استمرار من أجل شيء لا يستحق
مفيش مبرر لشخص إنه يكسل ينسحب من مكان أو علاقة بيسحبوا يوم بعد التاني من طاقته وحيويته ونشاطه وروحه.. مش من العقل ولا العدل إنك تعشم نفسك بأمل انصلاح الحال اللي أثبت لك بدل المرة مليون إنه هيفضل مايل.
صديقتي "هبة درويش" بتقول لي إنها مع الوقت بقت بتحس بـ غربة في مكان الشغل بتاعها.. النميمة بين زمايل العمل سواء على المدير أو الزمايل اللي مش موجودين بقت لا تطاق.. بقت بتشوف كمية من النفاق، والكذب، والتلون خلّوها بقت متأكدة إنها مع ناس مش شبهها ومبقتش عارفة تتأقلم، والاختلاط معاهم بيخنقها!.. أخدت منهم جنب عشان مختلفين عنها، وهما أخدوا منها جنب لما حسوا إنها عاملة فيها الطيبة الأميرة اللي مابتغلطش، وهما الشياطين.
بقت مجبرة على عزلة 50% منها بقرارها، وزيهم بقرار اللي حواليها.. رغم اقتناعها بالوضع الجديد بس نفسيًا ده أثر على جودة شغلها اللي كانت بتروحه قبل الأزمة وهي في قمة الانبساط.. قالت: تخيل لما يبقى المكان الوحيد في الشركة اللي بلاقي فيه راحتي هو التواليت اللي بقى شاهد على عشرات المرات اللي دخلت عيطت فيه عشان ارتاح!.. طلبت أجازة.. الشركة وافقت.. طلبت تمدها.. الشركة رفضت.. رجعت، واستمرت أسبوع واحد بس حست خلاله إنها مش هتقدر تستحمل ولو كملت أكتر من كده هتبقى أسيرة لمرض نفسي اسمه العزلة.. فقررت تنهي عزلتها بإيديها، وقدمت استقالتها، وانسحبت، وكسبت نفسها.. حاليًا بتشتغل في شركة جديدة مع ناس جديدة خالين إلى حد كبير من عيوب زمايل امبارح.
• دكتورة "تاتيانا كوروبوفا" أخصائية علم النفس في مستشفى بيروغوف في روسيا، قالت إن مبادئ وقوانين علم النفس المبسطة المتعارف عليها 12 قانونا، منهم اتنين تحديدًا متعلقين بفكرة الانسحاب.. الأول "قانون الراحة النفسية"، وهو إن اللحظة اللي بيقرر فيها أي إنسان إنه ينسحب من الفوضى الحياتية المحيطة بيه دي بتبقى أول درجات تحسنه النفسي.. الثاني "قانون الاستغناء"، وإزاي إن مش كل الحاجات اللي بيستغنى عنها الإنسان بتبقى خسارة!
أثناء دردشتي مع دكتورة علم النفس الفرنسية الجنسية التونسية الأصل "جوليانا لاكان" عن إن فيه بعض الناس بيتلككوا عشان يبعدوا أو ينسحبوا ردت باللهجة المصرية: شوف خدها قاعدة ثابتة، محدش هيمشي من مكان حس فيه بالتقدير، والراحة.. سألت: بس فيه معايير تانية بتتحكم في الموضوع مينفعش حد تطلع في دماغه ويقول أنا ماشي ومش مكمل!، يعني لو هو راجل وقرر ينسحب بسبب حاجات مش عاجباه هيسيب وراه زوجة وأطفال مالهمش ذنب، ولو هي ست وزوجة هيحصل نفس الكلام!
التكملة أحيانًا بتبقى واجبة مش عشانهم لكن عشان غيرهم! على الأقل يتناقشوا ويحاولوا يصلحوا الوضع، صح؟.. ردت بسؤال: ولو النقاش كان بدون نتيجة؟.. رديت بسؤال تاني: يكون الحل الانسحاب؟.. قالت: لو كمل ومانسحبش مش هيكون عنده اللي يقدمه لغيره بعد كده.. قولت بـ عِند: أيوا ده ممكن عندكم في فرنسا بس في مجتمعنا لأ.. ردت: في أي مكان، ده طبع بشري مش مرتبط بجنس أو بلد.
• الروائي الفرنسي "ألبير كامو" قال: الانسحاب من حياة بعض الأشخاص لا يعني الاستسلام، بل غالبًا يعني أنك صمدت طويلًا من أجل شيء لا يستحق.. الانسحاب مش جُبن لو كان انسحاب من جدل مالوش نتيجة، أو انسحاب من علاقة مالهاش فرصة تتطور وتتحسن ومافيهاش جديد، أو انسحاب من مكان مش بيقدرك.. مش دايمًا المكسب بتاعك بيكون في إنك قدرت تاخد أو تستمر أو تكمل.
أوقات المكسب الحقيقي بيبقى في إنك "تسيب" مش "تاخد".. "تبعد" مش "تقرب".. لما تنسحب وتقول "لأ" أو "مش هينفع" أو "مش موافق" لإنك مش مرتاح مابتبقاش غلطان.. عمرك ما هتبقي غلطان لما تختار راحتك النفسية أولوية.. الخطوة أو التصرف أو العلاقة اللي مش هيفرقوا معاك نفسيًا بالإيجاب، ومش هيخلّوك تحافظ على شوية الحلو اللي باقيين فيك مالهومش لزمة.. د.مصطفى محمود قال: قد تكون السعادة أحيانًا في ترك الأشياء أكثر من الحصول عليها.