راحت الغسالة
سارة شابة أمريكية عندها 31 سنة وبتشتغل جرسونة في مطعم في كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية.. عايشة لوحدها مع بنتها اللي عندها 9 سنين بعد انفصالها عن جوزها بعد سلسلة من الخلافات اللي ماقدروش يستحلموها سوا فكان القرار الأفضل من وجهة نظر الاتنين إن كل واحد فينا يعيش لوحده وننفصل.
بس سارة صممت إن البنت تكون معاها هي على أساس إنها ست عاطفية جدًا وعايزه ونس في حياتها ودي كانت نقطة الخلاف الرئيسية بينها وبين جوزها بالمناسبة اللي كان دايمًا بيبص على الأمور من منظور عملي جاف شوية.. عايزة البنت تعيش معاكِ؟.. تمام براحتك بس ليا شرط.. اتفضل.. أنا هكون عايز أقعد في الشقة بتاعتنا لإنها قريبة من شغلي فياريت تشوفيلك أنتِ مكان تاني تقعدي فيه أنتِ والبنت.
سارة ماكنش عندها مشكلة لو في المقابل هيتم موضوع الانفصال ده.. بالفعل أخدت بنتها وراحوا قعدوا في شقة صغيرة جدًا والجميل إنها كانت قريبة من المطعم اللي هي بتشتغل فيه واتفقت هي وبنتها اتفاق.. البيت الجديد بتاعنا ده عبارة عن كام متر في كام متر فاضيين بس إحنا بعون الله واحده واحده هنقدر نعمره ونخليه جنة.. هنحوش من مرتبي وهنقلل من الحاجات اللي بنشتريها قدر الإمكان لحد ما نجيب كل اللي نفسنا فيه خصوصًا إن جوزها المحترم أخد الشقة القديمة بكل الأجهزة.
البنت وافقت تخوض التحدي مع أمها وابتدوا حياتهم الجديدة سوا بناءً على المعايير الجديدة اللي كانوا قدها بصراحة.. جابوا التليفزيون.. جابوا كمان التلاجة.. شوية وقدروا يجيبوا عربية صغيرة جدًا نص عمر.. كان فاضل لهم من الأساسيات بتاعتهم الغسالة ويمكن كانوا مقررين يأجلوا خطوة شرائها بعد الأجهزة التانية بسبب إنهم كانوا بيغسلوا هدومهم عند جارتهم بس خلاص بقى المثل بيقول إذا كان حبيبك عسل.. لازم نجيب غسالة.
وبدأ التحدي الجديد، والتحويش الجديد.. غسالة جديدة بمعايير الفترة الزمنية دي في أمريكا كانت هتعمل حوالي 200 دولار.. سارة حوشت منهم بالفعل 100 وخلاص بقى فاضل خطوة على آخِر حلم.. في يوم وهي بتشتغل في المطعم دخل راجل عجوز، ومراته متعكزين على بعض وكان واضح من لبسهم إنهم على قد حالهم، ورغم كده لكن اتنين كان شكهلم في قمة اللُطف.. قعدوا على ترابيزة وراحت لهم سارة عشان تديهم المينيو وهي مبتسمة بود حقيقي.
الراجل ابتسم وطلب منها إنها تقرب منه عشان يقول لها حاجة بصوت واطي.. وطت فعلًا وقال لها بصوت خجول إن ياريت هي اللي تختارلهم على مزاجها آكلة تكفي شخصين وسعرها مايزيدش عن 27 دولار بالكتير لأن فلوس المعاش اللي بيقبضها متأخرة عليه بقالها فترة وهو متعود هو ومراته يخرجوا ياكلوا بره كل شهر مرة.
سارة استقبلت الكلام بصدر رحب وقالت للراجل ماتقلقش.. راحت وجابت لهم آكلة تكفي شخصين بنفس السعر اللي هو طلبه بالظبط واتوصت بيهم كمان فأكلوا وانبسطوا.. لما جابت لهم الفاتورة وفتحوها لقوا فيها ورقة مكتوب فيها إن الآكلة دي هدية من سارة والـ100 دولار الموجودين مع الفاتورة دول ليهم هما برضه عشان تسندهم لحد ما معاش الراجل ينزل!.
يعني سارة دفعت من جيبها 127 دولار!.. الـ100 اللي شايلاها على جنب + الـ 27 قيمة الوجبتين!.. الراجل ومراته استغربوا وبصوا على "سارة" اللي كانت واقفة بعيد بس باصة عليهم وهزت لهم راسها بمحبة وهي مبتسمة فمكانش منهم هما كمان غير إنهم بادلوها نظرة الشكر والامتنان.
