الجمعة 22 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

المفتي: الحوار الإنساني أساس التعايش السلمي ومفتاح الاستخلاف في الأرض

الدكتور نظير عياد
دين وفتوى
الدكتور نظير عياد
السبت 21/سبتمبر/2024 - 12:35 م

ألقى الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، كلمةً رئيسية في فعاليات المنتدى الإسلامي العالمي المنعقد في موسكو، حيث ركز المفتي في كلمته على أهمية الحوار الإنساني كأداة أساسية لتحقيق التعايش السلمي بين الشعوب، مشددًا على ضرورة تبنيه كبديلٍ فعال للصراع والنزاع الذي يسيطر على أجزاء كثيرة من العالم.

مفتي الجمهورية في المنتدى الإسلامي العالمي بموسكو

وقال مفتي الجمهورية: "نجتمع اليوم بهدف بحث قيمة الحوار كأساس للتعايش، وهذا الموضوع تدفعنا الحاجة الماسة إلى التباحث فيه في ظلِّ ما نشهده من صراعات وحروب تتزايد يومًا بعد يومٍ، وتكثر فيها حالات القتل والتشريد والإبادة". وأضاف أن "المسؤولية الإنسانية والدينية تُحتِّم علينا دعوة البشرية للحوار كبديل للصراع، باعتباره أهم الطرق وأنجعها في القضاء على الحروب والنزاعات".

وأشار المفتي إلى أنَّ الحوار يمثِّل "أعلى درجات الإنسانية وأكرمها، وهو ما يميز الإنسان عن باقي المخلوقات"، مؤكدًا أن الحوار الإنساني "أداة التواصل الوحيدة بين البشر لتحقيق التفاهم والتعايش المشترك".

واستشهد المفتي بما قدمه الإسلام من توجيهات للحوار، حيث قال: "الحوار الذي ندعو إليه ليس مجرد كلمات، بل هو عملية تفاعلية تهدف إلى فهم الآخر واحترام اختلافاته، وهي الطريقة المثلى لتحقيق التعايش السلمي". كما أوضح أنَّ الإسلام لم يجعل الاختلاف بين الشعوب منطلقًا للنزاع، بل جعله وسيلة للتعارف والتعاون من أجل الخير.

وتحدث عن أن "الحوار الإنساني هو الأداة الأساسية لتحقيق مقصد الاستخلاف الإلهي في الأرض"، مستندًا إلى قول الله تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61]، مشددًا على أن الاستخلاف لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الحوار والتفاهم الذي يؤدي إلى التعاون والتكامل.

وتناول المفتي في كلمته دَور الحوار في بناء الحضارات، مؤكدًا أن التاريخ أثبت أن الحضارات لم تُبنى إلا من خلال التحاور الإنساني الذي أنتج حالة من التعايش السلمي وتبادل الخبرات. وأضاف: "لقد أكدت التجربة الإنسانية على أن الاختلافات بين الشعوب كانت دائمًا نقطة إيجابية أدت إلى نمو العلاقات الثقافية والسياسية بينها".

وعرج المفتي على نماذج عملية من التاريخ تؤكد دور الحوار في تحقيق التعايش، مستشهدًا بما فعله النبي محمد صلى الله عليه وسلم عند دخوله المدينة المنورة، حيث اختار تعزيز قيم الحوار والتفاهم مع غير المسلمين، متعاهدًا معهم على التعايش المشترك والسلمي.

كما أشار إلى لقاء الملك الكامل الأيوبي بالقديس فرنسيس الأسيزي عام 1219م، واعتبره نموذجًا فريدًا للحوار بين الأديان الذي حقق نتائج ملموسة في تعزيز التفاهم والتعايش.

وأكد فضيلة المفتي أن الإسلام دعا إلى الحوار وأسَّس له نظريًّا في القرآن الكريم وعمليًّا في السيرة النبوية، مستشهدًا بالعديد من الآيات القرآنية التي تدعو إلى الحوار بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة. وأوضح أن النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم حاور المسلمين وغير المسلمين بروح من التفاهم والاحترام؛ مما أسهم في نشر رسالة الإسلام بشكل سلمي.

