عاشت مرة ودفنت مرتين
في أيرلندا وتحديدًا في مدينة "لورغان" شمال أيرلندا في أوائل القرن الـ 18 كانت عايشة أسرة أيرلندية سعيدة مكونة من الأب "جون"، والأم "مارجوري" وأطفالهم "مارجوري" ورغم إن جوازها من "جون" كان مبني على قصة حب قوية إلا إن فيه خلافات كتير كانت بتحصل بينها وبينه خصوصًا بعد ما بقى فيه أطفال ما بينهم!.
الحقيقة إن الخلافات لو هنبص لها بنظرة حيادية فهي كانت المفروض ما تتحسبش خلافات من أساسه لإن سببها الرئيسي كلها كان إن "مارجوري" ست حقانية ومنظمة.. يعني إيه؟.. يعني زى ما بيقولوا عندنا في المثل "بتقول للأعور أنت أعور في عينه".. إحنا اتفقنا على كذا يبقى كذا ده هيتنفذ يعني هيتنفذ مادمنا اتفقنا.. الولاد هيناموا الساعة كذا يبقى لازم يكونوا في سرايرهم الساعة كذا.. أنت يا عم "جون" قولت إنك هتخرج تفسح الولاد يوم الأحد يبقى مفيش حاجة اسمها أعذار.. الأكل الساعة كذا، النوم الساعة كذا، الخروج الساعة كذا، وهكذا.
طيب وهو مين يزعل من النظام؟.. "جون"!.. رغم اعترافه بمحبته لـ "مارجوري" لكن مع الوقت بدأ يتخنق.. اللي زود الطين بلة كمان إن الأمر امتد للجيران.. يعني مثلًا اتنين جيران متجوزين يتخانقوا.. فيجروا على بيت "جون"، و"مارجوري" عشان يخلوهم يحكموا ما بينهم.. فـ "مارجوري" تقول الحق وإن الزوج مثلًا هو اللي غلطان فطبعًا الزوج يزعل رغم إن "مارجوري" قالت الحقيقة.. لما يتصالحوا الزوجين بتفضل حتة غيظ من الجار الزوج تجاه "مارجوري" ويبدأ يسخن جوزها "جون" عليها!.. اللي هو يقول له كده برضه يا عم "جون" بدل ما مراتك تكون محضر خير ما بيني وبين مراتي تقوم تولع الدنيا!.. فـ "جون" يتكسف رغم إنه لو قال للجار إن مراتي "مارجوري" ماقالتش غير الحقيقة كان الموضوع هيخلص.
المهم إن شخصية "مارجوري" خلّت معظم اللي حواليها سواء جيران أو "جون" شايلين منها بسبب حقانيتها ونظامها!.. وصل الأمر إن أوقات كتيرة كان "جون" بيقول بصوت عالي قدام مراته إنه نفسه إنها تموت!.. مش بيقولها بهزار لكن بيقولها بلهجة جدية!.. اللي هو إمتى تموتي وتريحينا لإن وجودك بقى عبء كبير عليا وعلى ولادك وعلى كل الناس!.
الغريب إن سخافة الأمنية بقت منتشرة حتى بين الجيران اللي كلهم بقى على لسانهم جملة: إمتى "مارجوري" تموت بقى؟.. يعني يا ولاد اللذين لمجرد إن الست بتقول الحق تتمنوا إنها تموت!.. خلاص بقيتوا عاشقين للكذب والتدليس والهرجلة!.
لحد ما في يوم جه دور حمى صعبة لـ "مارجوري".. سخونية مع رعشة في كل الأطراف مع هذيان فشلت معاه كل محاولات العلاج سواء من الأطباء أو حتى بطرق العلاج الريفية التقليدية وقتها.. والنتيجة؟.. بعد كذا يوم حصل سكون تام لجسم "مارجوري" مع لون جسم أزرق مع برودة أعقبه جملة من شخص من اللي بيشوفوا الحالة بتاعتها قال بحزن وأسى: "البقية في حياتكم".
ماتت "مارجوري" عشان يستريح كل اللي كانوا شايفين في موتها راحتهم.. قبل دفنها مباشرة كان فيه خاتم دهب ضخم في إيدها.. حاول "جون" والأولاد إنهم يخلعوا الخاتم بس للأسف كان ماسك في الصوباع جدًا، وبسبب رغبتهم في عدم إيذاء الجثمان سابوه في إيديها وخلاص.
