الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

أتسمعني؟

الجمعة 12/يوليو/2024 - 02:45 م

• علاقتي بوالدي الله يرحمه زادت قوتها مع قُرب غيابه عن الحياة.. كانت علاقة متينة من وقت الطفولة صحيح لكن المتانة دي كانت بتزيد بشكل مضاعف ومتواصل على مر السنين لحد ما وصلت لذروتها قبل الوفاة بأيام قليلة.. كنت محظوظ بوجود أب قادر يسمعني في كل وقت ومهما كانت ظروفه المهم إني أكون عايز أتكلم.. تخلصي من رواسب أول أزمة عاطفية، وخروجي من دايرة الاكتئاب وقتها كانت بسببه هو لما دخل عليا أوضتي بسبب ملاحظته لغيابي عن ميعاد الغداء اللي كان بالنسباله شيء مقدس!.. تامر فين؟.. رجع من الكلية دايخ شوية وشرب حاجة دافية ودخل ينام شوية!.. والدي سأل، ووالدتي جاوبته.. بس واضح إن الإجابة ماكانتش كافية عشان تقنعه فقام وساب الأكل ودخل عليا الأوضة رغم اعتراض والدتي اللي حاولت تمنعه لما قالت: حرام عليك بلاش تصحيه هتلاقيه في سابع نومة دلوقتي!.. لكنه في النهاية كمل وعمل اللي في دماغه.. في التوقيت ده في الكلية كنت بحب واحدة زميلتي وكان الموضوع متبادل.. حب عيالي لما بفتكره دلوقتى بضحك، وبستغرب نفسي إني حتى والله ما فاكر اسم البنت!.. بس فجأة وبدون أي مقدمات البنت اتجوزت.. الأمر كان صادم وغادر لواحد مراهق كان فاكر إنه لقى الحب الحقيقي!.. رجعت البيت وقفلت على نفسي وقولت لوالدتي الحجة الخايبة اللي هي صدقتها وقالتها لوالدي وكنت بعيط من الزعل اللي كنت فاهم إنه نهاية العالم.. دخل والدي وسألني.. أنكرت.. ضغط عليا.. صممت على الإنكار وإن مفيش حاجة.. ضغط أكتر فاتكلمت، وحكيت له الموضوع من أوله.. المضحك إني لسه فاكر بالظبط شكل القعدة بتاعتي وبتاعته وأنا بحكي رغم إني مش فاكر اسم البنت!.. يمكن لإن اللحظة دي كانت من الصدق اللي مينفعش معاها نسيان.. كنت حاضن أبويا وراسي على صدره وهو دقنه فوق راسي وبحكي وأنا بعيط.. قد إيه؟.. ساعة ونص كاملين!.. بيسمع بس، وأنا بتكلم بس.. كإن حِمل تقيل اتشال من على صدري.. الأغرب هو الرد بتاعه عليا بعد ما سمع ده كله.. قال: (بس كده!، أنا كنت فاكر الحكاية أكبر من كده!).. قالها بلهجة مرحة، وكمل كلامه بجدية وقال: (هسألك سؤال وترد عليا بـ آه أو لأ، لا أكتر ولا أقل: هل أنت قصرت؟).. رديت: (لأ والله بالعكس كنت كويس لآخر لحظة وكنت جد وناوي أكلمك لما ندخل سنة تانية وأتقدم لها).. سألني: (كنت بتتعامل بشكل غير اللي في نيتك؟).. رديت: لأ.. قال لي: (وأنت اللي زعلان!، هي الدنيا اتقلب ميزانها وبقى اللي يزعل دلوقتي اللي ماقصرش!، بص يا ابني الفيصل في أي علاقة أو تعامل مع أي حد إنك تسأل نفسك سؤال واحد بس وترد عليه رد واضح بدون لف ولا دوران "قصرت، ولا عملت اللي عليك لحد الآخر" لو مفيش تقصير يبقى المفروض مايكونش فيه زعل).. الكام كلمة دول اللي لسه محفورين في قلبي مش مخي، وبعدهم قعدات تانية أكتر اتكلمنا فيها عن مشاكل في شغلي، ومشاكل مع أصدقاء، وغيره وغيره وغيره كان عم عبده بيبقى هو رمانة الميزان اللي بيرجع كل حاجة لطبيعتها تاني ويرسيني للصح.. مع الوقت بقيت مدمن لقعداتنا سوا.. مطمئن.. حاسس إن ليا ضهر عمره ما هيفهمني غلط، وهيسمعني للنهاية بدون ما يحكم عليا من اللي ظاهر عليا أو من العنوان.. الموضوع ماكنش مجرد كلام حكيم وناضج بيقوله أب لابنه فبيفتح لي عقلي لزوايا ماكانتش على بالي وبيخليني أتقبل الأمر.. لأ.. الأساس إنه كان بيسمعني.. مجرد سماعه ليا هو ده بداية راحتي.. عظمة والدي الله يرحمه، وعظمة أي إنسان حقيقي وصادق في قدرته إنه يسمع بقلب في الوقت الصح.