وأضاف المفتي أنَّ الفقه الإسلامي قد قام بجهودٍ كبيرةٍ – لا حصر لها – في تعزيز مبادئ العيش المشترك، وتأطير قيم الحوار الراسخة، وإذا أنعمنا النظرَ في الكَمِّ المعرفي والثقافي الكبير الذي أنتجه لنا الفقهاء المسلمون، فسنجد الفهم الوسطي السليم في تحرير المسائل الخاصة بغير المسلمين الذين يعيشون مع المسلمين في مجتمعٍ واحدٍ، وقد حرصوا أثناء تحرير هذه المسائل على تحقيق المبادئ الإنسانية لغير المسلم، من حيث الكرامةُ، والعدالة، والمساواة، والرحمة، والبر، والإحسان، والقسط، وغير ذلك مما يسهم في تحقيق التعايش السلمي.

كما استعرض مفتي الجمهورية جهودَ دار الإفتاء المصرية في تعزيز الحوار كأداة لتحقيق التعايش السلمي، مؤكدًا أن دار الإفتاء، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبالتنسيق مع جميع المؤسسات الدينية والمجتمعية، وفي مقدمتها الأزهر الشريف، برعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، قد بذلت جهودًا كبيرة لتعزيز الحوار باعتباره حجرَ الأساس لتحقيق التعايش السلمي. وأضاف أن دار الإفتاء المصرية أصبحت رائدة في نشر ثقافة التسامح والتعايش على المستويين المحلي والدولي.

وأشار إلى أن من أهم الجهود التي بذلتها الدار في هذا الإطار تعزيزَ الفتوى الوسطية والمعتدلة، مؤكدًا أن الفتوى المعتدلة تعتبر وسيلة أساسية في نشر قيم الحوار والتعايش السلمي، والحد من الفتاوى الشاذة التي قد تثير الفوضى. كما أكد أن الدار تسعى إلى توجيه المسلمين نحو إدراك خطورة التطرف والإرهاب، وما تجره هذه الأفكار من تداعيات سلبية على المجتمع والأمن.

وفي ذات السياق، أوضح مفتي الجمهورية أن تصحيح المفاهيم الدينية المغلوطة، وخاصة فيما يتعلق بقضايا الحوار والتعايش، هو هدف أساسي لدار الإفتاء. وأكد أن الرد على أفكار المتطرفين وتفنيد حججهم يتم باستخدام الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة التي تبرهن على ضلال تلك الأفكار وفسادها، مضيفًا أن دار الإفتاء قد نجحت في كسر شوكة التطرف وتقليص نفوذ المتطرفين عبر تقديم الحجج التي تسند منهج الوسطية والاعتدال.

وأضاف المفتي أن دار الإفتاء تعمل على إبراز الجوانب المشرقة للتراث الإسلامي فيما يتعلق بعلاقة المسلمين بغيرهم، مؤكدًا أن التراث الإسلامي غني بالأمثلة التي تؤكد أهميةَ التعايش السلمي والاحترام المتبادل، موضحًا أن الرد على الشبهات التي يثيرها المتطرفون حول التراث الإسلامي هو جزء من الجهود الرامية إلى تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام.

ومن بين الجهود الكبيرة لدار الإفتاء المصرية التي ذكرها المفتي أيضًا، تأسيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، وهي مؤسسة تعزز التعاون الدولي والتواصل بين مختلف الثقافات والأديان لتحقيق السلام والاستقرار. وأكد أن حصول الأمانة على صفة الشريك الدائم في منظمة الأمم المتحدة لتحالف الحضارات هو اعتراف دولي بدور مصر في تعزيز الحوار بين الحضارات.

وتابع المفتي قائلًا إن دار الإفتاء قامت باستحداث عدد من الإدارات المتخصصة التي تركز على تعزيز قيم الحوار، ومنها "وحدة حوار" و"مرصد الفتاوى التكفيرية"، والتي أسهمت بشكل فعال في رصد ومحاربة الأفكار المتطرفة.

وقال إن دار الإفتاء من خلال الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم عملت على إنشاء الجسور الحوارية والمعرفية مع جميع بلدان العالم، بهدف التعاون والتشارك في تعزيز قيم الحوار والعيش المشترك، والتي أثمرت عقد فعالياتٍ وبروتوكولات تعاونٍ مع مؤسسات الحوار في العالم، كما أنها أسفرت عن نشرةٍ دوريةٍ شهريةٍ باسم "جسور" تهدف إلى مد جسور التواصل وتبادل الخبرات بين أعضاء الأمانة.

وفي ختام كلمته، شدَّد المفتي على ضرورة العمل المشترك بين مختلف الأطراف لتعزيز الحوار وتحقيق السلام العالمي، مؤكدًا أن الإسلام دينٌ يدعو إلى التعارف والتعاون بين البشر جميعًا.

 

تابع مواقعنا