الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

السيئ في رواية أحدهم

الجمعة 02/سبتمبر/2022 - 04:58 م

من حوالي 3 سنين ونص، كانت الشابة الكورية "سومين"، بتستعد عشان تسافر لأول مرة، من مدينة سول في كوريا الجنوبية، لـ مدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، الحقيقة إن دي مش أول مرة “سومين” تسافر فيها بطيارة، لكنها كانت أول مرة تركب طيارة مع شريك.. وهو ابنها "جوناو"، الطفل اللي عنده 4 شهور بس، “سومين” شخصية عملية، وحياتها مغموسة في الشغل عدد مش قليل من ساعات اليوم، وده بسبب إنها كبرت، وهي معتمدة على نفسها بشكل كُلي، بقى فيه حالة من العشق بينها وبين الشغل، حتى لما اتجوزت؛ كملت في اللي هي متعودة عليه من صغرها عادي جدا، ولا اعتمدت إنها بقت مسؤولة من راجل ولا غيره، لأ هو أخدني وأنا بشتغل، وأنا هفضل مكملة بشتغل بنفس الحماس والقوة، كإني عايشة بطولي.

طبعا وبدون تفكير، لازم نتيجة الشغل المكثف ده، تكون ترقيات كتير ومتتابعة برضو، كانت بسبب شغلها بإخلاص؛ بتترقي بسرعة لا تتناسب مع سنين عمرها اللي لسه ماتجاوزتش الـ 30 سنة.. الفكرة وإنها بعد ما خلِّفت ابنها "جوناو"، ومن تاني أسبوع على الولادة مباشرة، كانت بتنزل الشغل برضو!.. يا بنتي طب ريَّحي شهر ولا اتنين!.. لأ.. طب هتعملي إيه في العيل اللي لسه حتة لحمة حمرا ده؟.. هاخده معايا الشغل!.. وفعلًا حصل، وبقى من المشاهد التقليدية العادية، إنك تشوف الست "سومين" وهي شايلة الأخ "جوناو" على كتفها وبتشتغل!.

الغريب في الموضوع، إن القصة دي ما أثَّرِتْش لا على مستوى تركيز ولا دقة شغل "سومين"، بالعكس، دي زادت أكتر كمان.. يمكن بس التفصيلة الوحيدة اللي كانت مضايقاها هي إن ابنها وهما في الطريق للشغل، أو راجعين منه؛ كان بيزنّ وبيعيَّط زي أي طفل رضيع، وده كان بيسبِّب إزعاج لا محدود لكل الركاب اللي معاها في المترو أو الأتوبيس!.. نظرات الناس اللي متضايقة من صوت "جوناو"، كانت بتضايق "سومين"، وبتحسسها بالذنب، وبتتمنى لو الأرض تبلعها في الدقايق بتاعت المسافة من الشغل للبيت أو العكس.. لحد ما في مرة، جالها خبر إنها اترقِّت، والترقية دي هتخليها تسافر تستقر في أمريكا.. يا سلام!.. نقلة تانية خالص، بحياة تانية خالص، بمستوى تاني خالص مهنيا، وفي كل تفاصيله!.. عظيم.

العظيم أكتر كمان، إن والدة "سومين"، كان بقالها فترة بتزن عشان تسافر تشوف بنتها التانية، أخت "سومين"، واللي مستقرة في أمريكا بقالها سنين، وطبعا ترقية "سومين"؛ هتشجع الأم إنها تسافر مع بنتها.. "سومين" قالت خلاص، أنا هسافر أنا ووالدتي وابني، وممكن كمان نسافر قبل ميعاد استلامي لشغلي بأسبوع كامل، عشان أتعود على الجو هناك، وعشان أقعد مع أختي شوية قبل معمعة الشغل.

جهِّزت الشنط بتاعتها قبل ميعاد الطيارة بأسبوع كامل، وكانت زي العيال الصغيرة، فرحانة بالسفر، ومنتظراه زي يوم العيد!.

لما الميعاد قرَّب، وبقى فاضل عليه 48 ساعة؛ جه في بالها حاجة!.. هعمل إيه في "جوناو"!.. هتعملي إيه يعني، إيه ما هو هيسافر معاكي أنتي ووالدتك!.. لأ، قصدي هعمل إيه في الدوشة اللي بيعملها "جوناو" لما بيركب أي مواصلة!.. إذا كان الزن بتاعه بيضايق الناس في المترو والأتوبيس، في وقت مابيزيدش عن ربع ساعة؛ يبقى لما يركب طيارة هيعمل إيه؟!.. دول 11 ساعة كاملين!.. أكيد هيفرَّج علينا أمة لا إله إلا الله!.. لأ، لازم حل.. والدتها سألتها: (يعني هتعملي إيه بس؟).. لازم حل.

