اللعبة
من القصص اللي كان ليها صدى مش قليل في أوساط المجتمع الصيني خلال الأسابيع اللي فاتت، هو اللي عمله أب مع ابنه وكان له توابع مش في الحسبان نهائي!.. اللي حصل إن الأب لاحظ إن ابنه مندمج بشكل مبالغ فيه في ألعاب الفيديو أون لاين!.. اندماج مش طبيعي سحب الولد في سكة جديدة عليه تمامًا ومش لمدة يوم ولا إتنين ولا تلاتة!.. لأ.. 3 شهور متتالية الولد حاله فيهم اتبدل 180 درجة!
الفكرة إن الولد كان حريف أوي بالتالي بيكسب والمكسب طبعًا بيجيب مكسب، وشهوة الانتصار بتزيد يوم عن التاني فشغف تكراره بيزيد بالتبعية!.. والنتيجة؟.. الولد بقى لا بيذاكر زى الأول رغم إنه من المتفوقين دراسيًا، ولا بقى ياكل كويس وده أثر على صحته بالسلب، ولا بقى بينام خالص إلا عدد ساعات محدود جدًا ممكن يوصل لساعتين بس في اليوم كله، وحتى دول بينامهم لما بيقع من طوله وهو على كرسي الكمبيوتر بيلعب!.. وضع يوجع قلب أى أب.. الشيء اللي تستغرب له إن الأب اللي كان غامس نفسه في الشغل لفترات طويلة في اليوم كانت شخصيته ضعيفة فيما يتعلق بأولاده!
يعني هو شايف ابنه بيعمل حاجة غلط وعايز ينبهه ليها ويصحح له مساره مابيقدرش للأسف يعمل ده غير بهدوء بالغ لإنه مش بيحب يزعله!.. اللي هو يقول له مثلًا: (يا ابني خد بالك من مذاكرتك)، فيرد الولد: (حاضر حاضر تمام).. ولا الأب يكررها بنبرة فيها حدة أكتر، ولا الولد بياخد طلب أبوه بجدية، وبتكون المحصلة النهائية إن وجع الأب تجاه ابنه بيزيد لإنه مش قادر يسيطر عليه ومش قادر يكون حاسم معاه، وإن الابن بيكمل في اللي بيعمله.. شوية بشوية بدأ الأب يفكر في طريقة ماتحطهوش في مواجهة مع ابنه وفي نفس الوقت تخليه يبطل اللي بيعمله، عمل تصرف في غاية الغرابة، نزل يسأل في الشوارع على أمهر ناس في اللعبة الفلانية اللي ابني بيلعبها أون لاين دي.
سأل عيال صغيرة في نفس سن ابنه، وسأل شباب كبار شوية والحقيقة إن كل اللي كان بيسألهم كانوا بيتعاملوا مع سؤاله بسخرية، اللي هو إيه اللي جاى تسأل عنه ده يا بابا!، بس في النهاية قدر يوصل لإجابة، بص يا سيدي الفاضل هو البابا بتاع المجال واللعبة دي مش في الصين لكن في آسيا كلها اسمه فلان الفلاني وده الإيميل بتاعه، حلو!، الأب راح باعت إيميل للكوماندا بتاع اللعبة وطلب منه طلب واحد وبسيط، شوف يا فلان؛ أنا أب بس شخصيتي ضعيفة قدام ابني بسبب محبتي له، وفي نفس الوقت محبتي له ده مخلياني قلقان عليه من استمراره في اللعبة دي فأنا عايز أعمل معاك اتفاق، عايزك تلاعبه وتغلبه، مش بس تغلبه أنا عايزك تهينه في اللعبة فتخليه يحس إنه ولا حاجة فيها.
اللاعب المحترف رد على الأب وقال له بس أنا شايف إنك تحاول معاه كذا مرة تانية أفضل من الحل بتاعك لإن الحل بتاعك ممكن يجيب أثر عكسي، الأب رد مالكش دعوة أنا عايز كده، رد عليه وقال له تمام أنت حر بس أنا هاخد مبلغ كبير في القصة دي، الأب وافق.. المبلغ اتدفع، واللاعب المحترف بعت للاين إنه عايز يلاعبه، الإبن لما استقبل الدعوة استغرب وكان طاير من الفرحة لإن عشان اللاعب الكبير المهم ده يطلب يلاعبني يبقى أنا فعلًا محترف ومميز.. اتفقوا على ميعاد.. لعبوا.. المحترف شلفط الولد ومسح بيه اللعبة، غلبه في كام دقيقة!، الولد قال له طب نلعب تاني، المحترف وافق وكرر اللي عمله فيه، طب نلعب تالت، ماشي، واتكرر اللي حصل في المرتين الأولانين هو هو بنفس السيناريو!
5 ساعات متواصلة المحترف مسح بكرامة الولد وبمهارته وبثقته في نفسه الأرض لدرجة إن الولد كسر الكمبيوتر، وقعد يعيط بشكل هيستيري، وطبعًا لك أن تتخيل إن الأب كان طاير من الفرحة إزاي، بس كده؟، الحقيقة لأ، الولد دخل في نوبة اكتئاب حادة وجاتله صدمة نفسية وحاول ينتحر وبيتعالج حاليًا تحت إشراف طبي مكثف وسط توقعات بصعوبة خروجه من الحالة في فترة قريبة، والسبب؟.. قرار غلط بطريقة غلط اتاخد في وقت غلط عشان يصحح مسار تصرف غلط فبقى الغلط غلطين والأزمة أزمتين.
التعليم عن طريق الضرر ضرر تاني
صحيح إن تحقيق المراد حرفنة، وإن أخد الحق صنعة بس لما تلجأ لسكة مش نضيفة ولا سالكة عشان تعمل ده أنت كده لا بقيت صاحب حق ولا حققت مراد، ملعون أي هدف يكون طريق الوصول له مزروع بـ ضرر وإهانة وأذية غيرك، عندك مليون طريقة سوية وكلهم فيها الحد الأدنى من الإنسانية والرحمة إنك تصلح من خلالهم مسار حياة حد شايفه بيعمل حاجة غلط، التعليم عن طريق الضرر ضرر تاني، باللين والهدوء ممكن تاخد عين وقلب اللي قدامك وهو نفسه راضية، وبالعنف والقسوة هتصّعب عليه حتى إنه يناولك كوباية مايه.