أكاديمية المحاماة بين التفعيل والبديل!
صدر منذ حوالي خمس سنوات مضت تعديل لقانون المحاماة، وقد تمَّ بموجبه إضافة باب جديد بعنوان ("الباب السابع "أكاديمية المحاماة والدراسات القانونية) مكون من مادتين؛ حيث نصت المادة 230 من هذا القانون على أن: "تنشأ أكاديمية تسمى أكاديمية المحاماة والدراسات القانونية، تتبع نقابة المحامين، وتكون لها شخصية اعتبارية وتتمتع بالاستقلال الفني والإداري والمالي، وتتولى تطوير الدراسات المتعلقة بمهنة المحاماة وتدريب المحامين والارتقاء بمهارتهم ومنحهم شهادات مهنية. ومع عدم الإخلال بحكم المادة "13" من هذا القانون لا يجوز القيد بالجدول العام ولأول مرة إلا بعد اجتياز الدراسة بهذه الأكاديمية وحصول طالب القيد على شهادة إتمام الدراسة بها على أن تبدأ الدراسة بَدءًا من يناير 2021.
ونصت المادة "231" من القانون ذاته على أن يكون للأكاديمية مجلس إدارة يتولى أعمالها لمدة أربع سنوات برئاسة نقيب المحامين وعضوية اثني عشر عضوا يختارهم مجلس النقابة، ويجوز أن يعين في مجلس الإدارة أربعة أعضاء على الأكثر من أعضاء مجلس النقابة العامة. ويضع مجلس النقابة العامة جميع اللوائح الإدارية والمالية والفنية المنظمة للأكاديمية ويحدد هيكلها الفني والإداري وضوابط القبول والدراسة ومناهجها ومدتها واستصدار المعادلات للمؤهلات الصادرة عنها.
وقد نصت المادة (13 مكررًا من قانون المحاماة ) على أنه: لا يجوز القيد في نقابة المحامين إلا بعد الحصول على الشهادة المنصوص عليها بالمادة "230" من هذا القانون واجتياز اختبار تحريري تضعه على مستوى قومي لجنة يشكلها مجلس النقابة العامة لهذا الغرض على أن تضم في عضويتها عناصر لها الخبرة الكافية، ويجب أن يشترك في وضع الاختبار كبار رجال المحاماة والقضاة وأساتذة القانون، على أن يتم إجراؤه خارج مقر النقابة مرتين سنويا بما يكفل تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص، وذلك كله وفقا للقواعد التي يضعها مجلس النقابة العامة. ويبدأ تطبيق هذا الاختبار بَدءًا من يناير 2021، ويعفى من أداء الاختبار المنصوص عليه في الفقرة الأولى من هذه المادة كل من شغل وظيفة أستاذ في القانون بإحدى الجامعات المصرية أو درجة مستشار بإحدى الجهات أو الهيئات القضائية أو رتبة عقيد في القضاء العسكري أو في جهاز الشرطة.
وقد تم الاعتراض على تفعيل الفقرة الثانية من المادة 230 من قانون المحاماة بخطاب وجهه النقيب السابق المرحوم الأستاذ رجائي عطية إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء مطالبا بإلغاء هذه الفقرة الثانية، وذلك على أساس أن مثل هذا الشرط لا مثيل له في التعيين في أي من مجلس الدولة، والقضاء، وهيئة قضايا الدولة، والنيابة الإدارية؛ حيث تكتفي كل هذه الهيئات بإجازة كلية الحقوق ـ الأمر الذي يعني مخالفة تلك الفقرة للمادة / 230 ـ لمبدأ المساواة، وهو مبدأ دستوري محل احترام وتطبيق؛ ومن ثم فإن مآل تلك الفقرة إلى الحكم بعدم دستوريتها، بعد أن يكون قد ترتب عليها أوضاع يصعب تداركها.
ولا شك أن الغرض من إنشاء الأكاديمية غرض محمود وهو رفع مستوى المنضمين إلى نقابة المحامين وتأهيلهم للقيام بمهام المهنة على وجه يليق بجلالها وقدسيتها، ووضع معيار موضوعي وعلمي للانضمام إلى النقابة، إلا أنه من ناحية أخرى – فوق الشبهات بعدم الدستورية- فإن الأمر ولا شك يحتاج إلى إعادة دراسة للفكرة ومدى تحقيقها للهدف المرجو منها.
