أونطة التخويف
• من القصص التراثية اللي ليها جذور حقيقية هي قصة الملك الصيني اللي عاش من مئات السنين وكان معروف عنه ذكاءه وقدرته على قيادة قواته بشكل محترف بسبب حنكته في إدارة الحروب وصرامته في التعامل مع أى عدو.. الملك قرر في يوم إنه يغزو دولة بعيد عن مكان حكمه حوالي 7 أيام!.. أيوا المسافات زمان كانت بتتقاس بالأيام مش بالكيلومترات زي دلوقتي.. اللي هو البلد الفلانية دي بيننا وبينها كام يوم مش كام كيلو.. المهم إنه بعد ما حط عينه على البلد دي أصدر أمر إن قواته تتحرك في اتجاهها.. قواته كلها بمعنى كلها!.. لكن الغريب إن هو وبسبب ظرف صحي ماكنش هيقدر يسافر معاهم في المهمة دي وكلف ابنه بقيادة الجيش.. طب وأنت يا عم الملك؟.. لأ أنا هقعد في القصر انتظركم وأنتم ربنا معاكم ويوفقكم وترجعوا بالنصر زى ما عودتوني.. زى الفل عظيم.. بالفعل اتحرك الجيش كله بقيادة أخو الملك في اتجاه الدولة اللي هيحتلوها، وفضل الملك مع حوالي 200 جندي بس في القصر.. أيوا وهو هيحتاج أكتر من كده في إيه!، وهو مين أصلًا هيستجري يهوب ناحية الملك وقصره!.. لكن الحقيقة إن كان فيه اللي يستجري يعمل كده عادي جدًا!.. فيه دولة تانية خالص بعيدة عن دولة الملك كان بينه وبينهم مشاكل كبيرة انتصر عليهم فيهم كلهم وده خلق شيء من الغصة عندهم.. غصة مريرة منتظرة بس الفرصة عشان تنقض وتاخد حقها.. عشان كده ولما عرفت الدولة التانية إن الملك أرسل قواته كلها لإحتلال الدولة الأولانية وإن هو قاعد لوحده في القصر شافوا إنها فرصة عظيمة ياخدوا حقهم منه!.. بالفعل جهزوا جيشهم وانطلقوا ناحيته!.. بعد كام يوم فوجيء الملك بقوات استطلاعية من الدولة التانية ظهرت على مرمى البصر وبيتحركوا ناحية القصر في إشارة واضحة إن وراهم جيش كبير!.. الـ 200 جندي اللي مع الملك بقت رُكبهم تخبط في بعض وسألوه هنعمل إيه؟.. رد عليهم بثبات افتحوا أبواب القصر كلها!.. يا عم أنت مجنون!، أبواب إيه اللي نفتحها دا إحنا يدوب نلحق نخلع.. قال لهم بصرامته المعهودة نفذوا الأمر!.. سمعوا كلامه بالفعل واعتبروا نفسهم في عداد الأموات بالفعل.. كلها ساعات وباقي قوة جيش الدولة التانية كان وصل وبدأوا يحاصروا القصر.. في لحظة ظهر واحد لابس لبس مهرج بلياتشو فوق سطح القصر وقعد يتنطط ويترقص ويعمل حركات بهلوانية!.. قادة جيش الدولة التانية استغربوا إيه الهبل ده!.. قربوا أكتر من القصر.. لقوا الأبواب كلها مفتوحة!.. لحظة ماحدش يتحرك!.. قالها واحد من القادة اللي كان بالنسباله الأمر كله غريب.. ليه الأبواب مفتوحة بالسهولة دي؟.. وليه مفيش أى درجة من درجات المقاومة؟.. صحيح إن معلوماتنا بتقول إن كل الجيش خرج في مهمة بس برضه هل الملك الخبيث اللي مليان لؤم ودهاء هيكون سايبها مخضرة كده؟.. مستحيل طبعًا.. أومال إيه اللي بيحصل ده؟.. أكيد ده فخ وإحنا مش هندخل القصر عشان في الغالب كده جنود الملك اللي عددهم بالآلاف تلاقيهم مستخبيين جوا ولا راحوا يحاربوا في مكان تاني ولا دياوله.. ده كان قرار القادة كلهم اللي فضلوا محاصرين القصر كإنهم اكتفوا بالتصرف ده وبس لما نشوف آخرتها إيه.. على الناحية التانية كان المهرج اللي واقف في السطح بيواصل حركاته اللي كإنه بيقول لهم من خلالها تعالوا أدخلوا يالا.. استمر الحال على ما هو عليه لمدة أيام.. جيش الدولة التانية واقف منتظر أى حركة ندالة تخرج من جوه القصر اللي أصلًا كان فاضي.. الملك قاعد في القصر بيضحك وهو بيتابع اللي بيحصل.. الـ 200 جندي مش فاهمين أى حاجة ومكتفيين بالوقوف جوا.. الجيش الأساسي للملك كان خلص مهمته بنجاح مبهر وبدأ يتحرك في طريق الرجوع للقصر والمدينة.. لما قربوا فوجئوا بمحاصرة جيش الدولة التانية لملكهم ودولتهم.. طبعًا وبدون تفكير دخلوا عليهم وافترسوهم كلهم وأنقذوا الملك وبلدهم.. والسبب؟.. القلق اللي الملك صدّره ليهم، واللي بسببه ضيع عليهم وقت لحد ما قواته وصلت وقضت عليهم.
