عزيزي النمرود
فات على أحداث القصة دي حوالي 11 سنة.. في أيام الجامعة كانت قصة حب "إيهاب"، و"إيمان" واخدة معظم العيون رغم وجودنا وقتها في مجتمع صعيدي متحفظ، كان بيكون حذر شوية في إظهار النوعية دي من العلاقات.. اللي هو نادر جدًا إنك تلاقي ولد وبنت بيعلنوا ارتباطهم غير الرسمي بين أصدقائهم وزمايل الدراسة.. بس "إيهاب"، و"إيمان" عملوها.. خلاص الجامعة كلها بطلابها بأساتذتها بعمالها بقوا عارفين إن فلان لفلانة وإن ارتباطهم الرسمي بالخطوبة هي مسألة وقت مش أكتر.. استمر الوضع ده من سنة أولى لسنة ثالثة لحد ما قرر "إيهاب" ياخد خطوة ويكلم والده على الأمر خوفًا من إن حد تاني يسبقه ويتقدم للبنت.
أسرة "إيهاب" كانوا عايشين في المحافظة نفسها.. آه ليهم جذور بقرية من القرى التابعة للمحافظة بتاعتنا، وهي القرية اللي فيها أرضهم بس نشأة الوالد وأولاده اللي منهم "إيهاب" كانت في المدينة، وعلاقتهم بالقرية كانت مقتصرة على زيارات الواجبات سواء العزاء، أو الأفراح، أو في الأعياد.. على العكس كانت أسرة "إيمان" هما سكان قرية من القرى المتواضعة في نفس المحافظة.. والدها راجل مزارع بسيط لكن ورغم بساطته قدر يعلم البنتين والولد ويصرف عليهم كل اللي في مقدرته لحد ما ربنا قدرّه يدخلهم كلهم كليات كبيرة ومحترمة.. والحقيقة إن النقطة دي هي مربط الفرس!.. مكان السكن!.. والد "إيهاب" رفض رفض قاطع ارتباط ابنه ببنت من سكان قرية.. يعني إيه يعني؟.. أهو هو كدة زي ما سمعت، عايز تتجوز هنشوفلك بنت من بنات المحافظة أو بالكتير من مركز لكن قرية لأ.
مواجهة "إيهاب" ووالده كانت مثار حديث معظمنا في الكلية، لإنه كان بياخد رأينا ورأى كل اللي يقابله والفكرة إن كلنا كنا بنقول معظم الردود!.. الموضوع محتاج شوية مناهدة وصبر ورخامة منك لحد ما تقنعه.. أصل مفيش حاجة بتيجي بالساهل.. بس بصراحة استقباله لكلامنا كان استقبال المستسلم، وكإنه كان راضي بالوضع تماما ولسان حاله بيقول "يعني هعمل إيه لأبويا!".. حالة استغراب تامة صابتنا كلنا لإننا كنا منتظرين منه رد فعل أقوى في الدفاع عن حبه اللي كلنا شاهدين عليه بقالنا 3 سنين ونص.. لكن لا حياة لمن تنادي.. وواضح إن اللي وصل لنا وصل لـ "إيمان" برضه وكان باين على ملامحها.. شعور كبير بالخذلان خلّى البنت مطفية وكبرت فوق عمره عمرين تلاتة على الأقل.. زاد الطين بلة قرار والد "إيهاب" إنه يجوزه بنت صديقه وجاره والأغرب كان موافقة "إيهاب" الفورية!
في وقتها كلنا فهمنا معنى جملة إن الحب محتاج شجاعة وإنه بدونها شيء مايع مالوش اسم.. والنتيجة؟.. "إيهاب" اتجوز بنت صديق والده، و"إيمان" أضربت عن الجواز بشكل عام.. حتى لما اتقدم لها في نهاية سنة رابعة صديق محترم مفيش شيء يعيبه خالص رفضته بأدب وكإنها قررت تكمل باقي حياتها كدة.. ده اللي إحنا كنا شايفينه.. طب واللي كان حاصل من ورانا؟.. إن "إيهاب" اتفق مع "إيمان" وأقنعها إنها تنتظره لحد ما يحقق لوالده أمنيته ويتجوز البنت اللي هو رشحها على أساس إنه بعد فترة من الجواز هيطلقها وهيرجع يكلمه تاني في موضوع "إيمان"!.. أيوا للأسف هو ده اللي حصل، وللأسف أكتر "إيمان" صدقته ومشيت وراه وفضلت ترفض عرسان مايتعيبوش من كل شكل ولون انتظارًا لكلمة ووعد "إيهاب" اللي جوازته تمت ومشيت.. محبة "إيمان" له كانت هي اللي بتحركها وبتخليها تقبل بالشيء الشاذ غير المنطقي على أمل اللُقا يتحقق.
