موت شخص يولد 30 ألف قصة حياة.. دموع الأب تجعل من مجدي يعقوب ملك القلوب وفخر بريطانيا| بروفايل
من أرض إلى أرض ومن سماء إلى سماء، يتحرك بجسده النحيل، ووجه البشوش، حاملًا على ظهره سنوات لم تكن سهلة، وفي قلبه وعد طفولته بعلاج القلوب، متفننًا في رسم الضحكة على الوجوه التي اختطف المرض ملامحها، معيدا الحياة لآلاف الأشخاص، حتى استحق وبجدارة أن يكون ملك القلوب السير مجدي يعقوب، فخر بريطانيا، والذي يحتفل بعيد ميلاده الـ88
أبٌ يبكي وطفل بيهرجل
نما داخل يعقوب حلمه في إحياء القلوب، من داخل منزل والده بمدينة بلبيس، حينما كان في الخامسة من عمره، وقتها رأى والده في حالة انهيار كبيرة بعد فقدان شقيقته الصغيرة، وفي محاولة لفهم الأمر تساءل: ما السبب؟، ورغم تعنيف والده ورفضه للإجابة من المرة الأولى، إلا أنه أخبره "أختي الصغيرة اللي كانت نور عيني ماتت بمرض في القلب وكان ممكن أن تعالج في لكن العلاج مش موجود في مصر "، حالة والده وكلماته الثقيلة، دفعته لقطع وعد على نفسه، "بإذن الله هكون جراح قلوب"، وهو ما وصفه والده بـ الهرجلة وعلى حد قوله "أنت بتهرجل".
نهاية العمة المؤلمة وبداية الحلم السعيد
نهاية العمة الحزينة، كانت بداية لمسيرة وُلدت مبكرًا، وكانت سبب في آلاف النهايات السعيدة لمرضى القلوب، عمل على حلمه، وسأل والده عن البلدان الرائدة في هذه العلاجات، ووضع وعده نصب عينيه، حتى تخرج من كلية الطب جامعة القاهرة، وتخصص في الجراحة، لتبدأ رحلته العملية مع جراحات القلب من شيكاغو، قبل أن ينتقل إلى بريطانيا في عام 1962 التي حقق فيها إنجازات جعلته يتربع على عرش إنجلترا، بمستشفى هارفيلد.
جائزة فخر بريطانيا وتكريم الملكة إليزابيث الثانية
أكثر من 20 ألف عملية، حتى حصل على جائزة فخر بريطانيا والممنوحة لمن لديه مسيرة حافلة بالعطاء، عام 2007 من قناة أي تي في البريطانية بحضور رئيس الوزراء جوردن براون، وظهر وهو يتوسط عشرات الحالات التي نجح في إعادة الحياة لهم، وهو الأمر ذاته الذي دفع الملكة إليزابيث الثانية أن تعطيه وسام بريطانيا، ليصبح "ملك القلوب" وفقما لقبه الإعلام البريطاني.
قصة جينيس.. وأكبر قصة حياة
بينما كان الإنجليزي ديفيد أجات، يحتفل بعيد ميلاده الـ90، كان البروفسير مجدي يعقوب، على موعد مع إنجاز جديد يضاف لمسيرته، التي استمرت قرابة 40 عامًا حينئذ، حينما دخل مريضه الذي أجرى له عملية زراعة قلب عام 1984، في عامه الـ90 محققًا بذلك رقم قياسي سجلته الموسوعة العالمية للأرقام القياسية جينيس، كأطول قصة حياة لمريض زراعة قلب، وهو ما وصفه موقع DAILY MIRROR حينها بـ"عاش أكثر من المتوقع"، مشيرين إلى أن العالم المصري أخبره أنه بإمكانه أن يبقى على قيد الحياة نحو 10 سنين إضافية، لكنه تخطى الـ 35 عامًا بعد إجراء العملية.
هدنة لم تطل
بعد مسيرة حافلة بالنجاحات في مجال عمليات جراحة القلب، استمرت نحو 20 عامًا يحيي خلالها القلوب وتحديدًا عام 2001، بلغ ملك القلوب عامه الـ65، والذي قرر وقتها اعتزال عمليات الجراحة، ليصبح استشاري ومُنظر لعمليات نقل الأعضاء، حتى أعادته طفلة في عام 2006 والتي كانت في حاجة لإجراء عملية معقدة، من خلال إزالة قلب مزروع في مريضة بعد شفاء قلبها الطبيعي، كان لا يزل القلب الطبيعي للطفلة المريضة خلال عملية الزرع السابقة.
قلادة النيل العظمي.. وتمثاليّ يعقوب
العام 2011، صدق الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، في قرار حمل الرقم "1" للعام ذاته، على منح الدكتور مجدى حبيب يعقوب، وسام قلادة النيل العظمى لجهوده الوافرة والمخلصة في مجال جراحة القلب، وقد استلمها بنفسه في حفل خاص أقيم على شرفه، وذلك بعد إجراء العديد من العمليات للأطفال المصريين بالمجان، من خلال المركز الذي أنشأه عام 2009، كما تم تكريمه على هذه الجهود بإنشاء تمثال له في أسوان وآخر في بلبيس في ميدان يحمل اسمه تقديرًا لدوره في إحياء القلوب.
انتصار الحلم على واقعية الأب
بعد مسيرة دامت نحو 60 عامًا في مجال الطب، يحتفل اليوم 21 نوفمبر، عالم وملك القلوب الطبيب المصري السير مجدي يعقوب، وبعد إجراء عشرات الآلاف من العمليات، يتذكر وعد والده الذي حمله في قلبه وعلى رأسه، وأعاد آلاف القلوب للحياة، متمنيًا أن يرى والده ما حقق، بقوله: "كان نفسي والدي يكون موجود لإنه كان الملهم لما قالي وأنا صغير جدًا قالي عمرك ما هتوصل وأنت بتهرجل"، ملخصًا مشواره في كلمات محدودة: "القلب الجزء اللي بيعم المشاعر، وقلبي موزع في جميع أنحاء العالم، وأنا للإنسانية وعلمتني الحياة الإيمان بالرسالة والتواضع".