بـ خطوات متشابكة.. أمريكا تُنهك روسيا والصين بنزاعات حدودية لـ إفقادهما موازين القوى العالمية
بتحركات أمريكية مُتشابكة، منذ تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة، متزعمًا الحزب الديمقراطي، خلفًا لسابقه دونالد ترامب الجمهوري؛ مثّلت واشنطن حجر الزاوية في العديد من التواترات التي باتت تؤرق العالم اقتصاديًا، وتجعله في حالة استعداد مستمر لأي انفجار عسكري محتمل بين واشنطن والقوى العظمى المنافسة لها والمتمثلة في الصين وحليفتها روسيا.
منذ وصول جو بايدن إلى سُدة الحكم في البيت الأبيض؛ شهدت السياسة الأمريكية تغيرات تجاه كل من التنين الصيني الساعي للزعامة الاقتصادية عالميًا والمنافسة عسكريًا مع كل من روسيا وأمريكا على عرش القوى العسكرية، إلى جانب تغيرات أخرى تجاه الدب الروسي الطامح إلى إلغاء سيطرة أمريكا عالميًا، وإنهاء ما وصفته موسكو بنظام «القطب الواحد» في المجتمع الدولي العالمي، بالعمل على العودة للصراعات القديمة المتجددة والمتاخمة لحدود كلا الدولتين، وهو ما وصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمة له قبل دخول قواته إلى أوكرانيا، بأن واشنطن تجر روسيا إلى حرب، بهدف فرض عقوبات عليها وتكبيلها اقتصاديا ودوليًا، وذلك عبر تاجهلها للمطالب الأمينة المقدمة من موسكو، قبيل اندلاع الحرب.
ومع حشد بوتين لـ أعداد من جيش أحفاد القياصرة، وتوجههم إلى الحدود الأوكرانية، مطلع العام الجاري؛ دأبت الولايات المتحدة الأمريكية، على تأكيد عدم ترك أوكرانيا مُنفردة أمام الدب الروسي، مُعلنة على لسان سيد البيت الأبيض جو بايدن؛ إرسال قوات لها إلى الدول المتاخمة لروسيا وأوكرانيا -دول أعضاء بحلف الناتو- مُتبعة في ذلك؛ سياسة التهديد والوعيد، حال إقدام موسكو على دخول الأراضي الأوكرانية.
التهديد العسكري
خطوات أمريكا تجاه روسيا لم تتوقف عند التهديد العسكري فقط، بل وصلت إلى تأمين احتياطات الغاز الطبيعي لـ أوروبا كحل بديل عن غاز بروم الروسي، ليدخل زعماء الغرب، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء البريطاني المستقيل بوريس جونسون على خط التهديدات تجاه روسيا، بجانب الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون، والمستشارة الأمريكية السابقة أنجيلا ميركل، والحالي أولاف شولتس، حيث تأخذ أصواتهم في الارتفاع بالتهديد والوعيد، لشن حرب معادية حال دخول روسيا إلى أوكرانيا حين ذاك.
ومع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ الاعتراف بجمهوريتي دوينيتسك ولوهانسك الانفصاليتين بإقليم دونباس الأوكراني؛ سارعت الولايات المتحدة الأمريكية، وخلفها الدول الأوروبية وحلفاؤها من مختلف أنحاء العالم إلى فرض عقوبات اقتصادية قاسية على موسكو، كرد فعل على الاعتراف بالجمهوريتين.
عقوبات الغرب ونظام سويفت
عقوبات الغرب، طالت قطاع النفط الروسي، وهو ما يمثل شريان الحياة للقارة الأوروبية، إضافة إلى قطاع الذهب، ورجال الأعمال الروس والمقربين من بوتين.
ولم تكتف واشنطن بفرض عقوبات على موسكو، بل سارعت إلى طردها من نظام سويفت، وهو نظام تمكين المؤسسات المالية في جميع أنحاء العالم، بإرسال واستقبال المعلومات حول المعاملات في بيئة آمنة وموحدة وموثوقة، بهدف إدخال روسيا في عُزلة اقتصادية عالمية؛ تهدد استمرار اقتصادها وتهدد بـ انهيارها.
بداية الحرب الروسية
ليس هذا فحسب، فبعد أيام قليلة من اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية؛ أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، تمركزها على الحدود المتاخمة لـ أوكرانيا، وخاصة في دولة بولندا، دون الدخول إلى أراضي كييف، معلنة تأمين ذاتها أولًا قبل أوكرانيا؛ التي قد أصبحت مسرحًا للعمليات العسكرية والسياسية في الصراع على قيادة المجتمع الدولي.
قمة جدة
كما أن أمريكا لم تتوقف في صراعها مع روسيا بشأن حربها في أوكرانيا، بل توجهت إلى منافستها عبر حلفائها، لا سيما في أعقاب زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط، التي باتت على علاقات وثيقة بـ موسكو، أملًا في إعادة نفوذ واشنطن للمنطقة، قائلا في مؤتمر صحفي له من مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، إن بلاده لن تترك فراغًا بالمنطقة يشغله كلا من الصين وروسيا، وأن سياسة بلاده لن تسمح لإيران الحليفة لروسيا والصين، بالحصول على سلاح نووي.
