السبت 30 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

أحمد عبد العزيز صالح: لا أفرض وجهة نظري على شخصيات رواياتي.. وحين الكتابة تصير الفكرة نداهة أسير خلفها حتى النهاية | حوار

أحمد عبد العزيز صالح
ثقافة
أحمد عبد العزيز صالح
الإثنين 13/يونيو/2022 - 07:54 م

ينتمي لجيل الشباب من الكتاب، تميزت أعمال الروائي أحمد عبد العزيز صالح بتناولها الجوانب الإنسانية المتشابكة ما بين العاطفة والحالة النفسية والمزاج والشخصية والتوجه والدافعية. 

كم هو رائع هذا الأدب الواقعي الذي يُبنى على قصص حقيقية ممزوجة بشخوص خيالية يبتدعها الكاتب، لقد نجح في فترة قصيرة جدا في ترك بصمات واضحة في خارطة الأدب العربي برواياته التي حازت على إعجاب قرائها. 

أسماء كبيرة وهي معروفة للقارئ العربي، تركت بصمات واضحة في خارطة الأدب العربي، وها هو اسم آخر ينضم إلى الرواية والقصة القصيرة، تاركًا في الأدب المصري نكهة خاصة. 

من يقرأ أحمد، هذا الأديب الشاب الذي يعمل في عالم جماليات الصورة كمدير تصوير بالتليفزيون المصري يعيش داخل تابلوه مكتمل الجمال في رواياته، يتنوع بين أسلوب بسيط وسرد سلس ينساب بعذوبة حتى أنك لن تتوقف عن قراءته، صدرت له رواية تل اليهودية عام 2012، ورواية بير سكران عام 2019، ومجموعة قصصية عام 2016 حملت اسم ديك سعاد.

روايات أحمد عبد العزيز صالح

التقينا به وأحببنا أن نعرفه للقارئ العربي من خلال هذا الحوار للحديث عن رواياته وعن رؤيته لحال الثقافة والمثقفين  فإلى نصه. 

-عرفنا بنفسك وعن كيفية اكتشاف موهبة الكتابة لديك؟

أحمد عبد العزيز صالح من مواليد 1979، وتخرجت في كلية الفنون التطبيقية عام 2002، اكتشاف الموهبة كان منذ زمن طويل، لكني أعترف بأني تأخرت كثيرا في خطوتي الأولى لنشر أعمالي. 

- بمن تأثرت من كتاب عرب أو أجانب؟ وهل تأثرت بمهنتك كمدير تصوير يعلم تماما كيف تكتمل الصورة في إطار جمالي محدد؟ 

تأثرت بكل من قرأت لهم بلا استثناء ولكني متيم وبشدة بالأديب الكبير نجيب محفوظ، وبالتأكيد تأثرت في كتاباتي بمهنتي كمدير تصوير وبكل مشاهداتي المهنية وغيرها على مدار عمرى، ومما لا شك فيه أن الطبيعة الخاصة لمهنتي أضافت لي الكثير وبفضلها تعلمت رؤية الأمور من زوايا مختلفة. 

-في ظل كل هذا الزخم من المدونات الإلكترونية وحرية الكتابة للجميع ما فائدة الكتابة، ما جدواها، ما هو موقع الأدب في فعل التغيير؟

المدونات تقدم كل شيء وعلى القارئ اختيار ما يروقه ويتذوق بنفسه ويترك ما يراه غير لائق أو غير مفيد، وحرية الكتابة للجميع صنعت بالتأكيد حالة تنافسية أكبر وأقوى، وكانت مفيدة لنا جميعا ككتاب، قرأنا لأدباء كثر كان من السهل والممكن أن يمروا دون أن يشعر بوجودهم أحد؛ لذلك تعد المدونات والمنصات الشخصية وسيلة مهمة لاكتشاف مواهب عديدة لا تجد لها منصات نشر، أما عن أهمية الأدب كوسيلة للتغيير فهو من المسلمات قرأنا وشاهدنا بأعيننا قصائد الشعر المدونة على جدران المعابد ونعلم مدى قدرتها على إحداث التغيير وترك أثر واضح في العقول والقلوب حتى يومنا هذا. 

