مركز حلول للسياسات البديلة: لابد من دعم صغار المزارعين لتقليل الفجوة الاستيرادية من القمح
قال مركز حلول للسياسات البديلة التابع لـ الجامعة الأمريكية بالقاهرة، إنه سيتعين على الحكومة توفير 15 مليار جنيه إضافية (العام المالي الحالي) لتغطية التكاليف الإضافية لاستيراد القمح، إذ حددته الحكومة بسعر 350 دولارًا للطن في مسوَّدة الموازنة، وهو أقل بنسبة 20% عن سعر السوق الحالي إضافة إلى تخصيص 45 مليار جنيه لشراء القمح المحلي بعد رفع سعر التوريد.
وأوضح التقرير الصادر اليوم (عدسة) أن مصر تلقَّت تمويلات كبيرة في السنوات الأخيرة لتغطية واردات القمح وتعزيز الأمن الغذائي وتعتمد حاليًّا في شراء القمح المستورد على قرض البنك الدولي بقيمة 500 مليون دولار، وقرض المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، والبالغ 6 مليارات دولار.
وأوصى التقرير بضرورة البدء بدعم صغار ومتوسطي المزارعين المحليين، خاصةً مع ارتفاع تكلفة إنتاج القمح، وتضخم الأسعار، وتراجع الدعم الذي كانت تقدمه الدولة إليهم في صورة مدخلات إنتاج مدعومة وإرشاد زراعي.
تشجيع المزارعين
وترتكز التوصيات على أهمية طلب الحكومة توريد القمح المحلي مقابل سعر مجزٍ وعادل ومنافس لسعر القطاع الخاص دون عقوبات، وإعلانه قبل بدء موسم زراعة القمح بقدر كافٍ لتشجيع المزارعين وتحفيزهم.
وتؤكد دراسة لـ فاو، أن أكثر من نصف (50.5%) مساحة أراضي القمح في مصر يمتلكها صغار الفلاحين (مَن تقل حيازاتهم عن ثلاثة أفدنة) أو أصحاب الحيازات الصغيرة، الذين ستؤدي عودتهم إلى زراعة القمح عن طريق سياسات زراعية مستدامة، مدخلًا لتضييق الفجوة القمحية المتنامية في مصر.
ووافقت المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة في الأول من يونيو على منح مصر قرضًا قدره 700 مليون دولار لتمويل واردات الحبوب، خاصة القمح حيث يعد القرض جزءًا من اتفاقية تمويل بقيمة 1.5 مليار دولار أُبرمت في يناير 2023 لتمويل واردات الطاقة والسلع الأساسية في مصر. وأعلنت الحكومة في الوقت نفسه عن تغطية الاحتياطي الإستراتيجي الحالي من القمح لمدة 6 شهور.
ووفق التقرير تواجه مصر أزمة مزدوِجة في توفير القمح كسلعة أساسية بسبب تزايد الاعتماد على روسيا وأوكرانيا في توفير واردات القمح لمصر آخر 5 سنوات، وآثار الحرب في انخفاض حجم المعروض وارتفاع أسعار القمح العالمية وفاتورة خبز التموين المحلية وكذلك بسبب تعاظم الطلب المحلي على القمح بمعدلات تفوق قدرات البلد الإنتاجية حيث لاتزال الفجوة القمحية في مصر مستمرة في النمو بنسبة 6.5% سنويًّا على مدار آخر 20 عامًا، ما يشكل تهديدًا مباشرًا على احتياطي القمح الإستراتيجي وأمن مصر الغذائي.
الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي
تعرِّف منظمة الأغذية والزراعة العالمية FAO الأمن الغذائي بـ"الوضع الذي يتاح فيه لجميع الناس في جميع الأوقات القدرة المادية والاجتماعية للحصول على كميات كافية من الطعام الآمن والمغذي". وفقًا لمؤشر الأمن الغذائي العالمي، في 2022 احتلت مصر المرتبة 77 من بين 113 دولة حول العالم.
وترتفع نسبة التعرض لخطر انعدام الأمن الغذائي، كلما اعتمدت واردات الحكومة بشكل مفرط على عدد أقل من الدول في توفير محصول أو سلعة غذائية إستراتيجية، وهو ما تواجهه مصر بسبب اعتمادها على روسيا وأوكرانيا كمصادر للقمح بنسبة تقوق الـ80% بسبب أسعارهم المنخفضة قبل الحرب، والتي أدت بدورها إلى ارتفاع سعره العالمي بنسبة 44%. تسعى مصر حاليًّا إلى تنويع مصادر القمح الأجنبي باستيراده من فرنسا ورومانيا ودول أخرى، ولكنها ما زالت تستقبل أغلب وارداتها من القمح من روسيا، التي مثلت نسبة 57% في 2022.
يعتبر محصول القمح المحدِّد الرئيسي لقيمة وحجم الفجوة الغذائية في مصر (زيادة الطلب للمنتجات الغذائية على معدل إنتاجها محليًّا).
وحققت مصر زيادة شبه مستقيمة في إجمالي إنتاج القمح على مدار الـ20 سنة الأخيرة، بمتوسط سنوي قدره 1.64%، لكن استمر معدل الاكتفاء الذاتي من القمح في الانخفاض بنسبة 2% سنويًّا بسبب: ارتفاع معدل الزيادة السكانية، نمو معدلات التضخم عالميًّا ومحليًّا، إضافة إلى التغيرات المناخية التي تهدد موارد المياه المحدودة وجودة ومساحة الأراضي الزراعية.
ويرى الخبراء أنه من الصعب تحقيق اكتفاء ذاتي من القمح في ظل وجود تلك المعوقات إلى جانب عوامل أخرى، كضعف القدرة التخزينية التي تتسبب في الهدر والتلف حيث تفقد مصر ما يزيد على 3 مليون طن قمح سنويًّا، وانخفاض الإنفاق على مراكز البحوث والإرشاد الزراعي.
وقد كثر إعلان الحكومة عن مستهدفات لتحقيق الاكتفاء القمحي ولم تستطع تنفيذها على سبيل المثال، هدفت "إستراتيجية مصر للتنمية المستدامة 2030" إلى تحقيق اكتفاء بنسبة 74% من القمح بحلول عام 2017، وهو ما لم يحدث، حيث حققت نسبة 43% فقط حينها وهو ما يدفع بالدعوة إلى إعادة التفكير في منظومة غذاء المصريين التي تعاني مشكلات صحية بسبب ارتباط الفقر بالنشويات الأرخص المتاحة، ووضع مستهدفات الاكتفاء الذاتي في صورة أكبر تهتم بمعدلات النفاذ إلى الغذاء الصحي المتوازن والآمن.