الذهب الأحمر بالأقصر: قصة الطماطم المجففة من الحقول إلى العالمية
في قلب الصعيد المصري، حيث تلتقي أشعة الشمس الحارقة بتربة وادي النيل الخصبة، تحوّلت محافظة الأقصر إلى عاصمة عالمية للطماطم المجففة، التي باتت تُعرف باسم "الذهب الأحمر".
من صحراء الأقصر إلى العالم.. رحلة الكنز الذهبي
بفضل مشاريع تجفيف مبتكرة ودعم دولي، نجحت الأقصر في تصدير 350 طنًا من هذا المنتج عام 2023 إلى دول مثل إيطاليا والإمارات والبرازيل بقيمة تجاوزت المليون دولار. اليوم، تُسهم هذه الصناعة في تعزيز الاقتصاد المحلي وخلق فرص عمل للآلاف، خاصة للنساء والشباب.
بدايات الثورة الزراعية
تعود جذور صناعة الطماطم المجففة في الأقصر إلى عام 2020، عندما أطلقت الحكومة المصرية بالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي مشاريع لدعم المزارعين، مع تركيز خاص على تمكين المرأة الريفية. فقد تم إنشاء وحدات تجفيف شمسي في قرى مثل "البغدادي" و"الحمدات"، حيث تُشكل النساء 100% من العاملات في بعض المناشر، مما وفَّر لهن دخلًا ثابتًا وصل إلى 12 ألف جنيه سنويًا.
دعمت اليابان في عام 2024، المشروع بتمويل قيمته 90 ألف دولار لإنشاء محطة تجفيف تعمل بالطاقة الشمسية في إسنا، مما رفع جودة المنتج وقدرته التنافسية.
التكنولوجيا والتعاقدات سر الانتشار العالمي
اعتمد نجاح الطماطم المجففة على التقنيات البسيطة والفعالة: من تقطيع الثمار وتجفيفها على أسطح المنازل لمدة 3 أيام تحت أشعة الشمس الحارقة، مما يحول 10 كيلوجرامات من الطماطم الطازجة إلى كيلو واحد مجفف يُباع بـ3 دولارات في الأسواق العالمية.
كما ساهمت الزراعة التعاقدية في ضمان استقرار الأسعار، حيث تعاقد المزارعون مع المناشر على بيع المحصول بـ2500 دولار للطن، بدلًا من التقلبات المحلية التي كانت تُهدد أرباحهم.
الأثر الاقتصادي: من الفقر إلى الاستدامة
خلقت مشروعات تجفيف الطماطم فرص عمل حيث وفرت تصدير حاوية واحدة 1250 يوم عمل، وفقًا لوزارة الزراعة، كما مكنت المرأة، حيث مثلت السيدات 40% من القوة العاملة في المشروع، كما في حالة السيدة عايدة محمد، التي حوّلت منزلًا ريفيًا إلى مصنع صغير لتصدير 250 كيلوغرامًا إلى إيطاليا، كما ساهم التجفيف في تقليل الفاقد الزراعي حيث انخفضت الخسائر من 30% إلى أقل من 10% بفضل عمليات التجفيف.
مهرجان الطماطم: احتفالية تراثية تروّج للذهب الأحمر
اختتمت الأقصر مؤخرًا أول مهرجان للطماطم في الشرق الأوسط في 25 يناير الجاري، والذي هدف إلى تسليط الضوء على الإنجازات الزراعية وجذب السياحة.
و شملت الفعاليات إقامة معرض "الذهب الأحمر" لعرض صور فوتوغرافية لحقول الطماطم وتحولاتها الفنية، وورش عمل لتعليم تقنيات التجفيف وتشكيل الطماطم كقطع فنية، مثل "أسماك وطيور" من صنع الشيف محمد عبد المجيد، وًتكريم المزارعين، حيث منحتهم إدارة المهرجان رحلات عمرة لأفضل المنتجين.وصرّح المهندس عادل زيدان، رئيس المهرجان: بأن "هذا الحدث جسر بين تراثنا الزراعي واقتصاد المستقبل".
الأقصر تكتب فصلًا جديدًا في تاريخ الزراعة
من مشروع محلي لمواجهة تقلبات الأسعار إلى صناعة تُدرّ 100 مليون دولار سنويًا، أصبحت الطماطم المجففة رمزًا للتنمية المستدامة في صعيد مصر. وبينما تستعد المحافظة لتصدير أولى شحنات 2025 بأسعار قياسية (3 دولارات للكيلو)، تثبت الأقصر أن الإرث الزراعي قادر على صناعة مستقبل ذهبي.