• عمري ما هنسى صديقنا "شريف" اللي بعد ما خلصنا مرحلة الجامعة كان هو أول واحد فينا يسافر بره مصر عشان يشتغل في دولة عربية شقيقة!.. "شريف" كان العين بتاعتنا اللي بتشوّفنا العالم من خلالها، وساهم في كده بشكل كبير إنه كان بيبقى حريص ينزل مصر أجازة كل 3 شهور بالاتفاق مع شغله عشان يطمن على صحة والده اللي كان قريب منه جدًا واللي كان رافض إنه يسافر معاه أساسًا لإرتباطه الكبير بمصر!.. بقى لينا قعدة كل 3 شهور بتمتد لساعات مع "شريف" يحكيلنا فيها عن اللي شافه واللي قابله وإزاى عداه.. الناس بره كلهم محترمين.. الشغل مريح.. المرتبات ممتازة.. السكن عظمة على عظمة.. العربيات تقريبًا ببلاش.. مع الوقت بقى حلم معظمنا إننا نسافر لنفس البلد اللي صديقنا فيها، وماكناش بنخجل نقول ده قدامه!.. هنا بدأت اللهجة بتاعته تتغير.. ده ماكنش مفهوم في وقتها مننا بس مع تكرار المعوقات اللي بدأ يرصها حسينا إن فيه حاجة غلط.. الشهادة لله إننا كنا مصدقينه في الأول بنسبة 100% وهي النسبة اللي بدأت تتناقص بالتدريج.. "أحمد" تجيله فرصة شغل في نفس البلد فيسأل "شريف" فيكون رده عليه: (إوعى!، هتتبهدل في أسعار السكن ومش هتلاقي والضرايب هتمرمطك).. فيخاف "أحمد" ويلغي الفكرة.. "حسام" تجيله فرصة إنه يزور أخوه اللي عايش في نفس البلد اللي فيها "شريف" ويقول قدامنا إنه ناوي يمد تصريح الزيارة من خلال أخوه لحد ما يلاقي شغل مناسب فيسأل "شريف" اللي يقول له: (إوعى!، التخصص بتاعك بياخد ملاليم هنا ومحدش بيحترمه!).. فيخاف "حسام" ويلغي الفكرة!.. حتى ورغم إن أخو "حسام" اللي عايش هناك قال له الكلام ده مش صحيح لكن للأسف "حسام" صدق صديقه مش أخوه!.. مواقف تانية كتيرة بتفاصيل تانية أكتر كلها كان عنوانها العريض: (محدش يسافر، السفر فيه سُم قاتل).. والنتيجة؟.. محدش بيقدر يخبي الحقيقة للأبد، ومفيش كذبة بتكمل للنهاية.. بالتدريج حاجز الخوف اتكسر و5 أصدقاء من أصل 13 هما إجمالي عدد شلتنا يشاء ربنا إنهم يسافروا لنفس الدولة باختلاف ظروف سفرهم نفسها بس الشيء المشترك بينهم إن محدش منهم أخد رأى "شريف" المرة دي!.. لما راحوا اكتشفوا إن الأمر مش بالسوء اللي كان بيوصفه بيه والعكس تماماً هو الصح، واكتشفوا كمان إن كل السلبيات اللي كان بيرصها قدامنا مش حقيقية ولو بنسبة 1%!.. والسبب؟.. في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضًا.
• لازم تستوعب فكرة وجود ناس بتستمد قوتها من تخويفك.. اللي هو بدل ما يشجعوك لازم يعملوا هالة من التخويف حوالين أشخاص، أو فرص، أو خطوات عشان يمنعوك منها ويبعدوها عنك بحجة إنها مش مفيدة أو إن قربك منها فيه ضرر ليك!.. لكن السبب الحقيقي واللي مش محتاج فكاكة لاستيعابه هو إن محدش هيحب لك الخير أكتر من والدك ووالدتك.. أغلب الناس عايزينك ناجح، قريب، وجنبهم بشرط إن كل الحاجات اللي فاتت دي متأثرش عليهم هما!.. في حين إن الواقع، والتجارب، والزمن، والدين حتى بيقولوا إن محدش بياخد نصيب حد، ولا مكان حد، ولا خطوة حد، ولا لقمة حد.. همبكة التخويف، وأونطة التحذير غير الصادق، وخبث النصيحة اللي سواد القلب ظاهر عليها مش هيمنعوا قدر، ولا هيأخروا رزق، ولا هيعملوا شيء ربنا مش رايده وكاتبه.