أحمد عبد العزيز صالح

-لا أظن أن هناك أدبا ينفصل عن حياة الإنسان بشكل نهائي، هل كل ما تكتبه يحمل شيئا منك ملامحك، صورتك، رغباتك، وهل لتجاربك الشخصية انعكاس على أدبك والى أي حد؟

مؤكد بأن الأعمال الأدبية تحمل قدرًا من روح كاتبها وبالتأكيد من أفكاره ورؤياه، لكنى أراعي دائمًا ألا أفرض وجهات نظري الشخصية على شخصيات أعمالي، وأفضل أن أصدقها وأجعلها تتحدث وتعبر عن نفسها، وتجاربي الشخصية مكنتني من الاحتفاظ بداخل عقلي بعدد كبير من الشخصيات أصحاب السمات الخاصة التي تساعدني كثيرًا في بناء عمل به تعدد في شخوصه وسلوكهم وأفكارهم. 

ـ شخصيات إبداعاتك من أين تأخذها. من الحياة الحقيقية، أم من الخيال؟ هل من السهل تحويل الأشخاص الحقيقيين إلى شخصيات روائية وقصصية؟

لا توجد قاعدة ثابتة في ذلك تتبلور الفكرة بعقلي أولًا، ثم تنطلق الشخصيات وتحدد سماتها وفق تلك الفكرة بالشكل الذى يسهلها ويوضحها للقارئ، أحيانًا يحدث ذلك وتقفز لعقلي شخصية حقيقية أجدها متوافقة مع إحدى شخصيات الرواية، لكنها بالتأكيد تتشابه فقط ولا تطابق بشكل كامل. 

-كتاباتك الأولى هل كانت ديك سعاد كمجموعة قصصية أم أن لك تجارب سابقة لم تر النور حتى الآن؟

مجموعة ديك سعاد هي أول عمل منشور، لكنها ليست أول أعمالي، فقد سبقها عشرات السيناريوهات والقصص القصيرة تأخر ظهورها حتى الآن لأسباب كثيرة، ولدى بالفعل روايتان مكتملتان لم تريا النور بعدُ رغم الانتهاء منهما منذ وقت طويل، لكني سأنشرهما في الوقت المناسب. 

 

-هل أنت مع النهايات المفتوحة للقصص أم أنك مع النهايات التقليدية أو المتوقعة؟

لا أميل للقوالب التقليدية بشكل عام، وفى رواية تل اليهودية على وجه التحديد، تعمدت ترك النهايات كلها مفتوحة بسبب حساسية الفكرة، ورغبتي في ترك الرأي الأخير للقارئ وجعله مشاركا في القرار. 

-من يستطيع أن يقول عن الكاتب إنه موهوب، الناقد أم القارئ أم الزمن؟

الناقد يعطى الرأي والوصف والتقييم الاحترافي للكاتب وفق القواعد، أما القارئ فهو يعطي للكاتب ما يسعده ويبهجه، ويعطيه الرغبة والعزيمة على الاستمرار في الكتابة، والزمن لا يحدد مقدار الموهبة بقدر ما يحدد قدرة الكاتب على العطاء وتنوع الخلق والإبداع. 

-في روايتك الأولى بير سكران هل تحدثت بالفعل عن أحداث حقيقية وقعت إبان فترة الاحتلال الإنجليزي والجهاد في مطروح؟.. حدثنا عن ذلك؟ 

أحداث مطروح وجهاد أهلها قبل ثورة 1919 هي أحداث حقيقية بالكامل وذكرتها بالأسماء الحقيقية للشخصيات في صفحات الرواية، من المؤسف أنني وجدت هذا التاريخ العظيم والمشرف مجهول لدى القاعدة العريضة من الناس رغم أهميته ودوره الهام في إعطاء شرارة انطلاق سعد زغلول ورفاقه، الرواية في أصلها تتحدث عن بعد إنساني هام حول هؤلاء اليائسين الماضين في حياتهم بلا رغبة أو هدف، وكيف أنهم من الممكن أن يتحولوا لأشخاص أكثر فاعلية وتأثير، ومن حُسن حظى أنني استطعت دمج هذا التاريخ المنسي ونسجه بأحداث الرواية. 