بمجرد ما خلص الموقف وخرج الزوجين من المحل قربت صديقة سارة وزميلتها في المحل منها وعاتبتها وسألتها إيه اللي أنتِ عملتيه ده!.. فيه حد يضحي بحلمه اللي عمال يحوش في ثمنه بقاله فترة عشان يدى فلوسه لناس مايعرفهاش!.. يعني كان كفاية تعزميهم على الأكل لكن ليه الـ100 دولار كمان!.
سارة اللي زي ما قولنا عليها قبل كده مش بيحركها غير عاطفتها ردت على زميلتها إنها كده مرتاحة أكتر وحاسة إنها كانت سبب في سعادة غيرها وده سبب كافي من وجهة نظرها لسعادتها هي برضه.. زميلتها مش تسكت بقى.. لأ.. فضلت طول اليوم ولحد قُرب نهاية الوردية بتاعتهم عتاب، ولوم، وتأنيب، وملامة بكلام زى السم يهد نفسية أجدعها حد، وبصراحة سبحان اللي خلّى سارة تستحمل وتكمل الكام ساعة دول وهي بتسمع الكلام الدبش ده.
قبل نهاية الوردية بـ 10 دقايق جه تليفون لـ سارة من والدتها!.. استغربت لإنها مش متعودة على اتصالات منها دلوقتي!.. ردت.. والدتها سألتها: إيه اللي أنتِ عملتيه ده يا بنتي؟!.. سارة سألتها عملت إيه بس.. وهنا حكت لها والدتها اللي حصل.. الموضوع وما فيه إن الزوج والزوجة وبمجرد خروجهم من المطعم حطوا على فيسبوك صورة الورقة اللي كتبتها ليهم سارة مع الفاتورة.
البوست والصورة انتشروا انتشار رهيب في خلال كام ساعة وبقى فيه تريند بطلته سارة جرسونة المطعم الفلاني الجدعة المحترمة الذوق.. تاني يوم حصل الشيء المتوقع.. هجوم من الصحافة والإعلام على المطعم وعشرات اللقاءات مع سارة عشان يسألوها عن موقفها الإنساني النبيل وهي كانت متلخبطة ومش عارفة تعمل إيه ولا ترد تقول إيه خصوصًا إنها شايفة تصرفها عادي.
يشاء ربنا إنها وبسبب الدوشة دي تطلع ضيفة مع المذيعة الأمريكية الأشهر أوبرا ويفري في برنامجها.. قبل ختام الحلقة تقرر إدارة البرنامج إنها تهديها غسالة حديثة هدية وتليفزيون ومبلغ 10 آلاف دولار.. بس كده؟.. لأ.. كمان فيه شركة إليكترونيات إدتها قسيمة مشتروات بقيمة 5 آلاف دولار.. بس كده؟.. لأ برضه.. كمية كبيرة من المحلات والمتبرعين قدموا ليها هدايا سواء مادية أو عينية عشان يوصل إجمالي اللي وصل لها 100 ألف دولار!.. رقم ضخم ماكنش في أصعب أحلامها لكنه اتحقق وجالها لحد عندها بدون تخطيط منها لسبب بسيط وهو إنها مافكرتش مرتين وانتصرت لإنسانيتها وعاملت ربنا مش الناس.
لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ.. حكمة العطاء وجوهره الحقيقي مش إنك تطلّع من جيبك اللي أنت مش محتاجه، لكن إنك تطلّع اللي أنت محتاجه بس فيه غيرك محتاجه أكتر منك.. ومش في الأمور المادية بس لكن المعنوية كمان أهم.. مشاعر، محبة، تقدير.. زى ما عايز غيرك يعاملوك عاملهم.. زى ما بتنتظر السؤال منهم ياريت تسأل أنت برضه عنهم.. ياللي عايز تقدير هل أنت نفسك قدرتهم؟.
ياللي زعلان من تصرفهم العنيف هل جه في بالك إن ده رد فعل منهم على فعلك الأساسي اللي كان أكتر عنف وقسوة؟.. بأمارة إيه بتكون منتظر أكتر من اللي بتديه!.. مهما حاولوا يأنبوك أو يعاتبوك أو يحبطوك هتفضل المعادلة بسيطة وواضحة بس إحنا اللي بنلف وندور حواليها: اللي بيخرج من القلب وبنية خالصة لله ومتغلف بالمحبة بيرجع أضعاف مضاعفة.