ثمن السعادة
● البنوتة الأمريكية "مارشا أرونز" وحيدة أبوها وأمها.. والدها اتوفى وهي عندها 8 سنين بس هي عمرها ما هتقدر تنسى يوم وفاته!.. في نفس اليوم اللي مات فيه خد مراته وبنته وراح عشان يشتري للبنت لبس جديد.. البنت شافت في الفاترينة فستان أبيض قصير ومنفوش من تحت وعليه رسومات ورد كتيرة كان عاجبها.. قالت عايزاه.. دخلوا المحل وقاست الفستان في البروفة لقيته واسع عليها قوي عشان جسمها لسه صغير.. ساعتها كانت زعلانة لإن مافيش فساتين تانية عجبتها.. أبوها حب يصالحها فجابلها آيس كريم ووداها هي وأمها السيرك وقضوا يوم لطيف.. روحوا البيت.. الأب جاله أزمة قلبية فمات!.. عمرها ما قدرت تنسى حنية أبوها معاها اليوم ده اللي بقى أحلى ذكرى تفتكره بيها.. عاشت هي وأمها وكانت الأم بتحاول تبقى أم وأب في وقت واحد.. لما البنت وصل سنها لـ 12 سنة بقت كل يوم الساعة 8 صباحًا تُفاجأ بوردة بيضا جاية باسمها لحد باب البيت جايبها مندوب من محل الورود اللي على أول الشارع!.. فشلت كل محاولات "مارشا" عشان تعرف شخصية اللي بيبعت الوردة اليومية دي وحتى لما سألت في المحل ماعرفتش مين اللي بيبعتها لإن ثمنها كان بيتدفع عن طريق حوالة!.. بدأت دماغها وبسبب الفضول الأنثوي اللذيذ تشتغل وتفكر.. مين اللي بيبعت الوردة؟.. بطبعها "مارشا" كانت شخصية لطيفة جدًا وبتحب غيرها ودايمًا حنينة عليهم، وهوايتها الأساسية إنها توزع سعادة على الناس، عشان كده لما جت تحصر قايمة الناس اللي هي شاكّة فيهم عشان تخمن هو مين منهم تاهت كتير جدًا.. ممكن يكون زميلها الشاب الوسيم اللي معاها في المدرسة بيحبها بس مكسوف يعبر لها عن حبه؛ خصوصًا إنها الوحيدة اللي كانت بتشجعه وهو بيلعب سلة في ماتشات مدرستهم!.. ممكن تكون جارتها اللي دايمًا لما بترجع من السوق وعربيتها مليانة بالطلبات اللي اشترتها كانت "مارشا" لما تشوفها من البلكونة تنزل جري عشان تساعدها في نقل أكياس الطلبات من العربية للبيت!.. ممكن يكون الراجل العجوز اللي ساكن على أول الشارع واللي كانت متعودة في الشتا تروح تطلع له الجوابات اللي موجودة في صندوق البريد الخارجي في مدخل بيته لحد شقته فوق عشان تخلّيه مايخرجش في عز البرد!.. ممكن كمان يكون صاحب الكلب اللي هي أنقذته لما شافته واقع على الأرض في نصف الشارع رجله مكسورة وشالته وراحت بيه على العيادة البيطرية ولما صاحبه رجع من الشغل كانت نظرات العرفان بالجميل ليها مالية عيونه!.. ممكن يطلع أي حد من ضمن ناس كتير جدًا شملتهم القايمة كانت هي في غاية الحنيّة وتوزيع السعادة معاهم.. لما طلبت من أمها تفكر معاها؛ أمها قالتلها: (وبعد ما تعرفيه يعني هتعملي إيه! استمتعي بهديته وماتشتغليش بالك، أكيد هو شخص بيرد لك الجميل لإنك إديتيله سعادة في وقت من الأوقات).. البنت مشيت بنصيحة أمها وبدأت تنسى تدريجيًا موضوع البحث عن صاحب الوردة واكتفت بالانبساط اليومي اللي بتحس بيه لما تستلمها.. الحقيقة إن زى ما "مارشا" كانت حنينة على الناس؛ أم "مارشا" كانت هي كمان من أسباب ورث البنت للطبع الحلو ده.. في يوم كانت مروحة من المدرسة زعلانة عشان صاحبتها زعلتها ونامت معيطة؛ صحيت من النوم لقت أمها كاتبالها بالروج الأحمر على مراية التسريحة بتاعت الأوضة: (لا تحزني وأنا أحبك)؛ مش ده الغريب لكن الغريب إنها ماكنتش حاكية لأمها بس أمها حست بيها!.. في مرة برضه وصباح يوم عيد ميلادها صحيت لقت أمها حاطالها بالمناسبة دي على كنبة الأوضة بتاعتها الفستان الأبيض القصير المنفوش إياه اللي كانت شافته ونفسها فيها زمان خصوصًا إن دلوقتي جسمها بقى أكبر والفستان يليق عليه!.. أمها ما نسيتش موضوع الفستان!.. والدة "مارشا" اتوفت في بداية يناير 2010؛ وهو نفس التاريخ اللي توقف فيه إرسال الوردة البيضا اليومية!.. بس "مارشا" ما بطلتش توزع حنيّة ولا سعادة على الناس.
● فيه معادلة حياتية بسيطة، سهلة، وعادلة بتقول إن السعادة دايمًا ثمنها سعادة.. توزيع الفرحة على غيرك أو إنك تكون الجزء الحلو في يومهم هي حاجة رجعوها ليك أكيد سواء من نفس الشخص أو من غيره.. مفيش حد بيراعي شعور الناس وبيكون حريص على سعادتهم؛ بيرجع بإيده فاضية.. حتى لما الدنيا بتسحب كل واحد فينا في الدوامة اللانهائية بتاعتها وسط المشاغل والمسؤوليات برضه بيبقى عندنا فرصة نسعد اللي في محيط دايرتنا القريبة ولو بـ ضحكة، أو خروجة، أو كلمة طيبة، أو حتى بإنك تسمعهم.. صحيح إنك كتير هتقابل النوع القاسي اللي مشاعره جامدة ومايفرقش معاه غيره ولا تعامله معاهم شكله إزاى؛ بس اللي دايمًا بيكسب في النهاية هو اللي بيقرر يكون له دور في انبساط غيره بشكل أو بآخر.