النازحون الفلسطينيون عن عودتهم للديار: الروح ردت إلينا ولن نتركها إلا جثثًا
بشكل مؤقت عاد الهدوء إلى غزة، وعادت الحياة مرة أخرى إلى القطاع، بعد 50 يومًا من القصف والدمار، ملأ الغزاوية الشوارع مجددا، عادت للمدينة روحها وإن كانت منتقصة قدر ما فقدته من أرواح قارب عددهم الـ15 ألف شهيد، وفوق الركام وعلى تراب اختلط بدماء ذويهم، رجع النازحون إلى ديارهم التي تحولت إلى أنقاض، بعدما ساوت آلة الدمار الإسرائيلية منازلهم بالأرض وهدمتها على رأس سكانها، وقطع أصوات العائدون الصمت الذي عم الأرجاء مُعلنين أن القطاع لا يزال ينبض بالحياة.. تحكي عيونهم ولهفتها قائلة: هنا غزة وإنا لصامدون.
بعدما ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، واشتد عليهم الحصار، لم يجد أهالي شمال غزة أمامهم سوى الفرار نحو الجنوب، رغم مرارة النزوح، واعتصار القلوب لترك البيوت، لاجئين إلى خيام في الجنوب للاحتماء من قصفٍ فشلت بيوت الشمال المشيدة أن تقيهم ويلاته، وما أن تم الإعلان عن بدء الهدنة، حتى هرولوا نحو مواطنهم رغم دكها وتحويلها لركام، فضلًا عن الخطورة التي تمثلها هدنة لا يعلمون إذا كانت ستستمر أو ستنقطع وبعدها يعود الدمار ثانية، "وإن كانت ركاما، إلا أن الروح ردت إلينا" كما يقولون، متشبثين تلك المرة بالأرض، مؤكدين أنهم "لن يتركوها إلا جثثًا".
الروح رُدت إلينا بعودتنا إلى الدار
رغم ما حل ببيته الذي اختفت معالمه تماما، ورغم خسارة مقومات حياته بالكامل، إلا أن العودة للديار كانت بمثابة عودة الروح إلى عمر العودة الشباب الفلسطيني، حيث يقول معبرًا عن فرحته بالعودة إلى الشمال: "على الأقل نتنفس هوا المنطقة اللي كنا عايشين فيها، ردت لينا الروح لما جينا"، مشيرًا إلى أنه على مدار قرابة 40 يومًا من التهجير لم يشعر بهذه الراحة التي انتابته بمجرد الوصول إلى حيّه، رغم ما حل به: "جينا لقينا الصدمة كبيرة، لكن الحمد لله، على رجوعنا للدار".
لن نترك الديار مهما كان الثمن
بعد خمسة أيام من بداية الحرب، وقبل قرابة 46 يومًا، نزح السبعيني ناصر الملا من خانيونس، بعدما اشتد القصف الإسرائيلي على المنطقة، وبدأوا في استهداف المخابز وجففوا منابع المياه، في الوقت الذي يشتكي فيه من مرضي الضغط والسكر، واللذين يحتاجان إلى مياه بصفة مستمرة، ولم يجد أمامه سوى النزوح إلى الجنوب، ومع أن عاد أمس حتى صدمه هول المنظر: "دمار شامل للحي"، وعلى الرغم من فقدانه البيت، إلا أنه يؤكد أنهم تعلموا الدرس ولن يتركوا الأرض ثانية: "هنفضل هنا ومش هنسيب الأراض تاني مهما كان التمن".
تطلع روحنا قبل ما نترك دارنا
المرار الذي ذاقه السبعيني، هو ذاته الذي لاحق محمد عكر، أحد سكان جباليا، والذي وقف على ركام بيته مع زوجته يتفحصا الأساس، يفتشون في الأنقاض عن أي شيء تبقى علهم يجدون "شيئا من ريحة البيت"، حسبما يرددون، تعتصر قلوبهم على تلك الديار والنزوح، قائلًا بينما يبتلع ريق جففته حسرة الأحداث المتلاحقة على القطاع: "أنا جاي على أرضي وعلى بيتي بطلعش، بطلعش لو على قطع رقبتي"، مؤكدًا أنه لن يكرر فعلته بترك بيته ثانية: "ما نطلع من هنا تاني غير لما روحنا تطلع، الروح تطلع قبل ما يطلع جسدي".
لن تتكرر النكبة رغم الحزن
غزة حزينة وباتت مخيفة، رغم تلك الكلمات التي بدأت الشابة الفلسطينية عبير يونس بها الحديث، وما شاهدته من دمار وأشلاء ودماء في كل مكان، إلا أنها تؤكد أهمية العودة للديار، وأنها ستتشبث هذه المرة ولن تتركها، حتى وإن اشتد عليهم القصف ثانية ستنزح لوقت قصير، ومن ثم تعود إلى ديارها، رافضة المخطط الإسرائيلي للتهجير، بقولها: "لن تتكرر النكبة، ولن يتكرر ما حدث في 1948 ثانية إحنا الشعب الجبارين".
انتزاع الحياة من يد الاحتلال الباطشة
فوق الركام، جلسا الشقيقان وهما يتكئان على أريكة بقيت من منزلهما الذي تحول إلى أنقاض، حاملين في أيديهم علم فلسطين، رافعين رايات النصر، بعدما عادوا إلى منازلهم، بعد 50 يومًا من الحرب، دمرت خلالها منطقة أبراج الندى التي كانوا يقطنونها وهدمت المنقطة بالكامل نحو 50 برجًا، لسان حالهم يقول "سننتزع الحياة انتزاعًا"، من يد الاحتلال الباطشة، الذي اغتصب معالم الحياة، ونهب منهم بيوتهم وأحلامهم واقتنص أسرتهم، إلا أنه لم ينجح في أخذ الأرض.. "هنموت عليها، وهما يهدموا وإحنا هنعمر زي ما بيحصل كل حرب".