اندفنت "مارجوري" في مقابر "شانكيل" في مدينة "لورغان".. بعد دفنها بساعات كان فيه اتنين حرامية نباشين قبور متعودين إنهم يفتحوا القبور عشان يسرقوا اللي فيها.. طب وهما هيلاقوا إيه يعني في أى مقبرة بعد دفن صاحبها؟.. أى حاجة.. فستان لطيف تكون المتوفية لابساه فياخدوه يبيعوه.. تاج لابساه المتوفية فياخدوه يبيعوه.. أى شيء ثمين وله قيمة يكون المتوفي موصي إنه يندفن معاه فياخدوه ويبيعوه.. كانوا حتى بيبصوا في بُق الجثث يمكن يلاقوا حد منهم مركب سنة دهب أو فضة فيبيعوها!.
المهم الاتنين الحرامية دول كانوا عارفين إن فيه سيدة اندفنت من كام ساعة فقرروا يعملوا الطلعة بتاعتهم على مقبرتها وحصل فعلًا.. فتحوا المقبرة والصندوق اللي "مارجوري" فيه وفتشوا مالاقوش حاجة غير الخاتم الدهب الضخم اللي في صوباعها.. قرروا ياخدوه وكده كده مفيش أحلى ولا أغلى من خاتم دهب يعني.. حاولوا يخلعوه من إيديها.. فشلوا.. حولوا أكتر.. فشلوا أكتر.. طب والحل؟.. نقطع الصوباع نفسه.. كان معاهم شاكوش راحوا ضاربين بيه نهاية الصوباع فاتقطع وفي اللحظة فاقت "مارجوري" وصرخت من الألم!.. الاتنين حرامية واحد منهم وقع مات في لحظتها من الصدمة والتاني قام طلع يجري وهو مرعوب.. قامت "مارجوري" اللي كانت بتصرخ من الألم واللي واضح إنها كانت في غيبوبة ومش مدركة هي فين ولا إيه اللي حاصل وطلعت تجري وهي بتحاول توقف نزيف صوباعها بأى شكل.. وصلت لـ بيتها اللي كان قاعد فيه أولادها وجوزها "جون" وبعض الجيران اللي كانوا لسة المفروض في حالة الحزن والحداد عليها.. خبطت الباب.. رغم إن الخبطات كان خبطات عنيفة وسريعة بسبب رعبها لكنها كانت خبطات مميزة.. "جون" انتبه وبص لأولاده ولجيرانه وقال لهم: (لو كانت أمكم على قيد الحياة لأقسمت بأن هذه هي طرقاتها).. قال الجملة وقام يفتح الباب فشاف قدامه مراته بلبس الدفن وشعرها منكوش وصوباعها بينزف فوقع مات في لحظتها من رهبة الموقف!.. هو بس؟.. لأ.. اتنين كمان من إجمالي 5 جيران كانوا قاعدين وقعوا ماتوا بسبب توقف قلبهم من الصدمة والغريبة إنهم كانوا أكتر اتنين جيران بيتمنوا موت "مارجوري"!.. بعد ما فاق اللي باقيين على قيد الحياة من اللي حصل كملوا حياتهم عادي ومنهم "مارجوري" اللي اتجوزت تاني وخلفت تاني وبقت عايشة مع جوزها الجديد وأولادها الجُداد والقُدام حياة لطيفة فيها نظام، وترتيب، ودقة في كل التفاصيل عشان تثبت لكل اللي عارفها إن موت إنسان أو نهايته هي أمر آلهي بحت مفيش مخلوق له دخل فيه.. عاشت "مارجوري" مدة طويلة بعد الموقف ده لحد ما ماتت بجد المرة دي وتم دفنها وكتبوا على قبرها جملة (عاشت مرة، ودفنت مرتين).
* مفيش مخلوق بشري بإيده نهاية حياتك، أو أحلامك، أو تعطيلك.. الناس تدبر زى ما تدبر وتخطط زى ما تخطط لكن في النهاية رغبتهم، وخططهم، وحقدهم هيقفوا عند حدود إرادة آلهية بتحميك بقوة يقينك في كلام ربنا سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾.. الكون مش ماشي سبهللة، ولا على مزاج الناس.. اللي بيخاف من ربنا لا تخاف منه ولا تخاف عليه.