حي رغم موته| رثى زوجته وورَّث نجله الشعر.. حكايات مريد البرغوثي في ذكرى وفاته
مريد البرغوثي؛ الفلسطيني الذي طوَّع الشعر لخدمة القضية الإنسانية؛ التي التف حولها العالم، وشكَّله عجينة في يديه ليعبر به عما يدور في خلده، عن حبه لزوجته، عن البسطاء وقضاياهم، عن الألم والوحدة إذا ما لزم الأمر؛ عاش بالشعر وعشقه لدرجة أن نجله ورثه منه، وأصبح لدينا تميم البرغوثي.
تزوج الشاعر مريد البرغوثي من الكاتبة المصرية رضوى عاشور، ونشأت بينهما قصة حب رائعة؛ كان مفادها أن التقيا في جامعة القاهرة، واستمرت حتى حال الموت بينهما بوفاة رضوى في العام 2014.
لم يكن حب مريد البرغوثي لرضوى عاشور حبًا عاديًا، بل كان حبًا يتحاكى به الأدباء، ويفخر به تميم البرغوثي إلى الآن، حتى لأنه حزن على وفاتها حزنًا شديدًا، ورثاه بحروفٍ أورثت في قلب الجميع الحزن:
ومن هذه الكلمات: افتحوا الأبواب لتدخل السيدة، من ينشغل بحزنه على فقد المحبوب ينشغل عن المحبوب، الآن أطلب من حزني أن يتجه إلى أقرب بوابة ويغادر هادئا كما أشاء أو هادرا كما يشاء لكن دون أن يلفت الأنظار، لا يعجبنى جوعه ولا تلكؤه، أكاد أكرهه تحديدا لهذا السبب، كأنه حزن لا يثق بنفسه وكأنه إن اكتفى اختفى، وكأننا لم نشاركه مقعده ومخدته ومنديله وملمس حذائه على زجاج ساعاتنا.
وتابع: لست أنت المهم اليوم ولا أنا أيها الحزن، أنا منشغل بها لا بك أنت، بسعيها العسير للنصر في مواجهات زمانها، واجهت السرطان خمسة وثلاثين عامًا ومحدوثوها لا يرون فى حديقة لقائها إلا أشجار السرور وفاكهة السماح والرضا، واجهت السائد المتفق عليه والطاغية المسكوت عنه وواجهت، حتى الرمق الأغلى، ركاكة الناطقين باسمنا، ركاكة الضوء المشترى وركاكة الكلام وطقوس الهوانم، هي التي جعلت لقلبها يدا منصفة تصافح الأضعف، وتصفع جملة الطاغية وشبه جملته، يدا تسهر الليالى لتصحح الواقع والامتحان.
رضوى عاشور ومريد البرغوثي.. بينهما ميثاق أكبر من الزواج.. بينهما الشعر والأدب
أحبت رضوى فن الرواية، وكتبت فيها الكثير، كتبت عن الطموحات والأحلام، وشاركت الشعوب الواقع والخيال، قصص من حياتها مع مريد البرغوثي، وسير من مواقفها معه، على سُلَّم جامعة القاهرة؛ حيث لم تخمد نار الحب بينهما إلا حين رحل عن دنيانا في مثل هذا اليوم 14 فبراير عام 2021.
وكتب مريد البرغوثي الشعر لرضوى، وكتب عن حبهما في أبياتٍ لا زالت يرددها العشاق في الأوساط، ويضربون بها المُثل في أهم الأوقات، عن حبٍ لم يشوبه صفو، كان مسالمًا كسلام الطير، ورثه منهما ولدهما، أخذ الوداعة من رضوى، وحاكى والده في الشعر، فكتب عن الحب والديار وفلسطين.
رثى تميم البرغوثي والده باسمه، مثل هذا اليوم 14 فبراير عام 2021، لم يستطع تميم البرغوثي أن يكتب أي شيء عن والده إلا اسمه، ولم يقل حتى وداعًا، فقط كتب على مواقع التواصل الاجتماعي: مريد البرغوثي.
عنيت له هذه الكلمة الكثير، لم يقو على أي قولٍ آخر غير اسمه، وكأنما تمثلت في هذه الكلمة حياته وكيانه وشعره وصداقته ويتمه؛ مريد البرغوثي كان الأجمل بالنسبة لتميم، والأصدق بالنسبة لرضوى.
وكتب بعدها قصيدة عن حب والديه لبعضهما، كتب عن أنهما عاشا أحرارًا ورحلا كرامًا، وقال في القصيدة:
أمي وأبويا التقوا والحر للحره
شاعر من الضفة برغوتي واسمه مريد
قالولها دا اجنبي ميجوزش بالمرة
قالتلوهم يا عبيد يا اللي ملوكها عبيد
من أمتا كانت رام الله من بلاد برا
يا ناس يا أهل البلد شارياه وشاريني
مين يعترض ع المحبة لما لما ربي يريد
كان الجواب إن واحد سافر إسرائيل
وأنا أبويا قالولوا ياله ع الترحيل
دلوقتي جه دوري لجل بلادي تنفيني
وتشيب أمي في عشرينها وعشريني
يا أهل مصر قولولي بس كام مرة
هتعاقبوها على حُب الفلسطيني