ترامب أمريكا.. هل هو بداية سقوط الإمبراطورية؟
منذ أن تولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2016، بدا وكأن العالم يدخل في مرحلة جديدة من السياسة العالمية، كانت وعوده الانتخابية مشحونة بشحنات من التحدي والمغامرة، حيث تعهد بإعادة الولايات المتحدة إلى ما أسماه “عظمتها”، إلا أن عديد المحللين والسياسيين بدأوا في التفكير في أنه قد يكون هذا الرجل هو من سيقود أمريكا نحو طريق مظلم لا يعيدها فقط عن مكانتها كقوة عظمى، بل قد يسهم في انهيارها في المستقبل.
فهل صحيح أن ترامب، بطريقته الغريبة والجدلية في إدارة شؤون الدولة، سيخرب أمريكا ويجني عليها وعلى علاقاتها الإقليمية والدولية؟ هل يمكن أن تتخلى أمريكا عن لقبها كدولة عظمى في ظل هذه السياسات التي يبدو أنها ستترك تداعيات بعيدة المدى على مستقبلها؟
بداية، هناك مسألة العلاقة بين ترامب وإسرائيل، منذ الأيام الأولى لرئاسته، اتخذ ترامب مواقف داعمة للغاية لصالح إسرائيل، حيث قدمها على أنها الحليف الأهم للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، كان نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، بالإضافة إلى قراراته الخاصة بمساعدة الحكومة الإسرائيلية في تعميق السيطرة على الأراضي الفلسطينية، جزءًا من سياسة دعم غير مشروط.
صحيح أن هذه السياسات كانت محط إعجاب من جانب أنصار إسرائيل في الداخل الأمريكي وبعض الحلفاء في المنطقة، لكن هذه المواقف قد أوجدت انقسامات حادة في المجتمع الأمريكي نفسه، فقد اتهم البعض ترامب بتقويض السلام في المنطقة، بينما رأى آخرون أن هذه السياسات تعزز الصراع وتغذي مشاعر العداء تجاه أمريكا في العديد من أنحاء العالم، خاصة في الشرق الأوسط، هذا المزيج من التأييد والدعم لبعض القوى في المنطقة قد يجعل موقف أمريكا أكثر هشاشة في ظل تغيرات جديدة على الساحة الدولية.
الحديث عن ترامب يثير تساؤلات أكبر حول مستقبله السياسي وقدرته على إتمام ولايته، كان ترامب دائمًا ما يتعرض لانتقادات من داخل أمريكا وخارجها بسبب أسلوبه في الحكم، ما دفع البعض للتشكيك في قدرته على إنهاء فترة رئاسته بشكل طبيعي.
التوترات الداخلية في الولايات المتحدة وصلت إلى ذروتها بعد حادثة اقتحام الكونجرس في يناير 2021، والتي كانت نقطة تحول في سمعة ترامب في الداخل والخارج، ورغم محاولاته المستمرة لاحتكار السلطة، فإن التحقيقات القانونية التي طالت إدارته، والتي كانت بمثابة صراع مع النظام القضائي الأمريكي، جعلت البعض يعتقد أن مغامراته السياسية قد تنتهي بمفاجأة، هناك من يعتقد أنه سيظل يظل في السلطة حتى نهاية ولايته الثانية، لكن الواقع يعكس خلاف ذلك. قد يشهد العالم مرحلة انتقالية جديدة حيث تتحول أمريكا من قوى عظمى إلى قوة أقل تأثيرًا في النظام الدولي، وبالتالي فقد تمثل فترة ترامب نهاية حقبة هيمنة أمريكية قد دامت لعقود.
هذه التحولات لا تحدث في فراغ، بل هي جزء من تغيرات كبيرة على الساحة الدولية. النظام العالمي، الذي سيطر عليه الغرب بقيادة الولايات المتحدة طوال معظم القرن العشرين، بدأ يتعرض لتهديدات جادة. ظهرت قوى صاعدة مثل الصين وروسيا، اللتين بدأت تقدمان بديلًا للنظام التقليدي الذي هيمنت عليه القوى الغربية. الصين، على وجه الخصوص، أصبحت لاعبًا رئيسيًا في الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية، مما يهدد هيمنة الولايات المتحدة ويضعف مكانتها في نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية. بينما تتزايد النفوذ الروسي في الشرق الأوسط وبعض المناطق الأخرى، خاصة في سوريا وأوكرانيا. إذا استمرت هذه التحولات في هذا الاتجاه، فإن أمريكا قد تجد نفسها خارج دائرة الدول العظمى، وهو ما قد يعني تراجع قدرتها على التأثير في القضايا الدولية الكبرى.