• المدرس الكيني "ميجيدو زولا" بيحكي في واحدة من قسم القصص الإنسانية في جريدة "نيويورك تايمز" واللي نشرتها برضه بعد كده الكاتبة "لويز هاى" في أحد كتبها، وبعدها الكاتبة "شيرى كارتر سكوت" في أحد كتبها برضه -(مع زيادة بعض التفاصيل أو نقصها في الـ 3 مصادر)- عن إنه في يوم كان مشرف على رحلة مدرسية مع مجموعة من الطلبة في الصف الابتدائى عشان يزوروا جبل "كيليامانجارو" واحد من القمم الأفريقية المشهورة.. عدد الأطفال اللي كان "ميجيدو" مشرف عليهم كان ضخم جدًا.. بمجرد ما صعدوا على جزء من قمة الجبل وكانت منطقة مسطحة وفيه خضرة وبراح؛ العيال طلعوا يجروا في كل مكان.. وهو بيتابع بمنتهى الحب العيال بنظره وهما بيلعبوا.. "ميجيدو" أصلًا كان فيه مساحة ودّ بينه وبين الطلبة أكتر من أي مدرس تاني في المدرسة بسبب إنه بيشاركهم كل لحظاتهم وتفاصيلهم بره الدراسة!.. يقعد يتكلم معاهم ويتعامل مع أمورهم اللي جايز تبان أمور طفولية مالهاش قيمة بمنتهى الاهتمام، والإنصات.. هما بيتكلموا في أمر معين يبقى الأمر ده مهم بالنسبالهم يبقى بالتبعية برضه لازم أكون في قمة تركيزي.. باقى المدرسين مش كده بقى!.. على قد وقت الحصة بالثانية، والشرح بمنتهى الاستعجال، أو بالضرب في أحيان تانية؛ ماكنش الطلبة بيشوفوا منهم غير كده!.. ويمكن ده كان سبب إن لما إدارة المدرسة قررت تطلع الرحلة دي مالقتش حد عنده استعداد يبقى مشرف غير "ميجيدو" اللي وافق فورًا وبدون تفكير، وده خلّى حتى عدد الطلبة اللي عايزين يطلعوا الرحلة يتضاعف من حبهم فيه.. أثناء متابعة "ميجيدو" للعيال فجأة لقى ست عجوزة جدًا ووشها مكرمش ماشية بمنتهى البطء شايلة على راسها لفة هدوم -(بؤجة)- ومتعكزة على عصاية ولابسة جلابية بسطية وخُف بلاستيك في رجليها!.. كان واضح إنها مسافرة مشى وشايله فوق راسها كل اللي بتمتلكه من الدنيا.. مرت من جنبه ووقفت تريح شوية وتتابع منظر العيال وهما بيلعبوا.. قالت له وهى بتشاور عليهم: (كل هؤلاء أطفال!).. "ميجيدو" رد: (نعم).. سألته:  (كم عددهم؟).. إبتسم وقال: (40).. الست بصت له بإندهاش وصرخت صرخة تعجب وقالت: (بارك الله في صحتك يا ولدي).. "ميجيدو " شاور بإيده كإنه بينفى تهمة وقال وهو بيضحك: (ليسوا أبنائي بالطبع يا سيدتي).. الست قالت: (ولكنك مسؤول عنهم وتحبهم بالتأكيد).. رد وهو بيتابعهم: (طبعًا).. سألها عن عمرها.. ردت وهى بتضحك: (ضعف عدد تلاميذك).. قال وهو بيبتسم: (حقًا لقد منَ الله عليكِ بالعمر الطويل يا أمي).. دردشوا مع بعض وعرف منها إنها جاية مشى من قرية بعيدة بمسافة عن المكان اللى هما واقفين فيه ولسه رايحة لقرية تانية بعيدة برضه!.. قال: (يبدو أنكِ في رحلة هامة جدًا حتى تضيعي كل هذه الأيام والصحة من أجلها).. ردت وقالت له إن جوزها مات من 30 سنة كاملة وإنه مدفون في القرية اللي هى رايحاها دي.. سألها وهو بيشاور على البؤجة فوق راسها: (ولكن يبدو أنها هجرة إلى هناك وليست مجرد زيارة لقبر، هل أنتِ وحيدة؟).. ردت: (بالعكس عندي 9 أبناء و21 حفيد وكلهم حولي).. "ميجيدو" استغرب وسألها عن سبب قرارها بالسفر.. ردت عليه وهى ماشية وبتكمل طريقها بدون ما تبص عليه وبتشوح بإيدها إنها من وقت وفاة جوزها ورغم وجود العدد ده من الأحفاد والأولاد لكنها وحيدة.. مع إنهم بيحبوها لكن محدش منهم بيسمعها زى ما كان جوزها بيعمل ودي كانت أهم ميزة فيه وعشان كده هى قررت إنها تروح تقضي اللي باقي من عمرها جنب قبره عشان تفضل تحكيله، وهو يفضل يسمع!.

• تقدر تكسب قلب أي شخص بسهولة لما تقرر إنك تسمعه بدون حتى ما تقدم له حلول.. هو مش عايز منك لا حل، ولا رد، ولا حكم غير بس مجرد سماعك له في لحظة ضعفه لما يكون عايز يتكلم وهتبقى دي أهم خدمة تقدمهاله.. اللي داق حلاوة إنه يتسمع بتهون عليه الكلمة لما تتحبس.. جايز ننسى اللي تعمدوا يقفلوا ودانهم وقلوبهم قصاد حكاوينا اللي عايزين نفضفض لهم بيها لما كنا فاكرينهم قريبين، لكن الأكيد إن كل اللي سمعنا في لحظة ضعف بقى له من المكانة والغلاوة اللي مش لحد.. الشاعر "جبران خليل جبران" قال: (إذا صمت صديقك ولم يتكلم فلا ينقطع قلبك عن الإصغاء إلى صوت قلبه).

تابع مواقعنا