وأحلام المستقبل.
وكم أتمنى أن يتجنب المشتركون في هذا الحوار المنشود، الحديث من منظور شخصي وفكري واجتماعي وسياسي ضيق، وإثارة قضايا وأولويات غير ضرورية، تتسم بنخبوية شديدة، وبطابع نظري مثالي منفصل عن الواقع.
كما أتمنى أن يُدرك المشتركون في الحوار الفارق بين ما هو كائن في ملف حقوق الإنسان، وفتح المجال العام، وتجديد الفكر الديني، وتحديث المجتمع، ومحاربة الفساد، وبناء مؤسسات الدولة والاقتصاد، وتخفيف أعباء الإصلاح الاقتصادي على المصريين، وبين ما هو مثالي وينبغي أن يكون ونحلم به في تلك الملفات، وبين ما يمكن تحقيقه مما ينبغي أن يكون، في ضوء المرحلة التاريخية الني نمر بها، وفي ضوء الواقع والإمكانات والمعوقات والتحديات والتهديدات والمخاطر.
وهذا بتعبير آخر يعني إدراك الفارق بين المقاربة التنظيرية (الطرح النظري) لأي موضوع، والمقاربة التنفيذية (إمكانية العمل والتنفيذ والتطبيق)؛ حتى لا نظل ندور في فلك الكلام والطرح النظري فقط، دون امتلاك القدرة على تحقيق أي نتائج ملموسة على أرض الواقع.
ومن المُحددات الأخرى للحوار الوطني المنشود، ضرورة إدراك أطرافه لفكرة المراحل التاريخية، التي تمر بها المجتمعات والدول، وإدراك خطورة "حرق المراحل التاريخية" والرغبة في مجاراة مجتمعات ودول أخرى، وصلت لما هي عليه بعد عقود طويلة من التطور الاجتماعي والسياسي والثقافي والقانوني التدريجي.
وفصل المقال، إن هذا الحوار يجب أن يقوم في تصوري على ثلاث قواعد أساسية.
القاعدة الأولى: التفرقة بين (المقاربة التنظيرية) و(المقاربة التنفيذية) في كل ما يُقال ويُطرح من آراء وأفكار.
القاعدة الثانية: أن يكون هناك تعريف واضح لموضوعات الحوار، وتحديد لأبعادها وجوانبها، حتى نمنع الالتباس والخلط مع موضوعات أخرى، وحتى نضمن أن يكون الحوار في جوهر الموضوع.
القاعدة الثالثة: أن يكون هناك تحديد للهدف المنشود من الطرح النظري للموضوع، وأن يكون لدى المتحدث - وهذا هو الأهم - القدرة على إعطاء علامات على الطريق، أو تحديد الأساليب والوسائل (الواقعية) التي تمكننا من الوصول للهدف المنشود.