سكتة قلبية وجبر عظيم
• في صيف 2018 استقبلت خبر وفاة صديقي "محمد يوسف" بصدمة لسه مرارتها مستمرة في قلبي لحد النهاردة.. كنت راجع من الشغل تعبان والمفروض إني هنام شوية عشان أقدر أصحى فايق وأروح مشوار واجب مهم بالليل.. نمت وصحيت لقيت الموبايل اللي كان صامت قرب ينفجر من كُتر استقبال رسايل الواتساب والاتصالات.. من أول رسالة عرفت الخبر وماكنتش محتاج أبص على باقي الرسايل ولا قادر أرد على حد.. وهو فيه خبر أتقل من وفاة "محمد يوسف"!.. الإنسان الطيب النقي البسيط الجدع اللي مفيش قعدة تتجاب فيها سيرته إلا والكل بيشكر فيه سواء قبل وفاته أو بعدها.. صدمة وفاة "محمد" زادت قسوة بسبب إنه اتوفى لوحده في واحدة من مدن دولة الإمارات.. كان مسافر عشان يشتغل هناك من 2016 وبالفعل ربنا وفقه في وظيفة محترمة في مكان كبير بعد سعى للسفر أكتر من 4 سنين قبلها.. "محمد" كان شايف في السفر تحقيق لأكبر الأحلام.. اللي هو أنا لو سافرت مش هبقى عايز حاجة تاني من الدنيا.. كان متجوز وعنده بنت صغيرة اسمها "شهد" كان عمرها سنتين لما سافر في 2016 وكانت الخطة إنهم يجيب مراته وبنته الإمارات بعد ما أموره تستقر.. فاتت سنة وبعدها التانية وغاب "محمد" للأبد.. حتى ملابسات الوفاة نفسها كانت متعبة لكل اللي عرفوها!.. دخل شريكه الهندي اللي معاه في السكن عليه الأوضة لما لاحظ إنه اتأخر في الصحيان كالعادة عشان يتفاجئ بيه مش بيتحرك.. سكتة قلبية لعينة كالعادة خطفت واحد من أنبل الناس.. المشكلة كانت في إن "محمد" لوحده في الإمارات.. لا قرايب ولا أصدقاء.. كلها معارف ليها علاقة بالشغل من بعيد لبعيد ومعظم التعاملات مع أجانب.. الراجل الهندي اتصرف تصرف سريع وذكي وغريب في توقيته بصراحة بإنه فتح موبايل "محمد" ببصمة صباعه واتصل بأخوه اللي كان "محمد" يكلمه كل يوم بعد مكالمة مراته قبل النوم ودي معلومة كان عارفها الهندي.. كلمه وبلغه بالأمر وبعدها نزل لمسئول المسجد اللي "محمد" بيصلي فيه عشان يبلغه هو كمان.. أخو "محمد" كتب الخبر على فيسبوك وانتشر بسرعة رهيبة في مصر.. لكن مفيش جديد يحصل!!.. "محمد" لازم يندفن ومفيش فرصة إن حد من أسرته أو أصحابه يلحق يطلع تأشيرة الإمارات عشان يسافر.. طب والدفن؟.. لازم يحصل في أقرب وقت بعد توقيع الكشف الطبي عليه وبيان إن الوفاة طبيعية.. طب مين اللي هيعمل كده؟.. محدش عارف!.. أخوه كتب بوست ممزوج بالألم بيشرح فيه الأزمة اللي فعلًا ماكنش ليها حل.. شعور بالعجز كان صايبنا كلنا وماقدرتش أقدم غير إني عملت شير للبوست بتاع "مصطفى" أخو "محمد" وأنا مش عارف بعمل له شير ليه أو بطلب من الناس إيه أصلًا!.. من ضمن التعليقات اللي جت تعليق من شيخ أزهري اسمه "خالد".. الحقيقة أنا ماكنتش شوفت حسابه قبل كده.. الراجل كتب تعليق من كلمتين.. (بإذن الله عمله معه).. ماوقفتش كتير عند التعليق بس استغربته.. اللي هو ما تدعي له زى باقي الناس يا شيخ ولا قول حل ينقذنا من الموقف ده!.. فضل الحال على ما هو عليه والدفنة هتتم تاني يوم مباشرة ومفيش حد هيكون مع "محمد".. يشاء ربنا إن حد ابن حلال يشوف بوست "مصطفى" ويعمل له شير في جروبات المصريين اللي في المدينة اللي كان فيها "محمد".. طب وإيه يعني هي هتفرق؟.. طلعت هتفرق تخيل!.. تاني يوم فوجئ رواد المسجد الأكبر والأهم في المدينة الإماراتية إن فيه نعش وصل وشايله كذا شخص قبل صلاة الظهر ودخلوا بيه.. بعدها بلحظات بدأ المسجد يتملي بناس مصريين وإماراتيين.. مش يتملي بشكل عادي.. لأ.. يتملي حتى فوق طاقته!.. مئات المصليين ظهروا فجأة وكلهم جايين عشان الصلاة على الشاب المصري اللي اسمه "محمد"!.. الموضوع تحول لمظاهرة حب مش مجرد صلاة جنازة لدرجة إن الناس فرشت وخرجت تصلي بره!.. خلصوا صلاة عليه وتوجهوا لدفنه في المدافن الرئيسية في المدينة ومحدش عارف لحد اللحظة مين اللي خلص الإجراءات كلها.. الأمور كانت ماشية بقوة دفع ربانية عجيبة.. تكتشف إيه بعد كده؟.. لما "مصطفى" قدر يسافر للإمارات بعد دفنة أخوه بـ 5 أيام اكتشف بعد ما استلم متعلقاته من مكان سكنه إن أخوه كان مخصص جزء من راتبه الشهري وبيبعته بشكل مستمر لدار أيتام هنا في مصر.. المعلومة دي ماكنش يعرفها لا أخوه ولا مراته ولا أي حد واتعرفت لما استلم نسخ من إيصالات التحويل اللي لقاها من ضمن ورقه!.. الجزء اللي كان بيتبعت ماكنش صغير ولا بسيط كان رقم يعني.. طب إيه اللي يخلي شخص يضحي بجزء مش قليل من مرتبه كل شهر لمدة نحو 20 شهر لدار أيتام!.. هو الخير مينفعش يتعمل بأرقام أقل؟.. أو عندك بنت لسه صغيرة هى الأولى بالفلوس دي!.. لكن لأ.. ده اللي كان بيعمله "محمد" الله يرحمه.. وغالبًا ده اللي كان يقصده الشيخ الأزهري اللي كتب تعليق (بإذن الله عمله معه) اللي محدش كان فاهمه وقتها.. غاب "محمد" بس استمرت سيرته الحلوة واستمرت بعده قصة تجمع ضخم لجنازة شاب مات لوحده في الغربة ومحدش عارف التجمع ده اتجمع إزاي ولا مين اللي حركه.. بس لحظة!.. لأ كلنا عارفين.. ربه وعمله.
• في عمل الخير لو الواحد حط في حساباته الناس وردود فعلهم وتقديرهم للخير ده يبقى محدش هيناول غيره كوباية ميه حتى.. الناس إيدك منهم والأرض.. بنعمل الخير عشان ربنا، وبنعامل ربنا في الناس مش عشان يشكرنا الناس.. هما ينسوا عادي، هو ينسى مستحيل.. (إن فقدت مكان بذورك التي بذرتها يومًا ما، فحتمًا سيخبرك المطر أين زرعتها، ازرع جميلًا فلا يضيع جميلًا أينما زُرِعَا).