فمن ناحية أن اجتياز الأكاديمية ليس كافيًا في حد ذاته للقيد، بل يجب على من يريد القيد لأول مرة بالنقابة أن يجتاز اختبار تحريري يجري مرتين في العام. ومن ناحية أخرى فإن هذه التعديلات ألقت على نقابة المحامين عبئا أكاديميًّا وتعليميًّا وعلميًّا غير تقليدي، ولا نظير له في أية نقابة من النقابات المهنية؛ حيث قد لا تتوافر بها الإمكانيات اللازمة لتفعيل دور الأكاديمية على الوجه المقبول والمناسب. كما أنها تلقي بعبء مالي إضافي على من يرغب في الانضمام إلى نقابة المحامين أو على أسرته، وهو في بداية مشواره المهني، ولم تتوافر له مصادر الرزق المناسبة. وهذا ما دفع –خلال الأشهر الأخيرة- نقيب المحامين الحالي الأستاذ عبدالحليم علام - إلى طرح إنشاء دبلومة إعداد المحامي بكليات الحقوق بالتنسيق مع المجلس الأعلى للجامعات مراعاة لتخفيف العبء المالي على الراغبين الالتحاق بالنقابة وأسرهم.
ونستحسن من جانبنا هذا التوجه من قبل النقيب الحالي؛ وذلك لأن من شأنه مراعاة البعد الأكاديمي والعلمي المنوط بكليات الحقوق بالجامعات المصرية، كما أنه يختصر كثيرًا من الإجراءات التي تهدف إلى وضع معيار موضوعي للانضمام إلى نقابة المحامين يتمثل في اجتياز دبلوم المحاماة، بدلا من الإجراءات المعقدة والطويلة التي نصت عليها المواد 230 والمادة 13 مكررًا من قانون المحاماة.
واستكمالا لهذا المقترح أرى أنه من الملائم إنشاء دبلوم المحاماة ليكون أحد دبلومات الدراسات العليا، وهذا أمر ليس بمستغرب في ضوء سبق اشتراط قانون مجلس الدولة في المادة 73 منه في عضو مجلس الدولة أن يكون حاصلا على دبلومتين من دبلومات الدراسات العليا إحداهما: في العلوم الإدارية أو القانون العام إذا كان التعيين في وظيفة مندوب.
وأرى أن هذا الدبلوم يجب أن يكون شرط للقيد بالمحاكم الابتدائية؛ فلا يقيد المحامي بهذا الجدول إلا بعد اجتياز هذا الدبلوم، وترتيبا على ذلك تنتفي أية شبهة حول دستورية النص؛ لأن هذا الشرط شرط موضوعي ومعمول به في قانون مجلس الدولة. كما أنه يعد أحد دبلومات الدراسات العليا التي تمنح درجة معادلة للماجستير إذا حصل على أحد دبلومي القانون العام أو القانون الخاص، بما يؤهله للقيد في درجة الدكتوراه.
كما أرى أن هذا الدبلوم يجب أن يتضمن موادًا علمية مفيدة في تكوين المحامي وتأهيله، مثل: مادة الصياغة القانونية، ومادة المنطق القانوني، ومادة فن المرافعة، ومادة التدريب (عملي، ومحاكاة للواقع القضائي)، وغيرها من المواد ذات الصلة بمهنة المحاماة، كما يجب أن يقترن الدبلوم بمشروع تخرج بإعداد مذكرات دفاع وطعون وتحرير عقود وغيرها من أعمال المحاماة.
كما يجب النص صراحة على إمكانية الاستعانة بكبار رجال المحاماة ورجال القضاء في التدريس في هذا الدبلوم، بالإضافة إلى أساتذة القانون المتخصصين.
إلا أنه قبل ذلك كله، فعلى ضوء أن معظم خريجي كليات الحقوق تكون المحاماة بالنسبة لهم المهنة الأساسية، فإنه يجب تطوير الدراسة بكليات الحقوق بما يتناسب مع تكوين المحامين، والاهتمام بالجوانب العملية والتدريبية، بالإضافة إلى الجوانب النظرية، وإدخال مواد مهمة وعملية، مثل: مواد الشهر العقاري، وقانون الجرائم الإليكترونية، والوسائل البديلة لفض المنازعات، وقانون المحاماة - حيث من الملاحظ أن قانون المحاماة ذاته لا يدرس بكليات الحقوق.. والله الموفق والمستعان.
د.عثمان عبدالقادر - أستاذ ورئيس قسم قانون المرافعات - مدير مركز الدراسات القانونية بكلية الحقوق جامعة أسيوط