وخلال تواجده في المملكة العربية السعودية، عقد بايدن؛ قمة أمريكية خليجية بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، قبيل أيام من قمة في العاصمة الإيرانية طهران بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيريه الإياني والتركي، وصفتها صُحف غربية بأنها جاءت ردًا على قِمة جدة.
استقلال تايوان عن الصين
ومع عودة بايدن إلى البيت الأبيض؛ زادت الولايات المتحدة الأمريكية من الضغط على أشد حلفاء روسيا – ممثلة في الصين، في مسعى لإنهاك الدب الروسي والتنين الصيني في صراعات حدودية، ومنافسة الأخيرة على صدارة الاقتصاد الدولي، والسيادة العسكرية، بالحديث الدائم عن دعمها لاستقلال جزيرة تايوان وتأكيد استقلاليتها؛ التي تمثل واحدة من أكثر الملفات الشائكة في السياسة الصينية.
تأكيد الولايات المتحدة لـ استقلالية تايوان؛ مثّلت مصدر استفزاز صيني؛ اتضح جليًا في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، ورئيسه جو بايدن عن الجزيرة، إلا أن تلك التصريحات لم تتعد كونها سياسية؛ يتم مقابلتها بمثيلتها من الجانب الصيني، وهو ما حدث خلال الاتصال الهاتفي الأخير بين رئيسي البلدين، والذي وجّه خلال الرئيس الصيني؛ تهديدًا مباشرًا لنظيره الأمريكي، قائلا: من يلعب بالنار ستحرقه، في إشارة واضحة منه إلى الدعم الأمريكي المتزايد لاستقلال تايوان.
لكن ما زاد من تأجيج التوترات التي وصلت حد التلويح العسكري المباشر من بكين تجاه واشنطن؛ هي زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان، ضاربة بالتهديدات الصينية بشأن خُطورة تلك الزيارة.
الصين ترد على واشنطن بمناورة عسكرية
الصين من جانبها؛ لم تقف مكتوفة الأيدي، وأعلنت بدء مناورات عسكرية - هي الأضخم بالذخيرة الحية في محيط تايوان، تضمنت إطلاق صواريخ بالستية، ومشاركة للقوات الجوية عقب ساعات من مغادرة بيلوسي لتايبيه، مضيفة على لسان متحدثة خارجيتها، أن صمت بكين عن التهور الأمريكي في المنطقة؛ يعني قبولها أيّ تعدٍّ على أراضيها، مُحذرة أن بلادها لن تقبل باستغلال واشنطن؛ قضية تايوان كورقة سياسية داخلية، مشيرة إلى أن واشنطن تعتمد معايير مزدوجة في سياستها الخارجية.
رد أمريكي في بحر الفلبين
المناورات العسكرية الصينية، دفعت الولايات المتحدة الأمريكية، إلى إعلان تنفيذ حاملة الطائرات يو إس إس رونالد ريجان؛ عمليات مجدولة في بحر الفلبين بغرب المحيط الهادئ، على امتداد 5.7 مليون كيلومتر مربع من المحيط، يشمل المياه الواقعة جنوب شرق تايوان، حسب رويترز.
وفي الوقت الذي تسعى واشنطن إلى إنهاك موسكو وبكين في صراعات حدودية، سارعت نانسي بيلوسي، رئيسة النواب الأمريكي، بإيعاز من رئيس البيت الأبيض إلى التوجه لـ كوريا الجنوبية – حليفة الولايات المتحدة الأمريكية، معلنة من العاصمة الجنوبية سول، أنها ستعمل على تحقيق نزع السلاح النووي من جارتها الشمالية - حليفة موسكو وبكين، والتي باتت أيضًا واحدة من الخصوم الرئيسيين لواشنطن، بعدما امتلكت سلاحها النووي، إذ دأب رئيسها كيم جونج أون على تهديد زعيم البيت الأبيض مرات عدة، بإمكانية قصف أمريكا حال إضرارها بمصالح بلاده.
تحركات بيلوسي الأخيرة في رحلتها الآسيوية؛ تسببت في الضغط على الصين بتايوان، وإثارة أشد حلفائها المتمثلة في كوريا الشمالية بإعلان عزمها زيارة المنطقة الفاصلة من كوريا الشمالية، صديقة موسكو وبكين، وهو ما يُشير إلى اندلاع أزمة بين الكوريتين، اللتين تعد أحدهما أهم أصدقاء واشنطن في مواجهة الدب الروسي، منذ اندلاع الحرب مع أوكرانيا، كما تقف رِفقة البيت الأبيض في كبح جِماح التنين الصيني - حليف موسكو.
و يبدو أن واشنطن، تتعمد الدخول في صدام مع روسيا -التي فرضت عليها عقوبات مُكثفة جراء حرب أوكرانيا من جهة، والصين من بوابة حلفائهما في كوريا الشمالية وإيران المتاخمين لحدود كل منهما، لإرغامهما على الابتعاد عن المنافسة الشرسة على قيادة العالم عسكريًا واقتصاديًا.