رواية أحمد عبد العزيز صالح

ـ كيف على الكاتب أن يطور أدواته التعبيرية وطاقاته الفكرية وهل الموهبة وحدها كافية ليكون الكاتب مبدعا حقيقيا؟

لكل كاتب طريقته في تطوير نفسه وأدواته، ولا يمكن لكاتب أن يفعلها دون قراءة ومتابعة ودراسة لمن سبقوه ومن يقفون بجواره وأمامه، والموهبة الحقيقية تُمكّن الكاتب من صياغة أعماله بطريقة محببة وجاذبة للقارئ، لكنها وحدها لا تكفى كي يستمر ويبدع ويجدد لو أنه انفصل عن واقعه وعن كل ما يدور حوله من أحداث وتغيرات قوية وملحوظة في السلوك البشرى. 

- هل الرواية أو القصة قادرة على أن تكون أداة تحريضية ضد القمع السياسي والاجتماعي والروحي أي ضد كل ما يشوه تكامل إنسانية الإنسان؟

حدث ذلك مئات المرات بالفعل من خلال كتابات ما زالت وستظل باقية وصالحة لكل الأزمنة، لكني وبشكل شخصي لا أعتبرها هي السبب وحدها كي أقرر البدء في كتابة عمل جديد، أتعامل وفق منهجي الخاص لأقدم عملا أدبيا له بنيان واضح وشخصيات لها ملامح مقروءة وأحداث تُفرق بين الخير والشر والخطأ والصواب، دون ادعاء للمثالية أو توجيه مباشر وسخيف للقارئ. 

-تناولت في رواياتك الثانية تل اليهودية منطقة حساسة تخص إرث اليهود في مصر وهي كنز النبي سليمان القابع بمنطقة تل اليهودية بشبين القناطر المصرية، ألم تساورك المخاوف حول الحديث عن هذا الجانب الشائك؟.. حدثنا أكثر. 

شبين القناطر هي مدينتي ومدينة أجدادي ولا أستطيع وصف سعادتي عندما انتهيت من الرواية ونشرها، واعتبرت نفسي شخصًا محظوظًا وأنا ابن هذه المدينة العريقة وعلى دراية بقصة أرض تل اليهودية، وكانت من أهم المصاعب التي واجهتها انني لم أكن أملك سوى الحكايات الشعبية التي سمعتها لسنوات على ألسنة الناس وكان على البحث بشكل علمي وصارم عن أصل تلك الأرض، وحالفني الحظ أن وجدت رسائل دكتوراه تتحدث عن تاريخ وتفاصيل انتقال أونياس الرابع وقومه إلى مصر 145 ق.م. 

رواية تل اليهودية

عملية التوثيق وجمع المعلومات التاريخية الصحيحة أخذت منى وقت طويل حتى وصلت للنقطة التي مكنتني من إخاذ القرار والبدء في الكتابة؟ 

أعترف بأنني كنت أتردد كثيرا وشعرت بالخوف من رد الفعل وأنا أقص بداخل الرواية معلومات تكاد تكون مجهولة لدي الكثيرين حول نقل محتويات "الهيكل" بالكامل في هذا الوقت وبناء هيكل جديد واستمرار وجوده بأرض مصر لأكثر من ثلاثة قرون، لكني لم أكتب من أجل توثيق التاريخ فقط، الرواية تدور في ثلاث أزمنة مختلفة وبناؤها الأساسي يتحدث عن كيف تتحول الحقائق إلى خرافة وأساطير حتى يتمكن منها الدجل والشعوذة وتتحول مع الزمن إلى خرافات وخزعبلات يصدقها ويلجأ إليها البسطاء لحل جميع مشكلاتهم. 