تمر الأيام ووراها 3 سنين ويتوفى والد "إيهاب" اللي كان العقبة الرئيسية في حياة ابنه ويقرر "إيهاب" إنه يرجع لحب عمره القديم اللي كانت منتظراه.. بس رجع لها بشرطين!.. الشرط الأول إنه مش هيطلق مراته زى ما كان واعد "إيمان".. والشرط التاني إنه هيتجوزها في السر!.. جواز رسمي وكل حاجة بس في السر، في محافظة تانية خالص بيسافر لها 3 مرات في الأسبوع بسبب ظروف شغله.. طبعًا "إيمان" مش هتوافق.. لأ للأسف وافقت.. والسبب؟.. الحب وسنينه الله يخرب بيته.. تتقسم حياة "إيهاب" لنصين.. حياته مع مراته الأولانية اللي كانت صعبة بشكل ملحوظ بسبب عدم إنجابهم فكانت عصبيتها على أتفه الحاجات هي اللي بتتحكم في الأمور.. وحياته مع "إيمان" اللي كانت بالمعني الحرفي للكلمة "قايدة صوابعها العشرة شمع" عشان تسعده.. هو نفسه ماكنش بيلاقي نفسه ولا راحته غير في الـ 3 أيام اللي بيقضيهم مع "إيمان".. الشهادة لله إن "إيهاب" جاتله أكتر من فرصة إنه يطلق مراته بسبب كتر المشاكل بينهم لكنه وللأسف وبسبب إنها مسنودة على قرشين ولإن وضع والدها كان مديله هو كمان وضع اجتماعي معين ماكنش بياخد الخطوة.. ده مراته كذا مرة أصلًا طلبت منه الطلاق وهو للأسباب اللي فاتت كان بيرفض!
تمر الأيام ويشاء ربنا إن "إيمان" تبقى حامل.. فيطلب "إيهاب" منها إنها تنزل الجنين عشان مش عايز يجرح مشاعر مراته الأولى!.. طب ما هي مش عارفة إنك متجوز أصلًا!.. لأ ما هي مسيرها تعرف ولما تعرف إني متجوز بس أحسن ما تعرف إني متجوز ومخلف كمان.. هنا يادوب بتبتدي "إيمان" تبص للوضع بشكل مختلف.. اللي هو أنا كسبت إيه وخسرت إيه من علاقة مستمرة بقالها حوالي 9 سنين!.. أنا دايمًا منتظرة الأوامر.. بعمل أكتر من اللي مطلوب مني وحولت نفسي لأداة مهمتها بس انبساط ورضا الطرف التاني.. طب وهو عمل إيه؟.. اتجوز واحدة مش بيحبها عشان يرضي أهله.. خلاني انتظرته فترة طويلة حارمة نفسي من كل حاجة حلوة لحد ما تيجي الفرصة ويحن ونرجع لبعض.. ولما رجعنا بقى يقابلني زى الحرامية على فترات متقطعة، ورغم إني وافقت نتجوز في السر ورغم إني مش مقصرة في أى حاجة ورغم إني استحملت نصيبي من عصبيته اللي هي رد فعل لعصبية مراته التانية عليه لكن كمان هيحرمني من طفلي اللي منتظراه بقالي زمن؟.. لأ.. كانت دي النقطة المفصلية في علاقة الاتنين واللي على أساسها قررت "إيمان" إنها تبعد.
