نقطة ضعف
من القصص الإنسانية المؤثرة اللي حصلت من 10 سنين هنا في مصر وكان لها حظ من التناول الإعلامي والصحفي وقتها هي قصة "أحمد"، و"فريدة".. الشابين اللي بيحبوا بعض وبيشتغلوا سوا في شركة بترول معروفة واللي علاقتهم بدأت من قبل شغلهم بسبب وجودهم في مدرسة خاصة مشتركة واحدة ثم كلية واحدة ثم قبل كل كده كونهم جيران في نفس الشارع وعِشرة من خلال الأسرتين من وهما في ابتدائي.
كل التفاصيل الصغيرة دي خلقت حالة من المحبة والود بين الاتنين.. أو على وجه الدقة خلقت حالة من "التعود"!.. أيوا بالظبط كده ما إحنا ساعات كتير بنعتبر إن التعود حب.. الحقيقة إن محبة "فريدة" كانت أكتر شوية لـ "أحمد" عن محبته هو ليها.. دي تفصيلة كان كل اللي قريب منهم هيكون شايفها زى عين الشمس.. لكن إجمالا التفصيلة دي مافرقتش في اكتمال خطوبتهم وبداية تجهيز شقتهم اللي هيعيشوا فيها.
لحد ما بدأت شوية خلافات بين الطرفين زى اللي بتحصل بين أى طرفين وخلاص على مشارف الجواز.. هي صحيح الخلافات زادت عن الحد شوية لدرجة التهديد بفركشة الخطوبة من "أحمد" شوية ومن "فريدة" شوية بس كانت مشاكل في الملموم.. بس في يوم صحيت أسرة "فريدة" على خبر صادم وهو انتحار بنتهم ببلع علبة أقراص مضاد حيوي كلها مرة واحدة!.. "فريدة" ماتت!.. فجأة.. بدون مقدمات.. بدون ما يكون باين عليها.. وفضل السؤال الأهم اللي بيدور في عقل كل الناس مكون من 3 حروف!.. ليه؟.
طبعًا وقع الأمر على "أحمد" كان قاسي هو كمان وتقريبًا كده خلاه يتهد.. لا قادر يتكلم، ولا يمشي، ولا يتنقل من سريره.. وبعد وفاة "فريدة" بـ 3 أيام قررت صديقتها "رانيا" إنها تزور "أحمد" في بيته عشان تطمن عليه.. أسرته استقبلتها ودخلوها عليه أوضته وبعد ما الباب اتقفل جابت كرسي وقعدت جنبه وبصت في عينه وقالتله بصوت مكتوم وكله غضب: (قتلتها ليه؟).
أحمد بص لـ "رانيا" بخضة وقال لها بانفعال حقيقي: (إنتي اتجننتي! قتلت مين! أنا هقتل فريدة يا مجنونة!، فريدة انتحرت).. كملت "رانيا" كلامها كإنها ماسمعتوش وقالت: (أنت اللي قتلتها لما استغليت كل حاجة عرفتها عنها، وكل نقط ضعفها ومشيت زي العيال الصغيرة ومع كل خلاف بينكم تقولها لده وده وده، خليت سمعة البنت في الأرض لما كشفت سرها للكل وأنا منهم).. كان واضح إن كلام "رانيا" مس حتة في "أحمد" اللي قام من على سريره وقال بارتباك كإنه بينفي تهمة: (إيه اللي بتقوليه ده!، هما كام كلمة أقولهم لأصحابنا وأنا منفعل هما اللي هيخلوها تموت نفسها!، ما إحنا كنا بنرجع بعدها عادي!).. بص لـ "رانيا" وهو بيقول الجملة الأخيرة ولقاها مركزة في عينه بدون ما ترد فكمل كلامه: (ولا إنتي موت صاحبتك أثر على مخك!، لو فيه حد نفسه يموت النهارده قبل بكره هيكون أنا عشان مقدرش استحمل أعيش دقيقة من بعد "فريدة").