ـ أين تكمن روعة القصة الناجحة بكل المقاييس في غرابة أحداثها؟ أم في براعة التركيب والقدرة على التحليل؟ أم في إثارة القارئ وتحفيزه ام ماذا؟ 

لا أعتقد أنه توجد قاعدة إلزامية لنجاح أي عمل أدبى، فالعمل الناجح له عناصر تمكنه من هذا النجاح وأي تقصير أو ضعف فيها يؤثر بالطبع على اكتمال العمل وتركه اثر لدى القارئ. 

-من واقع معايشتك وقراءتك للواقع، كيف ترى حال الثقافة العربية حاليا وكيف ينظر إليها في الغرب؟

الثقافة العربية جزء رئيس من ثقافة العالم ككل، ونحن أول من كتب القصائد ودوّن القصص على جدران المعابد والبرديات. 

نظرة الغرب للثقافة مثل نظرتنا لما يقدمونه؟

العمل الناجح المكتمل يتم ترجمته من العربية للأجنبية والعكس، حتى تلك الأعمال شديدة الخصوصية والغارقة في تفاصيل شعبية محلية، تجد لها مكانة كبيرة عند الغرب إذا كانت تحمل تميزا وإبداعا حقيقيا مثل أعمال نجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهما. 

ـ ما الذي يدعوك إلى الكتابة والإبداع الكامن في أعماقك؟ أهي إرادتك الواعية أم الإنسان من حولك هو الذي يملي عليك ويجبرك على الكتابة؟

الكتابة بالأساس متعة كبيرة لمن يمارسها، لا يتوقف عقله عن التخيل والتفكير وتمر أمامه كل المواقف والمشاهد كأنها جزء من نص مكتوب. 

الفكرة هي من تحركني وتجبرني على الإنصات لها والبدء في الكتابة، أتعارك معها بحماس، إما أن أغلبها وأتهمها بالنمطية والتكرار وأطردها من عقلي أو تهزمني من فرط قوتها وأستسلم لها وأبدأ في كتابة عمل جديد، وأنا من هؤلاء المتوترين الذين يسقطون بكل كيانهم في بئر فكرتهم طوال فترة الكتابة وتصبح بالنسبة لي نداهة أسير خلفها حتى النهاية. 

مجموعة روايات أحمد عبد العزيز صالح

ماذا عن أعمالك الأدبية المقبلة؟ 

أحضر الآن لرواية جديدة في قالب اجتماعي وإنساني مختلف بعنوان كفر أبو طيب، أتمنى أن تنال استحسان القراء، ستشارك بإذن الله بمعرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام.

ـ لا شيء يبقى غير الكلمات يا أستاذ أحمد فكل إنسان زائل ولا يبقى منه غير كلماته، ماذا تريد أن تقول لك حرية الكلام؟

قبل اتخاذ قراري الأول لنشر أعمالي، كنت أسير لفكرة واحدة وهي رغبتي في التواصل مع أحفاد أحفادي، هل سأكون مجرد اسم خامس أو سادس في بطاقتهم الشخصية لا يعرفون عنى شيء ولم أترك لهم شيء يتذكروني به؟، لذلك قررت الكتابة وترك كتاباتي كرسائل لهم تصنع هذا الجسر من التواصل بيني وبينهم. 

تعلمت القص والحكي من جدتي وكانت بارعة في الارتجال ونسج القصص والحكايات وكنا نجلس حولها منصتين مأخوذين لعالم آخر كأننا جزء من حكايتها، أمي كانت أول من أخذ بيدي واشترت لي الكتب والقصص ولم تتأخر يومًا عن تشجيعي، وكانت تفرح كثيرًا كلما كتبت قصة صغيرة بشكل طفولي، وكانت تحثني على الاستمرار في الكتابة، وقرأت الروايات في سن صغيرة، وكانت دائمًا بداخلي رغبة قوية أن أصبح قاص وراوي يومًا مًا، أن تجد أحدهم يقرأ لك ويتأثر ويتفاعل مع كتاباتك، أمر بالغ الروعة لا يضاهيه شيء على الإطلاق من وجهة نظري، والكتابة من وجهة نظري تشبه نداء بصوت صادق من الأعماق يحدث في غرفة مغلقة ويتردد صداه في الدنيا كلها من بعدها لسنوات وسنوات.

تابع مواقعنا