في هذا السياق، تظهر دول أخرى على الساحة، متخذة مكانها في عالم جديد من التحالفات والتكتلات الإقليمية، من بين هذه الدول، تأتي مصر باعتبارها واحدة من أبرز القوى الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط.
على مدار السنوات الأخيرة، شهدت مصر تغيرات جذرية في سياستها الداخلية والخارجية، حيث أصبحت القوة الرئيسية التي يمكن الاعتماد عليها في المنطقة العربية، بفضل استقرارها السياسي، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي، ونموها الاقتصادي المتزايد، قد تجد مصر نفسها تلعب دورًا أكبر في تحديد معالم النظام العالمي الجديد، في ظل الانهيار النسبي لقوة بعض الدول الغربية، قد يكون من المتوقع أن تكون مصر جزءًا من النظام الإقليمي الجديد، بل وربما قوة عظمى إقليمية تقود حركة التغيير في المنطقة.
ومع هذه التغيرات الجذرية في المشهد الدولي، قد تظهر فرصة جديدة للدول التي لم تكن تعد في السابق من القوى العظمى. قد يترسخ دور مصر كقوة إقليمية، ويُعيد توزيع موازين القوى في المنطقة والعالم. وبدلًا من الرؤية القاتمة التي قد تصور أمريكا على أنها قد خرجت من المعادلة، فإن هناك فرصة للدول الصاعدة مثل مصر للاستفادة من هذه التحولات لصالحها.
في النهاية، ورغم كل التحديات التي قد تواجهها أمريكا، ومن ثم العالم، يبقى التفاؤل خيارًا ممكنًا. هناك من يعتقد أن الانحدار الأمريكي هو بداية لصعود دول أخرى، بما فيها مصر. كما أن التحولات التي نشهدها قد تكون خطوة نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب، يتسم بتوازن أكبر بين القوى الكبرى ويمنح الدول الصاعدة فرصة لتحقيق تطلعاتها. قد يكون هذا هو التغيير المنتظر، الذي من خلاله نجد أنفسنا أمام عصر جديد لا يهيمن فيه الغرب بمفرده، بل تشارك فيه قوى إقليمية مثل مصر في رسم ملامح المستقبل.
في عالم يعصف به التغيير والتحديات الاقتصادية والسياسية، يبدو أن النظام الدولي الذي كان قائمًا لعقود بدأ في التحول. الولايات المتحدة الأمريكية، التي لطالما كانت الرائدة في رسم معالم السياسة العالمية، تواجه تهديدات تؤثر على مكانتها كقوة عظمى. لكن في مقابل هذا الانحدار، تظهر فرص جديدة لدول أخرى لتلعب دورًا أكبر على الساحة الدولية. ومن بين هذه الدول، تأتي مصر التي تمتلك المقومات اللازمة لتصبح قوة إقليمية عظيمة في النظام الدولي الجديد. بموقعها الجغرافي الاستراتيجي، وقوة تأثيرها السياسية في المنطقة، والنهضة الاقتصادية التي تشهدها، قد تكون مصر واحدة من القوى الصاعدة التي ستعيد تشكيل موازين القوى في العالم.
إذًا، في الوقت الذي تتغير فيه معالم النظام العالمي، تظل هناك فرصة لتحقيق التقدم والازدهار للدول التي تدرك حجم التحديات وتعمل على استغلالها لصالحها، التفاؤل دائمًا هو المفتاح الذي يقودنا نحو المستقبل. لذا، فإننا نقول: تفاءلوا بالخير تجدوه، فالعالم يتغير، ومصر قد تكون في مقدمة القوى التي ستساهم في بناء هذا النظام الدولي الجديد.