كتبت جواب لـ "إيهاب" وقالتله فيه إنها هترجع بيت أسرتها وإنها مش هتقدر تنزل الطفل وإنه محبته في قلبها هتفضل زى ما هي، رغم إنها واخدة على خاطرها منه بسبب عدم تقديره ليها، وإنه لما يحس إنه عايز "إيمان" ومحتاجها في حياته هيلاقيها قبل ما يحس حتى وإنه جرب ده أكتر من مرة قبل كدة بنفسه.. جواب كان مكتوب بمشاعر واحدة حبت حب حقيقي وكانت ومازالت شارية لحد آخر لحظة.. أسرة "إيمان" كانوا في قمة السعادة برجوع بنتهم ليهم خصوصًا إنهم كانوا رافضين الجوازة دي من أولها أصلًا.. وخصوصًا والدها وأخوها اللي اعتبروا الموضوع انتصار ليهم ورجوع بنتهم لعقلها قبل بيت والدها.. على الناحية التانية كان "إيهاب" هيتجنن لما شاف إن "إيمان" اللي فاكرها مضمونة سابته ومشيت وكسرت كلمته!.. وبقى في مواجهة مباشرة مع مشاكل وعصبية مراته الأولى ومعندوش مكان يهرب منها له زى أيام جوازه من حب عمره.
ساء الوضع أكتر وأكتر وبدأت بطن "إيمان" تكبر عشان تعلن للناس عن قُرب وصول طفل جميل للحياة.. بالمناسبة.. "إيمان" كانت قررت وهي في الشهر الرابع من الحمل إنها ترجع الكلية تاني، عشان تعمل دراسات عليا خصوصًا إنها كانت طالبة متفوقة وحبها لـ "إيهاب" سحبها من شغفها بالتعليم، لكن أما وإنها رجعت تاني لبيت والدها فميش مانع ترجع تاني للدراسة وعملت كده فعلًا.. في يوم وصل الحال بـ "إيهاب" إنه حس بشلل تام في حياته لغياب "إيمان".. مفيش حاجة ليها طعم.. فقرر إنه يكلمها عشان يتقابلوا وكان واثق من قدرته على إقناعها بالتراجع عن موضوع الخلفة.. رهانه على محبتها له كان كبير.. كلمها.. اتفقوا.. اتقابلوا في كافتيريا الجامعة بعد ما هي خلصت فترة وجودها في المكتبة للتحضير للدراسات العليا بتاعتها.. النقاش احتد ما بينهم وكان هو السبب في ده لدرجة إنه فجأة وبدون مقدمات وبدون ما يحس وعلى عكس شخصيته، قام وضربها في بطنها ضربات عنيفة متتالية وسابها ومشي وسط ذهول كل اللي كانوا حواليهم!.. والنتيجة؟.. نزيف حاد وسقوط للجنين وحالة مرضية واكتئاب لـ "إيمان" استمروا سنة كاملة، وقبلهم القبض على "إيهاب" وحبسه بتهمة إجهاض زوجته عشان تنتهي واحدة، من أكتر قصص الحب المصرية قسوة واللي طلت فيها النمردة في كل تفاصيلها بمنتهى البشاعة.
فيه إنسان عاقل يسيب الدهب وعينه تروح على الفالصو؟.. فيه حد يهرب برجليه من مكان فيه راحته عشان يرمي بنفسه في المجهول؟.. للأسف أيوا فيه.. عمري ما أتمني أكون من اللي ربنا قال عليهم: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾.. الناس اللي عن عمد أو حتى عن جهل بيتخلوا عن الشيء أو الشخص اللي مايتعوضش عشان ياخدوا اللي فيه منه كتير!.. طبع النمردة موجود في كتير من البشر للأسف.. فلان من دول يبقى في إيده حتة ألماظ متمثلة في صديق أو حبيب شايله من على الأرض شيل ويتمناله الرضا يرضى بس من عمى قلبه، وغشاوة مخه تلاقيه بيعامله معاملة زي الزفت مايعاملهاش للغريب، ويفضّل عليه شخص تاني مافيهوش حتى ولو 1% من الأولاني!.. تبقي عايز تمسك فلان ده من رقبته وتهزه وتصرخ فى وشه: (أنت بتسيب مين عشان مين يا غبي!).. أتمنى ربنا يخلّيني من اللي بيعرفوا يختاروا صح.. يندموا أقل.. أتمنى يخلّيني أعرف قيمة "الحاجات"، و"الناس" صح، في التوقيت الصح، وأشوفهم بـ النظرة اللي مايكونش بعدها ندم أو تأنيب ضمير على شخص أو فرصة ضاعوا عشان ماحستش بقيمتهم في وقتها.