ردت "رانيا": (إحنا كان مالنا ومال إنها اتخطبت مرتين قبل كده وفركشت منهم مرة عشان خطيبها اعترض على وزنها لما زاد، وكان مالنا بالمشاكل اللي بين والدها ووالدتها، وكان مالنا بالمرض المناعي اللي كان عندها واللي اتعالجت منه!، أنت كنت بتعايرها قدامنا بمرضها، هل ده تصرف إنسان طبيعي وعاقل؟).. انهار "أحمد" في البكاء وهو بيهز راسه بعنف كإنه بيرفض الفكرة من أساسها: (ده ماحصلش بالشكل اللي تقصديه ده وأكيد ماكنتش أقصد إنها تعمل كده).
بسبب صوته العالي دخلت والدته الأوضة عشان تشوف فيه إيه فسألتهم: (مالكم يا ولاد؟).. ردت "رانيا" وهي بتخرج من الأوضة: (قولي لابنك يا طنط إن ذنب فريدة هيفضل في رقبته على طول، وعلميه إن لما حد يستأمنه على حاجة يراعي ربنا فيها وفيه).. قالتها وخرجت وهي بتبكي وسابت "أحمد" اللي دافن راسه وسط كفوف إيده وبيبكي هو كمان ووالدته واقفة محتارة مش فاهمة هو فيه إيه!.
اللي حصل هو نفس اللي قالته "رانيا" في مواجهتها مع "أحمد".. خلافات "فريدة"، و"أحمد" طبيعية وعادية بس للأسف "أحمد" كان مع كل مشكلة بيتكلم عن سلبيات "فريدة" قدام كل أصحابهم.. كان بيقول كل اللي قالته "رانيا" وأكتر منه كمان.. صحيح إنهم بيرجعوا سمن على عسل لما بيتصالحوا بس بتفضل الأسرار اللي كشفها عن خطيبته عاملة زى الخدوش اللي بتسيب أثر مش بيروح.. وكان الخدش الأخير هو أكبرهم لما عايرها قدام أصحابهم بفترة تعبها القاسية اللي مرت عليها وخبت عنهم كلهم كل تفاصيلها بس استثنت من التخبية خطيبها اللي بتحبه واللي كانت فاكرة إنه ستر وغطا عليها.. البنت ماقدرتش تستحمل الأسئلة التفصيلية اللي أصحابهم بدأوا يسألوها ليها عن تعبها!.. هي كارهة الفترة كلها يبقى ليه حد يفكرها بيها!.. روحت البيت في اليوم ده وعملت اللي عملته تحت ضغط التأثير النفسي والضغط اللي كانت فيه بس قبل ما تنفذ كانت بتتكلم في مكالمة طويلة مع "رانيا" وحكت لها إنها مخنوقة وإنها مش فاهمة هو ليه "أحمد" بيعمل كده.. "رانيا" حاولت تهديها وتقويها وقفلت معاها على وعد إنها تزورها بكره الصبح لكن للأسف الصبح ماجاش بالنسبة لـ "فريدة"!.
* نقط الضعف سر محتاج لستر.. مش كل حاجة ينفع تتقال لكل حد.. صحيح إن فيه استثناءات لدايرة قريبة جدًا أفرادها لا يزيدوا عن صوابع الإيد الواحدة بيكون ليهم حق الإطلاع على معظم ما يخصك بحكم المحبة أو العِشرة أو الصداقة لكن تظل نقط الضعف شيء حساس وفيه من الخصوصية اللي لازم تتأكد مليون% قبل ما تقوله لـ فلان بشرط إن فلان ده يكون مش هيستغلها ضدك في يوم.. يكون قد شرف سترها مش معايرتك بيها.. يكون سند ليك على تخطيها أو القضاء عليه مش زيادتها.. الأديب "تولستوي" قال: (حاول أن تخفي نقطة ضعفك قدر ما استطعت، هي ليست نقطة هي أشبه بثقب أو نفق يقود العالم للعبث بداخلك).