قعدت "سومين" تفكر بعمق.. جت في بالها فكرة.. دخلت على النت عشان تقرأ معلومات عن الطيارة اللي هما هيركبوها!.. اتأكدت إن الفكرة بتاعتها قابلة للتنفيذ.. بدون حتى ما تقول لوالدتها، نزلت راحت السوبرماركت، واشترت شنطة متوسطة وأقرب للكبيرة، ودخلت بيها أوضتها، وكان واضح إنها بتجهز حاجة!.. قعدت قد إيه؟.. 5 ساعات!.. بعدها خرجت من أوضتها، وقالت لوالدتها، إنها خلاص حَلِّت المشكلة.. بعدها بأقل من يومين، ولما ركبوا هما التلاتة الطيارة؛ استأذنت "سومين" من والدتها، إنها تشيل "جوناو" لحد ما هي تخلص حاجة.

مسكت "سومين" الشنطة اللي جابتها، وفتحتها، وبدأت تلف على كراسي الركاب، كرسي كرسي، وتوزع على كل راكب كيس قد كف الإيد!.. كيس فيه إيه؟.. ورقة صغيرة مطبوعة، مكتوب فيها 5 سطور + شوية حلويات وطوفي + سدادات للأذن نوعهم نضيف وغالي!.. طبعا كل راكب كان بيستلم الكيس، وهو مستغرب، ووارد حد من الركاب مثلًا، كان مصري؛ فتلاقيه قال في باله: إيه ده، هو أنا راكب مترو ولا طيارة؟، ومين الست دي؟ وهل هتلف تلم الحاجات دي تاني ولا إيه؟.

واحد من الركاب اسمه "ديف كورونا"، فتح الكيس وقرأ الورقة المكتوبة، واللي كان فيها التالي: (مرحبًا، أنا "جوناو"، وأبلغ من العمر 4 أشهر، اليوم سأسافر إلى الولايات المتحدة مع أمي وجدتي لرؤية خالتي. وأنا قلق وخائف قليلًا؛ لأنها المرة الأولى التي أسافر بها جوا؛ الأمر الذي يعني أنني قد أبكي كثيرا، أو أُحدث الكثير من الضجيج؛ لذلك سأحاول أن أكون هادئا، ولكن لا يمكنني أن أعدكم بشيء، أرجو المعذرة، لذا قامت أمي بتحضير كيس صغير من الحلوى لكم!، وفيه بعض سدادات الأذنين، التي أرجو أن تستخدموها؛ عندما يعلو الضجيج بسببي، أتمنى لكم رحلة ممتعة. شكرًا لكم).

هنا الصورة بقت مكتملة عند كل الركاب، وعند والدة "سومين"، اللي استغربت اللي بنتها عملته!.. الفكرة، إن "سومين" وزَّعت كام كيس؟.. 200 كيس!.. يخرب عقلك!.. بقى أنتي دخلتي النت أول امبارح، عشان تعرفي عدد ركاب الطيارة، عشان كده؟.. أيوه، وحسبت كمان المضيفات، والكباتن.. مجنونة!.. طب ده أكيد كلفك فلوس كتير.. مش مهم، المهم إن محدش يتضايق مني، أو أحس بالذنب إني ضايقت حد بسبب ابني.. لما خلصت مهمتها ورجعت، قعدت في الكرسي بتاعها جنب والدتها، كان على وشها ابتسامة رضا حقيقية، وصادقة.

أحد الأكياس التي وزعتها الأم على الركاب
الأم الكورية تحمل طفلها في الطائرة أثناء الرحلة

الناس السَّوِيَّة اللي نفوسهم فيها الحد الأدنى من الاتزان، هيكونوا فاهمين، إن مفيش في الدنيا أسوأ من إنك تكون مصدر ضيق أو ضرر أو أذية لغيرك، حتى ولو للحظة.. مش كتير بيراعوا مشاعر غيرهم، أو بيحسبوها قبل كل كلمة بتتقال أو فعل بيتعمل.. من هنا بتظهر أهمية الفئة القليلة اللي لسه محافظة على شوية الأصل، واللي زعل غيرهم بالنسبالهم، أزمة، ويهون قدامه أي تعب؛ المهم إني في نهاية القصة، ماكونش السبب إن شخص ما يحس بالأسف، بسببي.. فيه جملة عبقرية لقائلها بتقول: (إذا استطعت أن تُحسِّن حياة إنسان واحد، أو تُخفف ألمًا واحدًا، أو تُرشد طائرًا إلى عِشِّه؛ ما ذهب عمرك سُدى).

تابع مواقعنا